وجه إيران الناعم يحصد المكاسب ويعزز حضورها الإقليمى الخشن

الأحد، 24 نوفمبر 2013 01:22 م
وجه إيران الناعم يحصد المكاسب ويعزز حضورها الإقليمى الخشن جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانى
(أ ش أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يؤشر الاتفاق الذى توصلت إليه القوى الكبرى وإيران، فجر اليوم الأحد، فى جنيف بشأن البرنامج النووى الإيرانى، إلى نجاح إيران فى تصدير الصورة الذهنية الجديدة التى رسمها المرشد الأعلى آية الله على خامنئى لما يسميه "الأمة الإيرانية" ذات الوجه الناعم الديمقراطى.

فيما تعزز المكاسب التى حصدها "الوجه الإيرانى الناعم" تقنيا وعسكريا واقتصاديا، حضور إيران الإقليمى فى مناطق الصراعات والتوترات من العراق مرورا بسوريا ولبنان صعودا إلى البحرين واليمن، وهو حضور شديد الخشونة تشير إليه أصابع الاتهام بشأن تأجيج العنف وإزكاء نيران الطائفية المقيتة التى تمارس عمليات الحرق المذهبى وتقود المنطقة إلى صراع لا يمكن التنبؤ بنهايته.

فقد أجادت إيران رسم وجه ديمقراطى بسماح المرشد على خامنئى بانتخاب الإصلاحى المعتدل حسن روحانى رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فى وقت سمح بغياب وجوه متشددة توقع المراقبون أن تتصدر المشهد، فى لحظة تاريخية مغايرة لما جرى قبل أربع سنوات عندما تم استخدام القوة المفرطة لقمع المحتجين، وتزوير الأصوات لمنع وصول إصلاحى آخر هو حسين موسوى، الذى لا يزال قيد الإقامة الجبرية، إلى الرئاسة.

ولعل المفارقة الواضحة هنا هو أن الدول الغربية انقادت وراء لاعب محترف أجاد تكريس لعبة الديمقراطية التى أنتجت "الوجه الناعم" لإيران العصرية، التى يجب أن تحظى برعاية الغرب، وأن تحصد المكاسب على كافة المستويات، سواء على صعيد الاعتراف بحقها فى برنامج نووى "سلمى" أو قوة دورها الإقليمى، خاصة بعد فرض خياراتها فى كل الملفات المشتعلة وآخرها الملف السورى.

واستمرت القيادة الإيرانية بنجاح فى تصدير وجهها الناعم، من خلال تكليف وزير الخارجية الذى يحظى بقبول غربى محمد جواد ظريف ومساعده عباس عراقجى بإدارة المفاوضات لإنهاء الأزمة النووية، وإبعاد الوجود المعروفة بالتشدد التى ضاق الغرب ذرعا بتمسكها بثوابت المرشد خامنئى، التى لم تتنازل عنها الوجوه الناعمة ولكنها غلفتها بالابتسامات ولغة المصالح مع الغرب الساعى لما يراه احتواء لإيران، بما يعنيه ذلك من تجاهل للأدوار التى تلعبها فى المنطقة.

وعلى الرغم من إعلان المرشد الأعلى خامنئى، عشية بدء المفاوضات، فى كلمة أمام قوات "الباسيج"، التابعة للحرس الثورى، أن الوفد الإيرانى سيحترم ما سماه "الخطوط الحمراء" وسيلتزم بالحدود التى رسمها هو شخصيا، إلا أن الغرب المفاوض تعامل مع إيران كنظام طبيعى يحترم أصول العلاقات بين الدول، وهو ما منح طهران ترخيصا دوليا لمواصلة تخصيب اليورانيوم ولو بشروط.

وتشير تفاصيل الاتفاق الذى جرى التوصل إليه بين إيران والقوى الكبرى (5+1) فى جنيف إلى الاعتراف بحق طهران فى نسبة متدنية التخصيب، وهو ما يعنى – وفقا للغرب - وضع حد لطموحات إيران النووية، مقابل وقف جزئى للعقوبات المفروضة على طهران، وهو على ما يبدو حلا يرضى كافة الأطراف، إلا أن الفائز الأكبر فيه هو إيران التى أفلتت من مصير مدمر برفع العقوبات الاقتصادية والإفراج عن جزء كبير من ملياراتها المجمدة.


وحسب الاتفاق، تلتزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5 فى المائة مع التخلص من كمية اليورانيوم المخصبة إلى نسبة 20 فى المائة، ووقف أى تطوير لقدرات تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى عدم زيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة 5ر3 فى المائة.

كما ينص على وقف أى نشاط فى مفاعل آراك ووقف أى تقدم فى مجال تخصيب البلوتونيوم، مع الشفافية التامة فى السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش المفاجئ واليومى لمنشآت إيران النووية، بما فى ذلك مصانع أجهزة الطرد، على أن تلتزم القوى الكبرى بتخفيف "محدود ومؤقت وقابل للتغيير" لنظام العقوبات على إيران، مع الإبقاء على الهيكل الأساسى للعقوبات كما هو خلال فترة الستة أشهر.

ويتضمن الاتفاق عدم فرض أية عقوبات جديدة إذا التزمت إيران بما تم الاتفاق عليه خلال فترة 6 أشهر، مع تعليق العمل بعقوبات محددة، مثل العقوبات على التعامل فى الذهب والمعادن وقطاع السيارات الإيرانى وصادرات إيران البتروكيماوية، بما يوفر لها 5ر1 مليار دولار من العائدات.

فيما يقر الاتفاق السماح بإصلاحات وإعادة تأهيل بعض خطوط الطيران الإيرانية، بالإضافة إلى الإبقاء على مبيعات النفط الإيرانية عند مستواها المنخفض الحالى (الذى يقل بنسبة 60 فى المائة عن مستويات 2011) والسماح بتحويل 2ر4 مليار دولار من عائدات تلك المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها فى الاتفاق، والسماح بتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين فى الخارج.

وإجمالا، ستستفيد إيران بنحو 7 مليارات دولار، لكن القدر الأكبر من احتياطاتها الأجنبية (نحو 100 مليار دولار) ستظل مقيدة بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية (ولن يسمح بزيادة الصادرات)، وكذلك على البنك المركزى الإيرانى، وعدد من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.
ومن خلال قراء متأنية لما جرى الإعلان عنه من بنود للاتفاق النووى بين إيران والغرب، نجد أن الباب أصبح أكثر اتساعا لتأويل تفسيرات تلك البنود لصالح كافة الأطراف، حيث يبدو أنه تم تأسيسه على قاعدة "الكل فائزون"، حيث تؤكد التصريحات الغربية أن الاتفاق "يوقف تقدم البرنامج النووى للجمهورية الإسلامية، ولا يعترف بالحق فى التخصيب النووى لهذا البلد، استنادا إلى أن الاتفاق المرحلى ينص على "تجميد المخزونات من الوقود النووى المخصب بنسبة 20 فى المائة، كما يلحظ مبدأ القيام بـ"عمليات تفتيش دقيقة" للمنشآت النووية الإيرانية.


فيما تشير التصريحات الإيرانية إلى أن الاتفاق يضمن لإيران الاستمرار فى عمليات التخصيب، وهو ما يعنى اعترافا دوليا بحقها فى امتلاك برنامج نووى "لأغراض سلمية"، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس أن هذا الاتفاق "يؤكد حق إيران فى الطاقة النووية المدنية، لكنه يلغى من جهته أى إمكان لحيازة السلاح النووى".

كما يتيح الاتفاق مساحة كبيرة فى الإفلات من الجمود الاقتصادى وإعادة إدارة الأزمة الخانقة التى يمر بها السوق الإيرانى، والتى ظهرت آثارها السلبية على كافة مناحى الحياة، وهو ما تعتبره طهران بداية جيدة لرفع باقى العقوبات التى تكبل الاقتصاد الإيرانى، مما يعد مكسبا كبيرا على المدى الطويل.

فيما ترى إسرائيل أن الاتفاق النووى مع إيران يعد أمرا سيئا يهدد أمنها، إلا أن وزير الخارجية الاميركى جون كيرى اعتبر أن الاتفاق "سيجعل إسرائيل أكثر أمنا"، وهو ما يؤشر إلى صفقات غير معلنة جرى الإتفاق عليها بشأن إعادة ترتيب الأمن الإقليمى على قاعدة " الحضور الإيرانى" فى المنطقة.

وفيما يكرس الاتفاق حضورا معترفا به لإيران " الناعمة" فى القضايا الإقليمية، إلا أن محاولات طهران لتكريس صورة الدولة الرافضة لتهديد باستخدام القوة ضد الجيران أو التدخل فى شؤونهم تبقى على المحك، خاصة أن الوقائع على الأرض تدحض ما تعلنه إيران من "مبدأ عدم التدخل فى شئون الجيران"، فى ظل وجود الحرس الثورى وأذرعه فى المنطقة مثل "حزب الله" و"لواء أبو الفضل العباس" و"كتائب المختار" وغيرهما من التنظيمات التى تمثل الأداة الحقيقية لتمدد إيران فى العالم العربى ومحاولات تكريس حالة الصراع المذهبى فى دول المنطقة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة