قال مركز دراسات إسرائيلية إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يتعمد -فى كل مرة يتطرق فيها إلى حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى- التشديد على المطلب الإسرائيلى الجديد بأن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى، ويطرح ذلك كشرط أساس لا يمكن من دونه التوصل إلى اتفاق دائم بين الجانبين.
جاء ذلك فى تقرير مطول نشره مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية مؤخرًا، مشيرًا إلى أن هذا الادعاء يسعى لتشويه الحقائق التاريخية، إذ أنه منذ إنشاء إسرائيل عام 1948، وحتى قبل ذلك، كان يتحدث قادة الحركة الصهيونية وقادة إسرائيل عن أن هذه دولة يهودية، وعندما أعلن زعيم الحركة الصهيونية دافيد بن جوريون عن قيام إسرائيل، قال: "إننا نعلن عن قيام دولة يهودية، هى إسرائيل".
وأشار المركز إلى أن الكنيست سن قوانين تضمنت بنودًا بأن إسرائيل هى "دولة يهودية"، على مدار العقود الماضية، وأبرزها "قانون العودة" الذى يتيح لأى يهودى فى العالم الهجرة إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها وامتيازات أخرى، إضافة إلى ذلك تم سن "قوانين أساس"، تعتبر قوانين دستورية، وشملت عبارة أن إسرائيل هى "دولة يهودية وديمقراطية"، بينها "قانون أساس: الكنيست"، فى العام 1985، و"قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" فى العام 1992، ورغم ذلك فإن سجالاً وجدلاً حادين دارًا فى إسرائيل حول انسجام أو تناقض مصطلح "اليهودية" مع مصطلح "الديمقراطية".
وأوضح المركز أن تعبير "الدولة اليهودية" ظهر فى عدة وثائق وقوانين إسرائيلية، خلال العقود الماضية، وأعلن الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش خلال قمة العقبة عام 2003، عن أن "أمريكا ملتزمة اليوم بأمن إسرائيل كدولة يهودية". إلا أن إسرائيل لم تطالب الفلسطينيين، منذ بدء المحادثات بين الجانبين، قبل 20 عاما، بأن يعترفوا بأنها "دولة يهودية".
وتابع المركز قائلا: "منذ مؤتمر أنابوليس، فى أواخر عام 2007 وحتى نهاية عام 2008، بدأت إسرائيل، ممثلة برئيس الحكومة حينذاك إيهود أولمرت، ووزيرة الخارجية تسيبى ليفنى، بالتحدث حول وجوب اعتراف الفلسطينيين بـ"الدولة اليهودية"، وتحدثت ليفنى فى حينه عن حل الدولتين للشعبين وليس حل الدولتين، بحيث تكون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودى، وفلسطين الدولة القومية للشعب الفلسطيني"، وأضافت أن فلسطين هى أيضًا الدولة القومية لعرب 48، وقد حاول الجانب الإسرائيلى أن يضمّن "بيان التفاهم المشترك"، لدى انطلاق عملية أنابوليس، مصطلح الدولة اليهودية، لكن الجانب الفلسطينى رفض ذلك بشدة، الأمر الذى هدد بتفجير مؤتمر أنابوليس، ما أدى إلى تنازل الجانب الإسرائيلى عن طلبه".
وتطرق المركز إلى الضغوط التى مورست على " نتنياهو" رئيس الحكومة الإسرائيلية عام 2009، من أجل الاعتراف بحل الدولتين، خاصة من جانب الولايات المتحدة، وفى أعقاب خطاب الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" فى القاهرة، وألقى نتنياهو خطابًا فى "مركز بيجن- السادات" فى جامعة بار إيلان، التى تعتبر أحد معاقل اليمين الإسرائيلى، فى 14 يونيو عام 2009، وأعلن فيه عن موافقته على قيام دولة فلسطينية بعد تحقق عدة شروط، أبرزها اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل هى "الدولة القومية للشعب اليهودي" وتنازلهم عن حق العودة وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. وبذلك كان نتنياهو أول من طالب الفلسطينيين، بشكل علنى واضح، بالاعتراف بيهودية إسرائيل.
وأشار المركز إلى دراسة أعدها الدكتور طال بيكر عضو الوفد الإسرائيلى إلى عملية أنابوليس والرئيس السابق لدائرة القانون الدولى فى وزارة الخارجية الإسرائيلية، عام 2012، الدراسة جاءت تحت عنوان "مطلب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية.. إعادة تقييم"، وأشار "بيكر" إلى أن مؤيدى مطلب الاعتراف بـ"الدولة اليهودية" يطرحون ثلاثة ادعاءات "جوهرية" لضرورة وجود اعتراف كهذا فى أى اتفاق سلام إسرائيلى – فلسطيني:
أولها: "رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودى فى تقرير المصير، إلى جانب الحقوق الفلسطينية".
ثانيها: "مؤيدو الاعتراف يرون أن التعبير العملى الأهم له يكمن فى التوجه الذى يُملى حل قضية اللاجئين. والاعتراف بقانونية دولة يهودية يتم تصويره على أنه ضمان ضرورى لحل مطالب اللاجئين الفلسطينيين بشكل يتلاءم مع نموذج الدولتين للشعبين والذى لا يشكل خطرًا على الصبغة اليهودية لإسرائيل".
ثالثا: "مؤيدو الاعتراف قلقون من أنه بعد التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلى – فلسطينى، ستستمر الأقلية العربية-الفلسطينية فى إسرائيل فى تحدى شرعية الصبغة اليهودية الداخلية للدولة، ولذلك يتم تصوير الاعتراف بأنه رد فعل ملائم ضد اتهامات بأن حماية الحقوق الجماعية اليهودية ليست شرعية من أساسها، خاصة حال اتفاق سلام إسرائيلى – فلسطينى، والذى سيحظى بمصادقة واسعة".
ورأى بيكر أن التسوية ما بين مطلب الاعتراف بـ"الدولة اليهودية" ومعارضته يجب أن تكون وفقًا للآتي:
أولا: "ينبغى النظر إلى هذا المطلب على أنه مجهود للاعتراف بحق الشعب اليهودى فى تقرير المصير فى دولة ذات سيادة، وليس الاعتراف بإسرائيل كـ "دولة يهودية".
ثانيا: "يجب أن يكون الاعتراف متبادلاً، ومثلما يعترف الفلسطينيون بشكل صريح بحق تقرير المصير لليهود، يجب على إسرائيل الاعتراف بشكل صريح بحق تقرير المصير للفلسطينيين".
ثالثا: "ينبغى السعى نحو اعتراف فى إطار الاتفاق على نهاية الصراع بحيث يشمل حلاً لقضية اللاجئين وإقامة دولة قومية فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وأن يكون المبدأ العقلانى لإطار الدولتين موجهًا لتسوية المواضيع المختلف حولها، ولا ينبغى تسريع اعتراف صريح كشرط مسبق لمعالجة هذه المواضيع أو كوسيلة للإقرار بنتائجها مسبقًا".
وأكد المركز أن "بن جوريون" تراجع عن وصف إسرائيل بأنها "دولة اليهود"، أى الدولة التى ينتمى إليها اليهود فى أى مكان يتواجدون فيه، وكتب الوزير الإسرائيلى السابق، يوسى بيلين، فى مقال فى صحيفة "يسرائيل هيوم" عام 2010، أنه "فى اللحظة التى بدأ فيها بن جوريون بعرض إسرائيل كدولة اليهود، وطالب جميع يهود العالم بالهجرة إلى إسرائيل"، أثار ذلك غضب زعيم اليهود الأمريكيين فى ذلك الحين، يعقوب بلاوشطاين، وهو ملياردير كان يتبرع بسخاء لإسرائيل.
وتطرق المركز إلى مقال "بيلين" الذى أكد أن هناك ثلاثة من زعماء المنظمات اليهودية – الأمريكية حضروا إلى إسرائيل، فى شهر مايو عام 1948، والتقوا بن جوريون، وقالوا له إن "إسرائيل ليست مخولة بالإعلان عن نفسها وأنها دولة يهود العالم وتدعوهم للهجرة، لأن هذا الأمر قد يشعل عداء للسامية خفيًا وادعاءات حول ولاء مزدوج".
وبدوره أصدر "بن جوريون" بيانًا تراجع من خلاله عن وصف إسرائيل بأنها "دولة اليهود"، حيث قال: "دولة إسرائيل تمثل مواطنيها فقط، وتتحدث باسمهم، ولا تتطلع بأى شكل من الأشكال إلى أن تمثل أو أن تتحدث باسم اليهود مواطنى دول أخرى.. وليس لدينا -نحن الإسرائيليين- أية نية للتدخل بأية طريقة كانت فى شئون المجتمعات اليهودية خارج إسرائيل".
وأشار المركز إلى تقديم ياريف ليفين، رئيسة كتلة "البيت اليهودي"، وعضو الكنيست أييليت شاكيد، فى 24 يونيو الماضى، صيغة مشتركة بلوراها لمشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، وتهدف إلى تعزيز الطابع اليهودى لإسرائيل وتفضيله على النظام الديمقراطى.
وأوضح المركز قرار وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبى ليفنى، يوم 19 أغسطس الماضى، بتعيين الخبيرة القانونية البروفسور روت جابيزون، من أجل بلورة صيغة متفق عليها بين أحزاب الائتلاف الحكومى، وكتبت "ليفني" فى رسالة تعيينها لجابيزون الآتى: "حان الوقت لصياغة تسوية دستورية تتناول طبيعة دولة إسرائيل كيهودية وديمقراطية وترسى مركبات الهوية بصورة توازن وتدمج هاتين القيمتين اليهودية والديمقراطية".
وتطرق المركز إلى تصريحات "جابيزون" التى أعلنت أنها ستعمل بهدف المساعدة فى دفع الرغبة بتوفير مرساة دستورية لهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية بروح المبادئ المفصلة فى الإعلان عن قيام الدولة.
جدير بالذكر أن قوانين الأساس فى إسرائيل تعتبر ذات طابع دستورى، وذلك فى ظل امتناع إسرائيل عن وضع دستور لها وفشل جميع المحاولات للقيام بذلك.
وتطرق المركز إلى توجيه المنظمات الحقوقية فى إسرائيل انتقادات شديدة لمشروع "قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذى طرحته أحزاب اليمين عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، وأكدت هذه المنظمات أن مشروع القانون هذا عنصرى ويميز ضد الأقلية العربية فى إسرائيل، وحال سنه فإنه سيغلق الباب أمام مطلب تحقيق المساواة.
وأشار المركز إلى تصريحات رئيس "المركز العربى للحقوق والسياسات- دراسات"، الدكتور يوسف جبارين، الذى اعتبر مشروع القانون يمس بشكل خطير بحقوق الإنسان فى إسرائيل ويسمح بانتهاج سياسة تمييزية وعنصرية، ويمس بشكل خاص بمكانة وحقوق الأقلية العربية، وشدد على أن "اللغة العربية هى جزء عضوى من الهوية الثقافية والوطنية للأقلية العربية كأقلية قومية، وترفرف راية سوداء فوق مشروع القانون هذا".
ورأى مركز "عدالة" لحقوق الأقلية الفلسطينية فى مشروع القانون أنه يشكل تصعيدًا فى التمييز ضد المواطنين العرب وفى السياسة العنصرية تجاههم، وأضاف أنه حال إقرار مشروع القانون، فإنه سيتم إغلاق الباب بشكل نهائى أمام مطالب المواطنين العرب بالمساواة الكاملة فى الحقوق.
وأشار المركز إلى تصريحات البروفسور مناحيم ماوتنر، أستاذ القانون فى جامعة تل أبيب، والذى أوضح أن طرح مشروع "قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" يثير تساؤلات، مثل "هل توجد حاجة لأن يتم الإقرار من خلال قانون بأن إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودي؟ وما هو المكان الذى ينبغى منحه من خلال القانون للثنائية القومية الديمغرافية فى الدولة، أى لوجود أقلية قومية عربية فيها، تبلغ نسبتها 20% من سكان الدولة؟".
واختتم المركز تقريره بالإشارة إلى تقرير "المعهد الإسرائيلى للديمقراطية" الذى حذر من تبعات مشروع القانون، وقال المعهد فى تقرير أعده الخبيران القانونيان البروفسور مردخاى كريمنيتسر، والمحامى عمير فوكس، إن القانون المقترح يقصى الأساس الديمقراطى من المركز إلى الهامش، "وبنظرنا، فإنه يسعى إلى قلب الأسس الصهيونية نفسها". وأشارا إلى أن مؤسس الصهيونية وواضع فكرة "دولة اليهود"، "تيودور هرتزل"، ومؤسس التيار التنقيحى اليمينى فى الحركة الصهيونية، "زئيف جابوتينسكي"، "لم يرغبا فقط بإقامة دولة قومية يهودية. وقد أرادا أن يؤسسا فى إسرائيل دولة مثالية وفقا لأفضل مبادئ التراث الديمقراطى الليبرالي".
مركز دراسات إسرائيلى: نتنياهو أول رئيس وزراء يطالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة.. الكنيست سن قوانين فى هذا الإطار.. وليفنى: حان الوقت لصياغة تسوية دستورية تتناول طبيعة الدولة اليهودية
السبت، 23 نوفمبر 2013 08:45 م
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر حجازي
اليهود و انا