معصوم مرزوق

رسالة خاصة إلى «المحروسة»

الأحد، 24 نوفمبر 2013 08:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قرأت الصحيفة التى ابتلت بدماء أبنائى فى سيناء، وتذكرت ليالى الوادى المقدس طوى، وطور سنين، والبلد الأمين، ودوريات الصاعقة فى حلكة الليل، فوجدت أناملى تفتش عن القلم، سلاحى الأخير، كى أخط هذه الرسالة.. بعد كل هذه الدماء، ها نحن قطعنا جل الطريق.. فإلم انتهينا؟
ورثنا ما نورثه غداً، فهل كنا سوى وسيلة انتقال؟ ماذا تركنا من أثر؟.. أتينا، مشينا، ثم نرحل.. كأننا لم نكن سوى قطر ماء تبخر.. ولما كانت الليلة الأولى بعد الألف.. انتهت شهرزاد من رواياتها المملة وقتلها شهريار الملك.. أما أنت فرواياتك لا تنتهى، وكل ليلة تقتلين ملكا.. لقد سئمت مبارايات الشطرنج التى ألعبها دائماً معك وملكى مقتول منذ البداية!
فى لحظة التوهج، انطفأت مقلتاه بدمعة وهو يهمس لى بين دخان البارود، إلا أن نبراته تلاشت فى رعد سرب للفانتوم كان يمرق فوق رؤوسنا.. انحنيت بأذنى على شفتيه لكن لم يبق فى صدره سوى آهات التوجع، وحزنت ليس لأنه مات، ولكن لأن وصيته ضاعت فى الضجيج.. عدت مع العائدين من الجبهة، بملابس الإحرام كى نطوف فى مدينة فاسقة، ورأيتك تصفقين وتهللين لأسطورة طروادة وهى تتحقق على أرضك، رأيت كل القلاع تستباح، كل ذكرياتنا تقتلع، حتى الوثائق التى مهرناها بدمائنا استبدل بها وثائق زواج محرم، وشاهدتك تفتحين الأبواب للسماسرة والقوادين والعهرة.. لم يبق لى سوى النبش بقلمى فى قبور الميتين.. أنت خائنة، فلا تسوقى العلل والمعاذير، كل من أحبك يعرف، وأنت تعرفين أنهم يعرفون، لكنهم يدعون، يفتعلون، يتصنعون... فهم الشرف، العفة، النبل، وأنت - بالنسبة لهم - بعد أن تدور الدائرة - لست سوى خائنة!
ولكننى أعرف أنك البراءة التى أراها موجزة فى عفويتك، مثل الطبيعة الغفل، مثل كل الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة فى باطن الأرض، بكل شوائبها وعلائقها، ونحن يا سيدتى المزيفون، نرميك بالأحجار وكل بيوتنا من زجاج.
يا جميلتى هذا زمن التتار، فاعذرينى إن كنت قد غادرت عمر الفروسية والمبارزة، واغفرى لى صمتى عندما تسللوا كدخان أسود بين شقوق الناس.. كيف ينتبه للقبح من لم يرك إلا فرحة الجمال المستديم؟
لقد غافلونا ونحن نيام فوق سيوفنا التى صدئت، وخيولنا التى كفت عن الصهيل، وعقولنا التى استرخت.. من يحمى الآن بكارتك، وهل تكفى ذكريات زمن الكبرياء؟! كلما سطرت إليك سطراً، ونثرت عليه من عطر مشاعرى، امتدت الأصابع كى تمحوه، وتمزق كل خطاب حب وتقذف ببقاياه إلى رياح النسيان، بينما كلماتى كعصافير مذبوحة تقطر دم الأفكار والأحلام والذكريات، فهل أكفر بحبك أم أشارك الآخرين فى لوم «البوسطجى»؟
كنت قاسيا عليك فى لقائنا الأخير، جلست فى مقاعد الآلهة كى أرتل عليك الوصايا، وأقيم الوزن والحساب.. وأنت فراشة صفراء ترف فى ذعر حول حرائقنا التى صببنا فيها زيوت غرورنا.. جذبناك ثم رميناك محترقة الأجنحة، واتهمناك بالانتحار!
هذه الكلمات سأضعها فى صندوق من العاج، أغلقه بأوراق مفضضة، وأسوره بشريط أحمر.. سيصلك الصندوق بالبريد، فلا تفتحيه حتى لا تنفجر منه الكلمات بين يديك.. فكل شىء - حتى الحب - صار هذه الأيام مفخخا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

فئة ضالة

عدد الردود 0

بواسطة:

زيكو

أجرام

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد الشيخ

رحلة حزن

عدد الردود 0

بواسطة:

معصوم

شكر وتقدير

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة