نقلا عن اليومى :
الحديث حول التطبيع ومقاطعة العدو الصهيونى ينقسم إلى شقين:
الشق الأول يتعلق بثوابت لا تنازل عنها، وهى: إسرائيل كيان صهيونى استيطانى مهما كبرت أو تضخمت نهايتها الزوال.. والتعامل مع العدو الاستيطانى بما يدعمه أو يقوى منه سواء كان تعاملا مباشرا أو غير مباشر فى أى مكان فى العالم يعتبر تطبيعا مع العدو وخيانة.. وحق الشهداء الحقيقيين الذين روت دماؤهم أرض سيناء، بل أرض الوطن العربى كله من أجل مواجهة المخطط الصهيونى هو أمانة فى رقبة كل مصرى حتى الممات.
هذه هى الثوابت.. أما الطريق إلى الثوابت فهو دائما فى حراك ومتغير طبقا لنتائج اختبار الواقع له، وهو ما ينقلنى إلى الشق الثانى.
عندما وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الإسرائيلى لم يكن أمام الإرادة الشعبية إلا المواجهة بمقاطعة هذا العدو وهذا الكيان المفروض عليها رسميا.. وكانت المقاطعة التى واجهت بجهاد وبشجاعة تدفق سلع إسرائيلية إلى الأسواق المصرية بهدف التطبيع من ناحية والإجهاز على الاقتصاد المصرى من جهة.. وعرفت السجون المصرية زواراً لها من وطنيين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعرفت ساحات القضاء اتهامات جديدة لم ينص عليها القانون المصرى ومنها معاداة دولة أجنبية صديقة وهى إسرائيل.
وظل النضال الشعبى يتصاعد، وشاركت فيه النقابات المهنية والعمالية وكل المؤسسات المصرية المعبرة عن الشعب، واتفق الجميع على مقاطعة العدو الصهيونى وكل أنشطته، وبعد جدل تم الاتفاق على أن السفر إلى الأرض المحتلة يعتبر تطبيعا، رغم وجود تحذيرات من بعض الوطنيين المشهود لهم بإلاخلاص من أهمية تحديد معنى التطبيع وآلياته، إلا أنها لم تلق آذانًا صاغية وسط صخب الصعود الوطنى والانفعال الجماهيرى المصدوم فى موقف حكوماته آنذاك.
وكما ذكرت، فإن الوسائل إلى الأهداف الثابتة تتغير طبقا لنتائج اختبارها فى الواقع، وبعد أكثر من 30 عاما تأكدت عدة حقائق:
- مقاطعة الأرض المحتلة التى هى أرض عربية ومنع السفر إليها كان اعترافا ضمنيا بالاحتلال، وتجاهل لوجود شعب مقاوم لم يتوقف لحظة عن الجهاد لمقاومة العدو الصهيونى.
- مقاطعة السفر إلى أرض عربية استند على مبررات شكلية ظاهرها وطنى محتواها فارغ مثل عدم وضع ختم إسرائيل على جواز سفر عربى!!! والنتيجة ترك شعب كامل صاحب حق تحت الحصار الداخلى والخارجى.
- قرار البابا شنودة الذى غلب عليه طابع الاستعراض الشعبى بمنع سفر المسيحيين للحج فى بيت المقدس، هو قرار خاطئ كان من نتائجه رفض الكثير من أهل فلسطين للقرار، بل كراهية شديدة من البعض منهم للبابا ذاته، بعد أن تسبب قراره فى منع الحجاج من السفر وكساد التجارة واضطرار الكثيرين إلى غلق محالهم بعد توقف حركة التجارة وارتفاع الضرائب التى يفرضها المحتل، وبذلك وقع الشعب المحتل المسكين بين شقى حصار من العدو وحصار من الحليف.
- حقيقة تتعلق بطبيعة التفكير الاستعمارى الصهيونى، وهى أن إحدى أدوات تمكين الاحتلال هو شغل الطرف الآخر بصراع ومشكلات داخلية وتوجيه نظره إلى أساليب وهمية للنضال تشفى نزعاته وأوهامه، بينما جوهر التمكين والاحتلال يسيران فى اتجاه آخر، وهذا ما فعله الصهاينة، فبينما سلوك الموقف الشعبى يسير فى اتجاه التركيز على المقاطعة الشكلية الاستعراضية للعدو من خلال منع السفر واستعراض مواقف المقاطعة للأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية التى يشارك فيها.. كان التطبيع والتمكين يسيران على قدم وساق داخل المؤسسات العربية، سواء بشكل مباشر مع الحكومات أو من خلال التغلغل داخل المؤسسات غير الحكومية وترسيخ قيم سياسية واقتصادية وثقافية من شأنها إضعاف المجتمعات العربية وتقوية الكيان الاستعمارى.. وشارك فى التعامل مع هذه المؤسسات كبار رموز المقاطعة الشكلية.
الشق الثانى الذى تحدثت عنه يتفرع منه محور مهم استفاد منه الكيان الصهيونى، وهو حالة التشنج والمبالغة فى الهجوم على كل من تسول له نفسه أو يقوده عقله إلى مناقشة ثوابت المقاطعة الوهمية، ليصبح أى حوار حول زيارة الأرض المحتلة أو شد الرحال إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين هو نوع من الخيانة والعار يستوجب العزل وربما القتل.. والغريب أن هذا الموقف المتشنج العنيف لم يعرف طريقه بهذا العنف إلى المطبعين المباشرين مع إسرائيل فى الحكومات أو بعض المؤسسات الأهلية.
وفى طريق مكمل، عرف قادة الانفعال الوطنى طريقهم السحرى للجمع بين الحسنيين التفاخر بالوطنية والتربح من مقاطعتهم الشكلية لدى حكومات عربية أغدقت عليهم الأموال الطائلة، وهى نفس الحكومات التى يصب موقفها الرسمى فى دعم الوجود الصهيونى والهيمنة الأمريكية الداعمة لدولة إسرائيل.. وأستثنى فئة من أنقياء القلب وأصحاب النوايا الحسنة الذين صدقوا هذا الطريق ودفعوا من عمرهم سنوات نضال وحصار مجتمعى وسجون، بينما قادة الانفعال الوطنى الشكلى يجنون الأموال والثروات سواء داخليًا أو خارجيًا وسواء بشكل مباشر أو غير مباشر بالعمل فى مؤسسات خارجية وداخلية تتيح لهم التربح وفى نفس الوقت يتصدرون ريادة المشهد الوطنى، ويفرضون حول نفسهم سياجا من الإرهاب والاتهامات بالخيانة والعمالة لكل من يحاول مناقشة ثوابتهم المربحة مالياً وسياسياً.
وعندما ذهب وفد من الصحفيين للأرض المحتلة وزيارة المسجد الأقصى وبيت المقدس، واجههم أصحاب النضال الشكلى بكل اتهامات الخيانة والمزايدة، متناسين أن نتائج تصدرهم الشكلى لمشهد مقاومة العدو الصهيونى هو هيمنته وتمكنه وازدياد قوته وانهيار قوة الأمة، وزيادة الحصار على الشعب الفلسطينى المسكين داخلياً من الصهاينة وخارجياً من المزايدين.. وأعترف أن هناك لبسا لدى البعض وخوفا من مناقشة الثوابت التى فُرضت على هذه القضية.. ولكنى أدعو الكثيرين من الشرفاء والوطنيين وأصحاب النوايا الصادقة، وهم كثر، ألا يخضعوا للابتزاز ويعيدوا مناقشة أساليب مواجهة الكيان الصهيونى بهدف القضاء عليه، لا بهدف صعود فئة من أصحاب المظاهر الوطنية المتربحة من سفك دماء الوطن.
محمد منير يكتب: القضية الوطنية بين التطبيع والاستطباع..التعامل مع العدو الاستيطانى بما يدعمه ويقوى منه تطبيع وخيانة.. ولكن ما هو التطبيع؟
الخميس، 21 نوفمبر 2013 08:45 ص
الكاتب محمد منير
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى على
مقال رائع وعقلانى سيواجهه المزايدون
عدد الردود 0
بواسطة:
العربى
تحليل واعى وعقلانى
عدد الردود 0
بواسطة:
ام محمد
ميسرة مات ياخسارة