زرت هذا العام الأقصر وأسوان، كنت فرحا بهذه الرحلة، تنقلنا بين أماكن ورأينا معابد عجيبة، وتأكدت من أن القدماء كانوا أصحاب ديانة ولم يكونوا كافرين كما يعتقد البعض، "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" صدق الله العظيم.
السيارة تسير بنا فى فضاءات شاسعة، فرحت جدا بها، تيقنت أننا نمتلك ذهبا وأغلى من الذهب، هذه الأراضى التى يوزعونها للحبايب، أرجو أن تنتهى تلك البدعة، وتعود الدولة إلى عقلها وتخطط الأراضى والمدن الجديدة للشعب، عندنا أراض شاسعة، ومجاورة للنيل وغير مجاورة له، لن تكون دون موارد؛ ولن تشكو مصر من الزيادة السكانية، نحن فوق الأرض مثل حبات الرمال، لا تفتأ- بعد حين– أن نغوص تحتها.
تذكرت اقتراح الدكتور فاروق الباز بإنشاء مدن جديدة موازية للنيل؛ أى محاذية له، بالضفة الغربية للنيل، على طول مصر تقريا، من الشمال للجنوب، واستعان بالدراسات العلمية ونتائج القمر الصناعى؛ فى تأكيد إمكانية تطبيق فكرته، ماذا كان رد فعلنا؟ ما رد فعل الجهات الرسمية فى الدولة؟ فى الحقيقة لا أدرى...
فى أى مكان متحضر بالعالم توجد معالم أساسية فى المدن؛ كل ما ييسر الحياة ويخدم المواطن عموما؛ فمثلا لابد أن تكون هناك ما يسمى بالبنية الأساسية التحتية، وهى الصرف الصحى وخطوط المياه وخطوط الهاتف والكهرباء والغاز؛ أما فوق الأرض– فعلى حد علمى القليل– فلابد من مراعاة درجات اتساع الشوارع، الطرق الرئيسية، الطرق الفرعية، الميادين الواسعة، ساحات انتظار السيارات؛ أماكن العبادة، دورات المياه العمومية الحدائق العامة، المكتبات، المسارح والسينمات و.. وهكذا، كل هذا بما يتوافق مع مئات السنين القادمة، أما فى مدننا– وهى مدن بائسة اختلط فيها الحابل بالنابل، القديم بالجديد، ولم تجد من يوفق بين قديمها وجديدها، فصارت أضحوكة فى بعض الأماكن، للرائى ذى العين الخبيرة أو العين المدربة على مطالعة المدن المتحضرة، فالعين صارت تطالع بيتا قديما متهالكا ويقف ملاصقا له برج يفوق الطوابق العشر، لا حساب أسفله ولا مكان حوله للخدمات التى يتطلبها ذلك البرج بسكانه.
فتحت "جوجل إيرث" للفرجة على خرائط العالم الفسيح، أحسست بالغرق وأنا أحاول جاهدا أن أقبض على خط للإبحار والمشاهدة والمتعة، لاحظت شيئا بديهيا فى كل المدن؛ لاحظت وجود الساحات الواسعة والميادين الشاسعة التى تكاد تختفى من مدننا نحن فى مصر؛ خصوصا منذ أن صار معظم المحافظين من العسكر، وصارت لهم– فى السنوات الأخيرة- سلطة بيع أراضى المحافظة بالمزاد، وصار صندوق المحافظة وما يحوى هو الأهم بالنسبة لهم ولمن حولهم؛ لم تعد مصلحة المواطن، ولا شكل المدينة وجمالها من الاهتمامات الأولى لبعض المسئولين، بعد أن صاروا– قبل الثورة- تجارا للأراضى؛ ونرجو ألا يكونوا كذلك بعدها..
نحتاج إلى ساحات لانتظار السيارات ونحتاج للميادين والمنتزهات؛ يا ليت كل محافظة تقوم بشراء كل قطعة أرض خالية من صاحبها؛ وتدفع له بسخاء، وتقوم بعمل شىء لمصلحة المواطن، حديقة مثلا أو مكان انتظار للسيارات أو حتى جراج، بالرغم من أن الجراجات التى أنشئت فى القاهرة معظمها كئيب ومزدحم ولا يمكن الوصول إليه إلا بمشقة، إلا أن النواة تسد الزير كما يقول المثل الشعبى، لماذا نكاد نفقد الفكر الشامل، الفكر الذى يهم مصالح جموع المواطنين، ولا يخدم أفرادا بعينهم؟ متى يستغنى القادة والمحافظون وجميع أولياء الأمور عن الفكر الضيق، أقصد الذى يخدم مجموعة بذاتها أو أفرادا بذواتهم، ولا يشمل الناس جميعا، لا أقصد أن تتجاهل الدولة مشاكل الأفراد ولكن مشاكل الأفراد لها مستوى أقل من المسئولين الذين يقومون بدراستها ولهم القدرة على حلها؛ والمفروض أن لهم صلاحية اتخاذ قرارات بشأنها، لكى يفرغ المسئول الكبير، ويضع خريطة المنطقة أو المحافظة المسئول عنها أمام عينيه لينظر إليها ويتمعن فيها كل صباح؛ ويسأل من حوله عما تم فى كل متر من أمتار تلك المساحة المسئول عنها أمام الله والناس.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة