الفلاح المصرى، هذا الرمز الشامخ والاسم المجلجل والعطاء الذى لا ينضب والقوة التى لا تلين هذه المعدن الأصيل الذى حمل مصر منذ آلاف السنين على رأسه، وحكى تاريخه المجيد قصصا من البطولة منذ آلاف السنين بعد أن هبط المصرى من الهضاب والجبال إلى ضفاف الوادى واستقر حوله بكل عزيمة ومثابرة وصبر.
ومع تقلب الأحوال وفى خضم المعارك السياسية قبل الثورة وبعدها، ضرب الفلاح نموذجا يجب أن يحتذى، وحالة يجب أن تدرس ويأخذ منها المصريون العظات فرغم قسوة الحياة وشدتها وضيق ذات اليد والاختناقات التى نصاب بها واحدة تلو الأخرى، لم نر فلاحا ترك أرضه واعتصم فى الشارع أو قطع طريقا أو حطم منشأة أو مركبة ولم يظهر الجلباب الفلاحى الأصيل فى أى اختراقات لأمن المواطنين أو تهديد سلامة المجتمع.
ويلحظ السائر هذه المساحات الشاسعة من الأراضى التى قام الفلاحون فيها سابقين للطيور فى البكور حاملين فؤوسهم وآلاتهم ومصطحبى دوابهم فى منظر رائع ينادى على الجميع لماذا تركتم أعمالكم وخربتم دياركم؟! لماذا قطعتم الطرق وهددتم الآمنين؟ لماذا أشعلتم الدنيا نارا بهمجية وغباء؟ لماذا نسيتم بلدكم وسرتم تلهثون وراء الأوهام؟ لماذا تركتم الأعداء وصوبتم سلاحكم فى صدور الأشقاء؟ لماذا فعلتم هذه الأفعال البلهاء والتصرفات الهوجاء؟
لقد ترك الفلاح السياسة ومعتركاتها رغم أزمة البنزين والسولار ورغم قسوة أسعار الأسمدة والتقاوى والبذور ورغم قلة المياه فى الترع وتلوثها المنظور ورغم العلل التى يعانى منها من أمراض القلوب والصدور والبطون ولم يسأل عنه أحد بعلاج أو بنظرة رحمة وكلمة مواساة وهو فوق الفراش منشور بل خلت وحداته الصحية من الحد الأدنى للعلاج والإسعاف.
لقد ترك الفلاح وراءه هما ثقيلا من الفقر والمرض والاستغلال الذى احتكرة مجموعة ليجعلوا سلعته ليس لها فى السوق ثمنا أو يتركها فى خزينة حبوبه تبور، وشاهد أبناءه فى مدارسهم يفترشون الأرض فى فصولهم وتركوا فريسة للجهل دون علم أو تنوير وأصبح مهددا بديون البنوك، التى أكلت زرعته وأكلت تعبه وأصبح أسيرا لمديونيات بنك التنمية بالملايين، وبين لحظة وأخرى قد تراه خلف الأسوار سجينا.
عبد الفتاح محمد البقلى يكتب: الفلاحون الصامدون
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013 07:23 ص