نعم ستكون تلك آخر مقالاتى التى أكتبها إليك أيها الإنسان الباحث عن قيمتك، عن حريتك، عن مكانك ومكانتك، تمحورت العديد من كتاباتى السابقة حول فكرة واحدة هى تدعيم الذات فى مواجهتها لصعوبات الحياة، مؤكداً على حقيقة المعجزة التى تتكرر فى خلق كل إنسان، ففيك أيها القارئ معجزة، بل معجزات، فى الخلق المعنوى والمادى على حد سواء، ليس فى أجهزة جسمك التى تحتاج إلى آلاف المهندسين يعملون آلاف السنين لصنع جهاز واحد فقط بنفس دقة يديك أو عينيك أو عقلك، وإن توفر لهم الوقت والعتاد، ما صنعوا قلب مثل قلبك، وإن صنعوا، فلن يهبوا لها حياة مثل حياتك، ولا إرادة مثل إرادتك، ولا اختيار مثل اختيارك.
اختيارك، إرادتك، تأملك، تجربتك، جرأتك، صوابك، خطأك، تلك بعض المعجزات المعنوية التى يتعجب كثيرين من أثرها، ففى الوقت الذى يجزم فيه الأطباء على الموت لا محالة لحالة ميئوس من شفائها، تظهر معجزة معنوية اسمها الإرادة، وفى الوقت الذى يجزم فيه كثيرين من حتمية الفشل والهزيمة، تظهر معجزة اسمها التأمل لنجد اكتشافاً جديداً لم يلتفت إليه أحد يعيد الحسابات فى أقل من لحظة.
لن أكتب إليك مرة أخرى أيها القارئ الباحث عن قيمتك، فقيمتك كامنة بداخلك، لا تظن أن أخفتها تلك المناطق المظلمة من عمرك، والتى تظن أنها قللت من شأنك، تلك الأيام التى تحاول نسيانها دون جدوى، وتطلق عليها معظم مسميات الحزن والألم.
لن تكون فى حاجة إلى كلماتى بعد الآن، فقط اكتشف حقيقة ظلام تلك الأيام، حقيقتها أنك كنت أقرب إلى خالقك باعترافك بضعفك فى تلك الأزمات، أنك كنت على وشك اكتشاف قدرة جديدة داخلك ومعدن جميل بصبرك وحسن صنعك، ستجد العديد من المواقف التى كنت فيها بطلاً لكن بدون أن يصفق لك الجمهور، لكن يعلمها الله الذى يوماً سيخرجها للنور، أكمل طريق صبرك رافعاً رأسك من الآن، فمهما كان خطأك سيهديك ربك للصواب.
صواب أن ظلام تلك الأيام التى اهتزت فيها قيمتك أمام نفسك لا تستحق هذا الاسم، فكما أن الليل ليس بإهانة يمحوها النهار، فالخطأ ليس بهوان يمحوه النجاح، ولكن لخطأك دوره الذى أثقلك وعلمك، ولنجاحك دوره الذى فهمت به وعلمك، إياك أن تصدق من يصف تصرفك بأوصاف تهينك، إياك أن تصدقه أو يهتز يقينك بقدراتك، وإلا فاسأله كم خطأ أخطأه حتى تعلم؟ وكم صبر عليه والداه حتى تكلم وتعلم؟ فلا تدع جهل وغرور من حولك يضيع ثقتك بقدرات نفسك، أو فى غمرات يأسك تطلق المسميات الظالمة على أيامك، هذه للحزن وهذا للفشل، صحح تلك الأسماء وما بها من خلل، ستجدها فى حقيقتها كنز من التجارب التى إن أكملتها سيكتمل بها النجاح.
فالصورة فى يد الرسام قد لا تكون مفهومة لمن يراها وهو يرسمها، لا يراها إلا الفنان الذى يتخيلها ويرسمها خطاً بخط، ربما وصفها البعض بالخطوط العشوائية، لكن أبداً لا تشغل تلك الأوصاف المغلوطة الرسام عن إكماله للوحته، أنت الفنان الذى يرسم تلك الخطوط بأيامه بجمل أعماله، أكمل خطوطك وخطواتك، وادرس تجاربك ودقق فى أيامك، وأكمل لوحتك.
انتظر كلماتك أنت، فأنت الفنان الحقيقى للوحة عمرك التى لم تكتمل، أنت البطل الحقيقى لقصتك، أنت من أنتظره حتى يكمل قصة حياته، كيف أحال تلك الأيام التى وصفها البعض جهلاً بالظلام، كيف تحولت بيديك إلى النور، أنت لست فى حاجة إلى كلماتى، فكلماتى عنك انتهت عندما علمت أنك من له حق الكلام، والاختيار، والنقد، ومواجهة الدنيا بآرائه وأعماله، وتحدى كل ما يشوه قدراته حتى يحقق طموحاته، أنتظرك أيها القارئ، فالكلمات التالية كلماتك، أنت الفنان والبطل ومن بيده تصحيح معتقداته.
محمود كرم الدين محمود يكتب.. آخر مقالاتى إليك
الإثنين، 25 نوفمبر 2013 02:02 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسمينة
جيد جدا
مقال اكتر من رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر الصيدلي
مقالة جميلة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود كرم الدين محمود ـ كاتب المقال
شكراً لكم تعليقاتكم الجميلة