أحلم كما يحلم كل مصرى ومصرية بصورة مختلفة تمامًا لمصر تتخلص فيها من مشكلاتها التى أنشأها ورعاها الحكم غير الديمقراطى حتى صارت ألغامًا وقنابل تهدد بالانفجار فى أى لحظة لتذهب بالأخضر واليابس.
ويتطلع المصريون إلى دول كانت فى أوضاع أسوأ مما نحن فيه ولكنها استطاعت تحقيق معجزات فى التطور الاقتصادى والاجتماعى، والسبيل إلى ذلك أن يكون لنا مثل الدول الناجحة مشروع وطنى شامل يجمع عليه جميع أبناء الوطن، ويتخذونه منهاجًا للعمل الجاد من أجل إعادة بناء الوطن، والارتفاع بمستوى الحياة فيها على أسس من الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكافؤ الفرص للجميع.
واللبنة الأولى والأهم فى تهيئة المناخ الوطنى لبدء العمل فى «المشروع الوطنى المصرى» هو «الدستور» الذى تنشغل لجة الخمسين الآن فى محاولة إنهائه تمهيداً لطرحه فى حوار مجتمعى شامل وجامع لكل أطياف المجتمع، للوصول إلى توافق وطنى متين يضمن لمشروع دستور موافقة الأغلبية الساحقة من المصريين ليكون حجر الأساس فى البناء الوطنى الجديد.
والمهم فى الدستور المنتظر، أن يتضمن المبادئ والمفاهيم الرئيسة لأربع منظومات حاكمة لتطور وتقدم الوطن، وهى: منظومة التحول الديمقراطى والتطوير السياسى، ومنظومة التنمية المستدامة الشاملة والعادلة، منظومة القيم والمبادئ الحاكمة لحركة المجتمع، منظومة محددات السلوك الفردى والجمعى.
نحن المصريين نتطلع إلى:
دستور حديث يؤسس لنظام حكم ديمقراطى جمهورى برلمانى - رئاسى يقوم على توازن السلطات، ويرتكز على دور محورى للسلطة التنفيذية «الحكومة» التى تأتى بناء على انتخابات ديمقراطية حرة، ويتقلص فيه دور رئيس الجمهورية ليكون حكمًا بين السلطات لا رئيسًا أوحد لها جميعًا، ويؤكد الدستور ديمقراطية اختيار رئيس الدولة من بين مرشحين متعددين فى انتخابات حرة وشفافة لا تقيدها أى قيود تنحاز لمرشح دون غيره.. كما يجب أن يكرس الدستور مبدأ تداول السلطة على أسس ديمقراطية وفى جميع المواقع من خلال الالتزام بتحديد مدة شغل رئيس الجمهورية لمنصبه وقصرها على فترة محددة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وكذلك تحديد مدة شغل جميع المناصب التنفيذية فى الدولة بمدة محددة.. كما يكون مطلوباً النص على آليات محددة لمحاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين وغيرهم من قيادات السلطة التنفيذية يضعهم أمام مسؤولياتهم، فضلاً عن نظام فعال لمتابعة تطور الذمة المالية لهؤلاء جميعًا وكل من يشغل وظيفة عامة أو يحصل على عضوية مجلس منتخب.. كما يجب تضمين الدستور معايير وقواعد وآليات واضحة لمحاسبة ومساءلة الحكومة وممثليها ووحداتها المختلفة عن أوجه التقصير والفشل فى تحقيق أهداف التنمية ورعاية شؤون الوطن والمواطنين، وصلاحيات كاملة للبرلمان فى الرقابة على الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها وحجب الثقة عنها.
كما يجب أن يؤكد الدستور على أن مصر دولة مدنية تلتزم القانون ويخضع جميع مواطنيها لحكمه على السواء من دون تمييز، وتختفى فيها كل مظاهر وتأثيرات الدولة الدينية أو العسكرية، ويشغل المدنيون المؤهلون جميع الوظائف والمناصب فى أجهزة الدولة غير العسكرية. ويتأكد مبدأ إلغاء التمييز بين المواطنين لأى سبب، وبذلك يكون المصريون جميعاً متساوين فى الحقوق والواجبات بما لا يدع أى مبرر لاستمرار تخصيص نسبة 50% للعمال والفلاحين فى المجالس المنتخبة، كذلك يجب تجنب أن ينص الدستور القادم على تخصيص مقاعد لفئات من المصريين مهما كانت أسباب التخصيص تأكيداً للمساواة بين جميع المصريين.
ويجب أن ينص الدستور على نظام ديمقراطى للانتخابات الرئاسية والاستفتاءات، وأن تكون الانتخابات البرلمانية والمحلية وفق النظام الفردى مع تخصيص نسبة لا تزيد على %25 من مقاعد البرلمان للانتخابات بالقوائم الحزبية المغلقة.. وتقوم على إدارة عمليات الانتخابات والاستفتاءات هيئة وطنية مستقلة تتكون من شخصيات قضائية وقانونية محايدة وغير قابلين للعزل، ولا يخضعون لسيطرة أو تأثير السلطة التنفيذية، يحدد القانون تشكيلها واختصاصاتها، بدءاً من إعداد جداول الناخبين وتحديثها حتى إعلان النتائج.
يتطلع المصريون إلى دستور يؤكد التعددية الحزبية تؤسس فيها الأحزاب بالإخطار، بدون مرجعيات دينية أو طائفية أو عرقية، من دون تدخلات ومعوقات من جانب السلطة التنفيذية، ويتاح فيها للأحزاب العمل والدعوة إلى أفكارها وبرامجها من دون قيود سوى الالتزام بالدستور والقيم المجتمعية والأهداف الوطنية الكبرى، وإتاحة كامل الحرية للمواطنين فى الاختيار والمفاضلة بين تلك الأحزاب وبرامجها وأفكارها.
يأمل المصريون أن يؤكد الدستور إقامة هيكل حديث ومتوازن من التشريعات تحمى المواطن من تعسف السلطة التنفيذية وتغول الفساد والمفسدين، وتؤكد ضمانات التقاضى وحرية المواطن وحقه فى أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، وتخلو من القوانين المقيدة للحريات والمعادية للديمقراطية. كما يجب أن ينص الدستور على إلغاء المعتقلات، وإلغاء سيطرة وزارة الداخلية على السجون ونقلها إلى إشراف هيئة وطنية مستقلة يشرف عليها قضاة.
يأمل المصريون أن يؤكد الدستور احترام حقوق الإنسان المصرى، وتوفير ضمانات دستورية وتشريعية لحمايته من تغول سلطات الأمن والاعتقال، وسلب الحرية، وتقييد حقوقه فى العمل والتعبير والانتقال والسفر والاستثمار والتملك، وغيرها من الحريات والحقوق الأساسية، وأن يؤكد مبدأ المواطنة، وأن المصريين جميعاً متساوون فى الحقوق والواجبات، وكلهم أمام القانون سواء، من دون نظر إلى معتقداتهم الدينية الذين يكفل الدستور ممارسة شعائرهم الدينية وحرية بناء معابدهم.
ومن المأمول أن ينص الدستور الجديد على نظام اقتصادى يحترم الملكية الخاصة، ويتيح الفرص كاملة لمبادرات القطاع الخاص فى تحمل مسؤوليات التنمية فى المجالات كافة، ويحتفظ بدور متناسب للقطاع العام فى المجالات الاستراتيجية التى ينبغى أن تكون محلاً لتنسيق الدولة، ولكن يتم إدارته وتشغيله وفق قواعد وآليات الإدارة المتطورة، ومعايير السوق والكفاءة الاقتصادية، متساويًا تمامًا مع القطاع الخاص فى الحقوق والواجبات.
ويأمل المصريون أن ينص الدستور على حماية الملكية العامة لوسائل الإنتاج الأساسية التى يجب أن تحتفظ بها الدولة لحماية مصالح المواطنين، وأن تطرح أى خصخصة لأى وحدة فى نطاق الملكية العامة للاستفتاء العام، وتنفذ ما يرضى به المصريون أصحاب تلك الثروة المطروحة للبيع، وتتقيد بالشفافية وضوابط ومعايير واضحة فى إجراءات الطرح والبيع وإدارة المؤسسات والشركات العامة فى جميع مجالاتها، وتحاسب المسؤولين أياً كانت مواقعهم حال الانحراف عنها.
ومن القضايا الرئيسة التى يجب النص عليها فى الدستور أهمية المحافظة على أموال التأمينات الاجتماعية وإدارتها، من خلال مؤسسة وطنية مستقلة للتأمينات الاجتماعية، تقوم على استثمار فوائضها فى مجالات ذات عوائد مضمونة، حماية لأموال المؤمنين.
كذلك تأكيد الحق فى العمل لجميع المواطنين الراغبين والقادرين على العمل، ومواجهة قضية البطالة وتأثيراتها السالبة على حركة التنمية والسلام الاجتماعى.
ويجب أن يؤكد الدستور حرية الإعلام المرئى والمسموع والمقروء بعيداً عن سيطرة الدولة، ولا يخضع إلا للمعايير المهنية الصادقة، والقيم الأخلاقية، وحكم القانون الذى يطلق حرية إصدار الصحف والمطبوعات، وإنشاء القنوات الإذاعية والتليفزيونية وفق ضوابط ترعى المصلحة العامة والقيم المجتمعية، ولا تنحاز فقط إلى ما يؤكد سيطرة الدولة على وسائل التعبير، وإلغاء ملكية الدولة للصحف، وإلغاء المجلس الأعلى للصحافة.. ويرتبط بهذا ضرورة النص على حرية تداول المعلومات، وتأكيد حق المواطنين فى المعرفة والشفافية فى حصول المواطنين ووسائل الإعلام على المعلومات.
كذلك ينتظر المصريون أن يؤكد الدستور على معايير وآليات لتأسيس منظومة تعليمية عصرية فى مختلف مستويات التعليم، وأهمية تطوير برامج ومناهج تعليم عصرية، ونظم للتقويم وتطوير التعليم وتحسين أداء مؤسساته، والنص على تهيئة الظروف لقيام نهضة علمية وتقنية تقودها جامعات ومراكز بحثية عصرية تكافئ مثيلاتها فى العالم المتقدم، وتلتزم بمعايير الجودة والاعتماد المتعارف عليها دوليًا.
تلك بعض ملامح يأمل المصريون أن يجدوها فى مشروع الدستور حتى يقبلوا على التصويت له بـ«نعم».
د. على السلمى يكتب: رسالة إلى لجنة «الخمسين».. ملامح الدستور الذى ننتظره
الإثنين، 25 نوفمبر 2013 10:37 م
د. على السلمى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة