أثارت محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية جدلا واسعًا ما بين أعضاء الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور فى 2012، والقوات المسلحة والسياسيين من جانب آخر، حيث أعلنت القوى المدنية رفضها لأى شكل من أشكال محاكمة المدنيين عسكريًا، مطالبين أن يمثل المدنى أمام قاضيه الطبيعى.
ولكن جاء نص المادة المتعلقة بالمحاكمات العسكرية فى دستور 2012، الذى سيطر عليه الإخوان المسلمين كالآتى "ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة."
ومع قيام ثورة 30 يونيو وإسقاط نظام الإخوان وإعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، تعطيل دستور 2012، وتشكيل لجنة الخمسين لتعديله، تعالت الأصوات المطالبة بحظر المحاكمات العسكرية للمدنيين مرة أخرى.
أصرت القوات المسلحة على موقفها الرافض لحظر محاكمة المدنيين عسكريًا، وهو الأمر الذى وضع لجنة الخمسين فى مأزق صعب، اضطرها لتأجيل التصويت على المادة.
وأخيرًا حسم أغلبية أعضاء اللجنة التصويت لصالح حظر المحاكمات العسكرية للمدنيين إلا فى حالات، وجاء نصها كالآتى: " لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرًا على منشآت القوات المسلحة أو معسكراتها أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معدتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى".
وهو ما أكد الخبير القانونى، عصام الإسلامبولى، أن المشكلة فى نص المادة فى دستور 2012، الذى وضعه الإخوان المسلمون، أن المادة جاءت فضفاضة، مشيرًا إلى أنها وضعت استثناء دون أن تحدد حالات هذا الاستثناء.
وأضاف "الإسلامبولى" لـ "اليوم السابع"، أن المادة جاءت تفصيلية حتى لا يترك للقانون تحديد أى مجال لإضافة الجرائم التى يرى فيها اعتداء على القوات المسلحة، مشيرًا إلى أنه من الضرورى وضع استثناء للحصر، وتابع "إن النص جاء أيضًا أفضل من النص الذى خرج عن لجنة الخمسين."
وفى نفس السياق، قال المستشار فؤاد راشد، الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، إن النص الخاص بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى الذى أقرته لجنة الخمسين لتعديل الدستور، أمس، جيد وأفضل كثيرًا من نص دستور 2012، الذى ترك للقانون تحديد الجرائم التى يحاكم فيها المدنى أمام القضاء العسكرى.
وأضاف "راشد" فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن هناك نصًا فى القانون العسكرى يجب النظر فيه، لأنه ما لم يتم تغييره، فإن الأمر يبقى على حال غير مرضيه، وهو النص الذى يعطى القضاء العسكرى تحديد ما إذا كان مختصًا أم لا.
وأكد "راشد"، أن النص الجديد الخاص بمحاكمة المدنيين عسكريًا ونص دستور 2012 كلاهما يخل بحق المواطن فى محاكمته أمام قاضية الطبيعى، قائلا :" نحن لسنا فى وضع مثالى لأن الطبيعى أن يحاكم المدنى أمام قاضيه الطبيعى، وأنا ممن يؤيدون بالكامل محاكمة المدنى أمام قاضيه الطبيعى مهما كان نوع الجريمة، لكن من الواضح أن هذا غير متاح فى الظروف الراهنة لاسيما مع ما تشهده البلاد من إرهاب دموى، وأرجو أن يأتى يوم قريب لا يحاكم فيه المدنى أمام قاضى عسكرى أيًا كان نوع الجريمة".
فيما أكد أسعد هيكل، المحامى والناشط الحقوقى، المتحدث الرسمى للجنة الحريات بنقابة المحامين، أن الصياغة الجديدة فى الدستور على النص الخاص بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، تمثل تقدمًا نسبيًا بالمقارنة بدستور 2012.
وقال "هيكل" لـ"اليوم السابع"، إن النص القديم كان يشير إلى ما يسمى بالجرائم التى (تضر) القوات المسلحة، وكلمة (تضر) هى لفظ فضفاض لم يحدد أنواع هذه الجرائم على سبيل الحصر، على عكس النص الجديد إلى حصر أنواع الجرائم التى يمكن أن يحاكم بسببها المدنيين أمام القضاء العسكرى، وهى تقريبًا أربع عشرة جريمة حصريًا واشترط النص أن تقع مباشرة على القوات المسلحة.
وأضاف "هيكل"، الأمر الآخر أن الأحداث الجارية وما تشهده مصر من هجمات إرهابية على الدولة سواء على الأفراد أو المنشآت العسكرية مثلما حدث على مدار الأشهر الماضية من عمليات إرهابية وتفجيرات وقعت على أماكن ومبانٍ تابعة للقوات المسلحة، وكذا الأخطار التهديدية التى تصدرها بعض الجماعات المتطرفة تجاه قواتنا المسلحة كل هذا يدفع نحو حتمية وجود نص يسمح بمحاكمة كل من تسول له نفسه الاعتداء على الجيش محاكمة عسكرية رادعة وعقاب حاسم.
وعلى جانب آخر، قال المستشار سامح عبد الله، الرئيس بمحكمة استئناف الإسكندرية، إن النص فى التعديلات الدستورية التى تعدها لجنة الخمسين بشأن حالات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى جاء موسعًا لاختصاص القضاء العسكرى بصورة ملحوظة عن النص فى دستور 2012، حيث أعطى للقضاء العسكرى سلطة اختصاص أوسع بكثير عن اختصاصها السابق، وهو الأمر الذى يخرج النص عن الغاية التى وضع من أجلها.
وأضاف "عبد الله" فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن الحفاظ على المنشآت العسكرية من ثمة عدوان هو قبل أى شىء واجب وطنى ويدخل فى صميم الأمن القومى، لكن خطورة النص هو فى الإحصاء الواسع لعبارة المنشآت العسكرية، وكنت أود أن يكون إحصاء المادة مقيد عن ذلك، فالقضاء العسكرى هو قضاء استثنائى ولابد أن يظل اختصاصًا مقيدًا بالنسبة للجرائم العسكرية بمعناها الضيق، ويبقى محاكمة المدنى أمام قاضيه الطبيعى، كما تنص مواد هذا الدستور .
وتابع رئيس "استئناف الإسكندرية": لست مطمئن إلى هذا الإحصاء الواسع لاختصاص القضاء العسكرى بشأن محاكمة المدنيين، وكنت أفضل أن يكون فى أضيق نطاق ممكن، فالقضاء العسكرى له إجراءاته المختلفة بشكل كبير عن إجراءات التقاضى أمام القضاء المدنى بشأن حقوق المتهمين وطرق الطعن فى الأحكام، وأخشى أن نكون قد ألقينا عبئًا إضافيًا على القضاء العسكرى كعادتنا دائمًا عندما نرتاب فى اللجوء إلى الطريق الطبيعى، الذى رسمه القانون وهو ما يجب أن تنأى عنه الدساتير التى ما وضعت إلا لإرساء الحريات وضمانات الحفاظ عليها، ويجب أن نرسخ فى أذهان الناس أن قواعد الاختصاص المقيدة هى الأقرب لتحقيق العدالة وهذا له أكبر الأثر على الأمن القومى.
جدل قانونى حول النص الخاص بمحاكمة المدنيين عسكريا.. "الإسلامبولى": أفضل من مثيلتها بدستور2012.. "المحامين": الإرهاب يدفع لحتمية وجودها.. ورئيس استئناف إسكندرية: أُعطى للقضاء العسكرى اختصاصات واسعة
الخميس، 21 نوفمبر 2013 04:45 م