تنوع العلاقات الثنائية مع بلدان العالم والانفتاح على جميع القوى العالمية وعدم الاعتماد على خيار أوحد فى السياسة الخارجية.. هذا هو مغزى الزيارة التى قام بها كل من وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين سيرجى شويجو وسيرجى لافروف مؤخرا إلى مصر، وأحدثت صدى وجدلا واسعا فى الشارع السياسى المصرى ما بين ترحيب بالعودة الروسية مرة أخرى إلى مصر، وما بين تخوف من عودة أجواء الستينيات والسبعينيات ووقوع مصر تحت السيطرة الروسية كبديل لسيطرة للولايات المتحدة الأمريكية كما كان يحدث فى الماضى.
الحقيقية أن هذه الزيارة تأتى كأحد ثمار ثورتى 25 يناير و30 يونيو اللتين أسقطتا التبعية المصرية للولايات المتحدة وأخرجتا السياسة الخارجية لمصر إلى فضاء الاستقلال المنشود، بعد أن ظلت لعقود طويلة تدور فى فلك السياسة الخارجية الأمريكية.
يعود الروس مرة أخرى إلى مصر بعد أن طردهم الرئيس السادات فى عام 1972 تمهيداّ لحرب أكتوبر 1973 الذى كان يخشى من وجود خبراء سوفييت بين صفوف الجيش المصرى.
فالتوجه شرقا نحو روسيا– وريثة الاتحاد السوفيتى- يعد مؤشراَ على تحول كبير فى السياسة الخارجية للقاهرة، وسط توتر فى علاقة مصر بالولايات المتحدة، فى أعقاب قرار الرئيس الأمريكى باراك أوباما بخفض مئات الملايين من الدولارات من التمويل العسكرى لمصر، وتوصل موسكو لعقد أكبر صفقة أسلحة مع القاهرة منذ نهاية الحرب الباردة (ذكرت بعض المواقع أنها ستتجاوز المليارى دولار).
ولا ننسى أن روسيا كانت من أوائل الدول الداعمة لثورة 30 يونيو 2013 واحترمتها وقدرتها باعتبارها إرادة شعب (يذكر أن روسيا تعتبر تنظيم الإخوان المسلمين تنظيماَ إرهابياَ بموجب حكم قضائى من المحكمة العليا) حتى أن كثير من المصريين قاموا برفع صور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين جنباَ إلى جنب صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أثناء التظاهرات ضد الرئيس المعزول محمد مرسى، على عكس العديد من الدول الغربية التى رفضت ما حدث جملةَ وتفصيلاَ واستمرت فى دعم نظام الإخوان الفاشى بكل ما أوتيت من قوة حتى تبين فى النهاية عدم صحة موقفهم.
الزيارة هى رسالة واضحة جدا إلى الولايات المتحدة بأن مصر لا تريد الاعتماد عليها بعد الآن، ويمكنها البحث عن شركاء فى مكان آخر، كما أنها على الجانب الآخر تعكس رغبة موسكو فى استعادة نفوذها فى الشرق الأوسط ووضع موطئ قدم فيه بعد أن خسرته على إثر الانهيار الاتحاد السوفيتى فى تسعينيات القرن الماضى.
إن مصر الجديدة، مصر العائدة من التنكيل والتشويه والتقزم، تحتاج إلى علاقات دولية جديدة ومتعددة ومتوازنة تقف فيها على مسافة واحدة من جميع الأطراف بدون الدخول فى تحالفات مع هذا أو ذاك, لاسيما القوى والدول العظمى، ولتعلم تلك القوى والدول أن زمن الاعتماد على طرف دولى واحد قد ولى، وأن أوان الضغوط الخارجية على مصر– كما كان يحدث فى العهود السابقة– قد فات بغير رجعة.. فالاستقلالية فى القرار المرتبطة بتحقيق الأهداف والمصالح الإستراتيجية للوطن هما ما يحكمان السياسة الخارجية المصرية حالياَ.
الرئيس الروسى فلاديمير بوتن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة