مأساة جيهان تكررت عندما فقدت إنجى والدها الدكتور مجدى طبيب الأشعة، وذلك بعد 7 سنوات من إجرائه لعملية جراحية بإحدى عيادات الأسنان الخاصة، وأكدت لنا أن والدها اكتشف إصابته بالفيروس بعد إجراء العملية ببضعة أشهر.
ومنذ ذلك الوقت وإنجى تشعر بالهلع عند الذهاب لطبيب الأسنان أو مركز للتجميل، وتأتى بكل معداتها معقمة حتى لا تلقى مصير والدها رحمه الله.
وفى تجربة شخصية، نصحنى الأطباء عند إجرائى لعملية المرارة بشراء كافة المعدات المستخدمة فى العملية، خوفاً من سوء التعقيم بالمستشفيات المصرية، وقمت بدفع 10 آلاف جنية إضافية عن ثمن العملية، خوفاً من الإصابة بفيروس المصريين الأول "فيروس سى".
القصص تتغير والمرض واحد.. فلم يعد هناك بيت فى مصر لا يحمل قصة عن المرض، إما من خلال تجربة حقيقية أو من خلال إصابة الأقران أو الأصدقاء.
ووفقاً لتصريحات منظمة الصحة العالمية، فتعتبر مصر رقم واحد على مستوى العالم فى نسب الإصابة بالفيروس الكبدى سى، ومع اختلاف الأرقام بمعدلات الإصابة بين الهيئات المصرية والدولية، كان علينا اختراق دولة فيروس سى ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء انتشاره فى مصر.

-الدكتور وائل صفوت مستشار الصحة العامة وأخصائى أمراض الباطنة والجهاز الهضمى والكبد
وعند حديثى مع الدكتور وائل صفوت، مستشار الصحة العامة وأخصائى أمراض الباطنة والجهاز الهضمى والكبد، أكد أن الحقن غير الآمن، والدم الملوث بالفيروس، وسوء التعقيم من أكثر أسباب انتشار الفيروس، فضلاً عن بعض السلوكيات المجتمعية الخاطئة، كالاعتماد على غير المتخصصين فى عمليات تخريم الأذن وختان الذكور.
ومن هنا جاء السؤال، فإلى أى مدى تعتبر مراكز التجميل وعيادات الأسنان وسيطاً لنقل الفيروس بين المصريين؟ وهل أخطئت وزارة الصحة فى طريقة تعاملها مع المرض، مما أدى إلى انتشاره بالمجتمع لهذا الحد؟
بداية قمت بإجراء استبيان يحوى مجموعة من الأسئلة عن طرق التعقيم للأدوات الحادة والمعدنية فى مراكز التجميل وعيادات الأسنان، وقمت بتوزيعها على 20 مركزاً وعيادة أسنان، وكانت النتائج صادمة إلى أبعد حد.
فبالنسبة لمراكز التجميل، فلا يوجد جهاز تعقيم واحد فى الـ10 مراكز التى بادرت بزيارتها، وتكتفى بعض المراكز بغسل الأدوات المعدنية الحادة بالصابون أو الديتول، تلك المواد التى تكفى لقتل الجراثيم، لكن لا يمكنها أبداً القضاء على فيروس سى.
أما عيادات الأسنان، فوجدنا جهاز تعقيم واحد فى 8 عيادات، بينما هناك عيادتان فقط لديها جهاز آخر احتياطى يعمل فى حالة تلف الجهاز الأول.

-مراحل التعقيم 1
وأكد لى أطباء الأسنان، أنه لا توجد متابعة من قبل وزارة الصحة على جود أجهزة التعقيم بالعيادات، فالتفتيش يكون مرة واحدة فقط عند فتح العيادة وبعدها لا يأتى أحد للمتابعة نهائياً، وأن الأمر متروك لضمير الطبيب ومدى وعيه بخطورة انتقال الأمراض.
الدكتور محمد مصطفى أخصائى طب الأسنان، ذكر أنه يمكن نقل الفيروس من خلال عيادات الأسنان، حيث يحتاج فيروس سى إلى 3 سم فقط من الدم لنقله.
وعند سؤالى عن كيفية تعقيم عيادات الأسنان، أكد أنه يتم تعقيمها من خلال طريقتين، أما وضع المعدات بالفرن وهى طريقة غير فعالة لكل الأدوات فلا يمكن على سبيل المثال وضع القطن أو الأسلاك فى الفرن.
والطريقة الثانية تتم على ثلاث مراحل، الأولى هى وضع الأدوات فى مادة مطهرة قوية التركيز لمدة 4 ساعات لتقتل الفيروسات والجراثيم، ثم يتم وضع الأدوات فى الأوتوكلاف أو جهاز التعقيم ويتم هنا التعقيم من خلال الحرارة وضغط الهواء، والمرحلة الأخيرة هو تكييس الأدوات بأكياس طبية مع تفريغ الهواء بها لعدم تكون أى ميكروبات بداخلها.

مراحل التعقيم 2

مراحل التعقيم 3
وأكد لنا أن عملية التعقيم دائرة، لكن ليست محكمة الغلق، ففى كل الأحوال لا يمكن إكمال هذه الدورة بشكل نهائى، ولكننا فقط نسعى للكمال.
وبعد جولتنا بعيادات الأسنان كان علينا التواصل مع وزارة الصحة المصرية لمعرفة كيفية تعامل الحكومة مع انتشار فيروس سى بمصر.
الدكتور عمرو قنديل وكيل أول وزارة الصحة للطب الوقائى، أكد لنا أن نسب الإصابة بفيروس سى فى مصر وصلت لـ9%، وذلك وفقاً لآخر مسح قومى أجرته الوزارة عام 2008 بالتعاون مع جهات دولية محايدة، والذى استهدف معرفة مدى انتشار فيروس سى بمصر.

-الدكتور عمرو قنديل وكيل أول وزارة الصحة للطب الوقائى
وبالرغم من أن هذا الرقم مغاير لتقديرات منظمة الصحة العالمية، التى تؤكد أن نسب الإصابة تتعدى 15% بمصر، إلا أن وزارة الصحة لا تعترف إلا بما أجرته من مسح قومى منذ خمس سنوات.

-نسب الإصابة بفيرس "سى" وفقاً لبيانات وزارة الصحة
وأوضح أن الوزارة أنشأت 23 مركزا للفيروسات الكبدية على مستوى الجمهورية، كما تم إنشاء وحدة بداخل وزارة الصحة للفيروسات الكبدية، وتم وضع خطة للوقاية من المرض على ستة محاور، وفى انتظار رصد ميزانية ملائمة لها.
وتظهر تقارير وزارة الصحة التى ذكرها لنا الدكتور سيد العباسى المستشار الإعلامى بوزارة الصحة، فإن هناك ما يقرب من 150 ألف إصابة جديدة بالفيروس كل عام، وإمكانيات الوزارة لا تسمح إلا بتقديم العلاج لـ50 ألف حالة فقط، وهو ما يعنى أن كل عام يضاف إلى أعداد المصابين 100 ألف حالة جديدة.
ومن خلال عمليات حسابية تربط بين معدلات الإصابة بالفيروس وبين معدل الزيادة السكانية فى مصر، وهو 2.16% سنوياً، توصلنا إلى أنه فى عام 2030 والذى حددته الصحة العالمية للقضاء على الأوبئة بالعالم، سيكون بمصر 10 ملايين و800 ألف حالة إصابة جديدة تضاف إلى قائمة المرضى الحاليين، أى أنه سيكون هناك أكثر من 17 مليون مريض بفيروس سى بمصر.
وأكد الدكتور عمرو قنديل، أن المشكلة تكمن فى تركيز الوزارة على توفير العلاج للمرضى دون الاهتمام بسد طوفان نقل العدوى، مشيراً إلى ضآلة ميزانية الطب الوقائى التى لا تكفى للوقاية والحد من انتشار المرض.
كما أن الوزارة قديماً كانت تعتمد على ماكينات "الكواشف السريعة" لتحليل الدم قبل نقله للمرضى، تلك التى لا تحمل نتائج دقيقة، بينما الآن يتم عمل تحليل كامل للدم قبل نقله، للتأكد من خلوه من فيروس سى وبى وفيروس الإيدز.
وقد أنشأت وزارة الصحة لجنة قومية لمكافحة الفيروسات الكبدية فى مصر منذ عام 2007، وهنا كان علىَّ الانتقال لمعرفة دور اللجنة فى الحد من انتشار المرض.
الدكتور جمال عصمت استشارى أمراض الكبد ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية ونائب رئيس جامعه القاهرة، أكد أن اللجنة وضعت ثلاثة محاور للوقاية من الفيروسات الكبدية، تتمثل فى التوعية من خطورة المرض فى وسائل الإعلام، والحد من انتشار العدوى داخل المستشفيات، والمحور الثالث يتمثل فى التوعية بالممارسات الخاطئة، التى تساعد فى انتشار المرض.

-الدكتور جمال عصمت استشارى أمراض الكبد ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية ونائب رئيس جامعه القاهرة
وأشار إلى حملات التوعية توجه إلى الشباب فى الجامعات باعتبارها الفئة الأكثر عرضة للإصابة، فضلاً عن حملات توعية أخرى للأطباء والصيادلة وأخصائيى التمريض لتطبيق القواعد الصحية السليمة لمنع نقل العدوى.
وأضاف، ومع قلة الإمكانيات نجد أطباء يقومون بتعقيم أدوات يجب أن تهلك بعد الاستخدام الأول لها، لكن نظراً لارتفاع أسعارها يتم تعقيمها لاستخدامها أكثر من مرة، ومع أكثر من مريض.
وأكد الدكتور جمال عصمت، أن الاهتمام بعلاج المرضى لا يحل الأزمة فى مصر، خاصة مع غياب "العلاج المثالى" لفيروس سى، وبين أن العلاج المثالى هو العلاج الذى توفره الدولة لجميع فئات المجتمع، وبسعر مناسب وليس له آثار جانبية، وهذا العلاج حتى الآن غير متوفر بمصر.
واتفق الجميع على أن عبء الوقاية من فيروس سى بمصر أكبر من أن تتحمله وزارة الصحة، وإنما يجب إنشاء مجلس أعلى مستقل للفيرس تتضافر فيه جهود الوزارات والهيئات الحكومية والخاصة ويكون رئيسة متفرغ ويحمل سلطات رئيس الوزراء حتى يمكنه اتخاذ القرارات.
ويبقى السؤال.. متى تنتهى فاجعة الإصابة بفيروس سى فى مصر؟
موضوعات متعلقة...
"الصحة": 9% يعانون من فيروس سى.. و150 ألف إصابة جديدة سنوياً
إهمال تعقيم عيادات الأسنان يساعد فى انتشار فيروس سى
مصر الأولى عالمياً فى معدل الإصابة بفيروس "سى"
تقارير وزارة الصحة: 150 ألف إصابة جديدة بفيروس "سى" سنوياً