محمود حسين يكتب: هذا ما جنيناه فى حق أبنائنا

الإثنين، 25 نوفمبر 2013 11:05 م
محمود حسين يكتب: هذا ما جنيناه فى حق أبنائنا صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أتابع تقريرا إخباريا عن التعليم فى اليابان مؤخرا، وليس هذا هو المقام لسرد تفاصيله ولكن الأمر هو أنى عند رؤية الطفل اليابانى وهو يمر بتلك المنظومة المرتبة النظيفة الإبداعية، التى هى أشبه بسيمفونية تعزف على يد القائمين على التعليم فى تلك الدولة ذات 120 مليون نسمة، الذين يعيشون على مساحة أقل من مساحة مصر، عندها قفز إلى ذهنى تساؤل، ماذا جنى الطفل المصرى حتى لا يتساوى مع قرينه اليابانى فى حق التعليم الجيد؟

إن كل منا جميعا فى الشرق الأوسط يركز بصره بين قدميه، نلهث جميعنا خلف المكاسب قصيرة الأمد، ليس لنا رؤية ولا خطة، أفسدنا الأخلاقيات وادعينا حسن الخلق، أخذنا ننفر الكون كله من الدين وادعينا الورع، أضعنا هويتنا وادعينا الأصالة، لقد انتهى جيلنا حتما فى تلك الهوة التى صنعناها جميعا، فلنستمر فى التظاهرات وننحدر بها فى الهوة أكثر وأكثر، ولكن فلنسأل أنفسنا أولا إن رضينا ذلك المصير لأنفسنا فهل نرضاه لأبنائنا؟
إن مدير المدرسة اليابانية هو أول من يأكل من وجبة الغداء، بينما الطالب فى مصر– إن وجد وجبة الغداء- يصاب بالتسمم ولا عزاء، ولكن الفرق أن ذلك الصغير اليابانى عندما ينظر له مجتمعه فإنهم يرون الأمل، المستقبل، امتداد الحضارة وأكثر من ذلك، فكل جيل يملك جزءا من الخيال ينتهى عند مرحلة معينة- وتلك سنة الحياة- ليسلم رايته لجيل يليه مشحون بالأفكار والطاقات، أما فى مصر فلا سنة ولا فرض، فإن الخيال يتوقف والاستبداد يستمر وتسليم الأجيال يتم فقط بداخل الأسرة الواحدة فنجد أسر متوغلة فى ذلك السلك الأمنى أو القطاع الحكومى أو حتى الخاص، الطفل هو نكرة، يُسمع فقط لكى نستمتع بذلك الكائن اللطيف الذى يظل فى نظر المجتمع طفلا حتى سن الحادية والعشرين، لا رأى له، لا تأثير له، لا ضرورة لإطلاعه على أى شىء مفيد، إنه يتجرع نظام التعليم تجرعا حتى إذا ما جاءت نهاية العام الدراسى تقيأ ما تجرعه، والتعليم الجيد فقط هو من نصيب من يملك المال وليس من يملك المواهب، ومن تلك الجملة الأخيرة ينطلق سؤال آخر، كيف تنهض الأمة وكل مواهبها موءودة منذ مولدها؟ والإجابة هى أنه ليست لأمة كتلك نهوض ولا نهضة.

كم كانت أعمار قادة المسلمين الفاتحين فى فجر الإسلام؟ ما هو معدل أعمار كبار المسئولين فى الدول المتقدمة؟ كم عمر باراك أوباما عندما تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف لكل هؤلاء الوصول إلى ذلك التفوق فى سن مبكرة؟ إنه ما نعلمه لأبنائنا يا سادة، إنها بذرة نزرعها لنحصد ثمارها بعد عشرين عاما، وقد كانت بذرتنا فاسدة، ضعيفة، نحيلة، وقد جنينا منها منظومة من التخلف، بل مقارنة بأى دولة متقدمة وإن كانت تملك عُشر مواردنا فإننا جميعا نعيش منذ عشرين أو ثلاثين عاما فى صندوق قمامة عملاق، فدعونا نتخير بذرتنا القادمة بعناية.

دعونا نغرس بذرة طيبة ليحصد أبناؤنا ثمارها، ليعيشوا كما لم نعش، لكى يتمتعوا بآدميتهم، لكى يتحلوا بأخلاقيات لا تفسد، لكى يتسلحوا بعلم نافع، ليعايشوا ما حلمنا به وعجزنا عن تحقيقه، طرقا مهدها مهندس موهوب، ضابط شرطة على خلق لم يفقد إنسانيته، منتج مصرى يتطلع المستهلك العالمى لاقتنائه كما تطلعنا نحن للهواتف المحمولة الأمريكية والكورية، دعونا نغذى مواهبهم، نشجعهم على أن يجربوا ولا نحنق للخطأ، ولنجعل المكافأة على النجاح فورية وحتمية، فلنغير قوالب التعليم الجامدة والفكر الذى نسمم به عقول أبنائنا بعدم وجود وظيفة سوى لخريجى بعض الكليات، دعونا نقتل مفاهيم مثل "الدروس الخصوصية" و"كليات القمة"، أقول دعونا نقتلها قتلا قبل أن تقتل جيلا آخر كما أفسدت جيلنا وجمدته فى موضعه عشرات الأعوام فى حين كان العالم من حولنا يتغير كل يوم بل كل ساعة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة