أعتقد أن الولايات المتحدة بدأت تعود إلى رشدها مرة أخرى، بعد أن انكشفت لها الحقيقة كاملة عمن كانت تدعمهم وتساندهم، وتقف من أجل ذلك ضد رغبات وتطلعات الشعب المصرى.
فقد اتهم وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى جماعة الإخوان بأنها سرقت ثورة 25 يناير، فى كلمة ألقاها أمام مؤتمر مجلس الأمن الاستشارى عبر الحدود بمقر وزارة الخارجية الأمريكية، قائلاَ أن "أولئك الشبان فى ميدان التحرير بالقاهرة أثناء ثورة 25 يناير 2011 لم يتحركوا بدافع دينى أو أيديولوجى، وإنما بسبب ما شاهدوه حولهم فى هذا العالم، وقد أرادوا الحصول على فرص تعليم ووظائف، ليضمنوا مستقبلهم، ولم يريدوا حكومة فاسدة تحرمهم من كل هذا".
التصريحات تعتبر تحولاَ جوهرياَ فى علاقة الولايات المتحدة بتنظيم الإخوان.. فقد ظلت الإدارة الأمريكية تدعم هذا التنظيم المحظور بعد أن قام الشعب المصرى العظيم وبمساندة من القوات المسلحة الباسلة بالثورة على الرئيس المعزول محمد مرسى، وساندت هذا التنظيم بكل ما أوتيت من قوة خوفاَ من أن يتم هدم التحالف القوى الذى بنته إدارة الرئيس أوباما معه وحتى يتم تحقيق ما تم الاتفاق عليه من مخططات لتقسيم مصر، بالإضافة إلى المصالح المشتركة بين الطرفين.
وتعتبر هذه التصريحات أيضا تغير إيجابى فى الموقف الأمريكى تجاه ما حدث فى ٣٠ يونيو و3 يوليو واستسلاماَ للأمر الواقع الذى فرضته مصر وشعبها وجيشها، واعتراف بفشل سياسة عقاب مصر التى انتهجتها الإدارة الأمريكية والتى كانت أحد تداعيتها تجميد المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية إلى مصر والتى تصل إلى حوالى مليارى دولار فى العام الواحد.
لا يمكن أن نستبعد أيضاَ التقارب المصرى الروسى الذى حدث مؤخراَ من سياق هذه التصريحات، فتأييد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لثورة 30 يونيو ورفع المصريون صوره فى ميدان التحرير أثناء فعاليات الثورة، وزيارة وزير الخارجية المصرى السيد نبيل فهمى إلى موسكو فى الشهر الماضى، وزيارة وزير الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر مؤخراَ واستعداد موسكو للتعاون العسكرى مع مصر كبديل عن الولايات المتحدة، كلها أمور أزعجت الإدارة الأمريكية واقلقتها خوفاَ من خسارة واحدة من أهم دول الشرق الأوسط وأكثرها تأثيراَ، وخشية أن تفقد نفوذها فى هذه المنطقة ذات الأهمية الجيواستراتيجية.
نعم قد تكون هذه التصريحات مجرد اجتهاد شخصى من وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى )مع العلم أن كيرى لا يتفق مع سوزان رايس مستشارة الأمن القومى الأمريكى حول جانب كبير من سياسات الولايات المتحدة تجاه مصر(، وقد لا تكون معبرة عن التوجه الفعلى أو الموقف الرسمى للولايات المتحدة – التى تعتبر دولة مؤسسات ولا يمكن لأى شخص أن يأخذ القرار منفرداَ، بل القرار يعتبر محصلة لآراء عدة جهات مختلفة داخل الإدارة الأمريكية – ولكن مجرد صدور هذا الكلام على لسان مسؤول أمريكى بارز أعتبره شخصياَ صك اعتراف من الدولة الأقوى فى العالم بثورة 30 يونيو.
إن المتغطى بأمريكا عريان، فهى دولة لا أمان لها ولا وعود، تعرف جيداَ كيف تسير الدفة نحو مصالحها دائماَ، ويجب ألا نثق فيها وفى تصريحات مسؤوليها كثيراَ، ويجب ألا ننخدع بمواقفها، فالتاريخ ملىء بالتجارب والأمثلة التى أثبتت أن أى رئيس دولة وثق فيها ووطد علاقته بها تخلت عنه أمريكا فى أقرب فرصة عندما ثبت لها أن مصالحها انتهت مع هذا الشخص أو مع هذه الدولة.. حتى فى مصر التاريخ يشهد على ذلك، فقد وقفت الولايات المتحدة فى أول أيام ثورة 25 يناير بجانب الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ثم تخلت عنه ودعته إلى ترك الحكم والاستجابة لتطلعات المصريين، والأمر ذاته يتكرر الآن مع الإخوان ومع الرئيس المعزول محمد مرسى.
إذن.. فبالرغم من أن هذه التصريحات تعتبر جيدة وإيجابية، إلا أنها فى الوقت ذاته قد تكون مراوغة وحيلة خادعة من الإدارة الأمريكية لجس نبض السلطة فى مصر أو بالونة اختبار للعلاقات المصرية الأمريكية، فيجب ألا ننخدع بمثل هذه الأمور، وألا نعول عليها كثيراَ وأتصور أن القيادة السياسية المصرية تعى جيداَ لمثل هذه الأمور وللأساليب الملتوية التى تنتهجها الإدارة الأمريكية من وقت إلى آخر.
أوباما
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mecky
خلاص قول للببلاوى يسافر لامريكا غدا