ليس هناك شك فى أن السلطة الحاكمة فى تونس بداية من الرئيس المؤقت المنصف المرزوقى، والحكومة التى تتزعمها حركة النهضة ذات الجذور الإخوانية، أخطأت فى حق المصريين حينما وصفوا ثورتهم فى 30 يونيو بأنها انقلاب، وغلبوا أيدلوجيتهم على مصالح الشعوب، لكن تونس ليست النهضة ولا المرزوقى، وإنما تونس هى الثورة التى أشعلت الشعوب العربية، ومنحتهم ترياق الحياة بثورة الياسمين ضد نظام زين العابدين بن على، وألهمت ثورات الربيع العربى.. تونس هى الشعب الذى انتفض ضد الظلم والطغيان وأعطى الإشارة لأشقائهم المصريين للانطلاق فى ثورة 25 يناير.
لذلك فإن قرار مصر بإعادة السفير أيمن مشرفة لأداء عمله فى تونس بعد استدعائه قبل شهرين احتجاجا على تدخلات المرزوقى فى الشأن الداخلى المصرى ومطالبته تحت قبة الأمم المتحدة بالإفراج عن المعزول محمد مرسى، ومن أسماهم بالمعتقلين السياسيين، هو قرار يستحق الإشادة، لأنه باختصار أعطى صورة للعالم عن مصر الثورة.. مصر قلب العروبة التى تستطيع احتواء أى خلافات عربية، حتى وأن تحامل الإخوة على مصر.. فالأخ الكبير قادر على استيعاب أخطاء الأشقاء.
ما قامت به مصر بإعادة السفير إلى تونس بداية للمّ الشمل العربى، لأن هذه الخطوة، حتى وإن جاءت فى وقت لم تعلن فيه تونس "الحكومة" تراجعها عن تصريحاتها ضد الثورة، إلا أنها تؤسس لسياسة مصرية جديدة تقوم على الاحتواء، وإجبار الآخرين على احترام الإرادة المصرية، وعلى الحكومة التونسية فى المقابل أن تستوعب الخطوة المصرية جيدا، وتبدأ فى مراجعة مواقفها، وأن تتخلى عن أيدلوجيتها الإخوانية وتنظر لمصالح الشعبين، لأن هذه المصالح هى التى تبقى، وعليها أن تتعلم من القاهرة التى رفعت من شأن القيم المشتركة بين الدولتين وتغاضت عن أية صغائر تعكر صفو العلاقات.
والخطوة المصرية تجاه تونس تعيدنى إلى الحديث مرة أخرى عن فكرة لم الشمل العربى بمبادرة مصرية، فسبق أن تحدثت عن كيفية إنهاء الأزمة أو الخلاف مع قطر، وها هى الحكومة تفتح صفحة جديدة مع تونس وتنتظر من الإخوة التونسيين مبادلة المبادرة المصرية ببادرة حسن نية.
ويبقى الحديث عن السودان الذى لم يعلن موقفا واضحا تجاه الثورة المصرية، لكن فى المقابل فإن العديد من الكتابات تناولت مواقف مؤيدة من جانب حكومة الإنقاذ فى الخرطوم لمرسى وجماعته بحكم الامتداد الإسلامى السياسى الذى يربط الاثنين، ومع ذلك فإن الأيام الماضية شهدت سريانا فى بحر العلاقات بين البلدين، بدأ من استقبال الخرطوم لوزير الخارجية المصرى نبيل فهمى، بل ومعاقبة سفير سوادنى وهو حاج سوار، حينما اعترض على استقبال فهمى، وهو ما أراح المسئولين المصريين حول نوايا الخرطوم.
لكن مع مرور الأيام ظهرت الخرطوم وكأنها تقف فى المنتصف، فهى لم تؤيد الثورة بشكل واضح، كما أنها لم تقف ضدها، وهو ما أثار التكهنات حولها، كما أن موقف الخرطوم من سد النهضة الإثيوبى ما زال مسار نقاش العديدين فى مصر، فضلا عن منطقة حلايب وشلاتين، ولإزالة هذا اللبس فإن القاهرة والخرطوم عليهما أن يبدأ خطوات فعلية لتطبيع العلاقات بينهما بشكل، لأن السودان أيا كانت السلطة الحاكمة هناك فهى دولة جوار مهمة لمصر، وتربطها بمصر حدود شاسعة وتاريخ مشترك، وعلى البلدين أن يسعيا إلى المستقبل.
وأعلم أن زيارة فهمى للخرطوم ولقاءاته اللاحقة مع نظيره السودانى على كرتى سواء فى الأمم المتحدة أو الكويت عملت على تنقية الأجواء مع الخرطوم أو على الأقل كما يقولون حيدت الموقف السودانى مما حدث فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، كما أن فهمى استمع من المسئولين السودانيين تأكيدهم أنهم لا يتدخلون فى الشأن الداخلى المصرى، كما أعلم أن الخرطوم تنتظر تطبيق خارطة المستقبل التى أعلن عنها يوم 3 يوليو لكى تعلن رسميا موقفها، لكن لا يجب أن ننتظر، وعلينا أن نبدأ بزيارات رسمية تنقى الأجواء أكثر.
نعم زار القاهرة وزير الدفاع السودانى عبد الرحيم محمد حسين، للمشاركة فى احتفال وزارة الدفاع المصرية بانتصارات السادس من أكتوبر، لكنها ليست كافية، فالمطلوب زيارات رسمية سياسية على الأقل من جانب وزير الخارجية لتعطى رسالة من الجميع بأن العلاقات أكبر من الأيدلوجيات، عمليا مطلوب مراجعة سريعة للعلاقات بين الدولتين، وأن تتفق الخرطوم والقاهرة على عقد اللجنة العليا المشتركة بين الدولتين، لتناقش كل الملفات العالقة ومنها موقف البلدين من سد النهضة، فضلا عن المشروعات المشتركة المتوقفة بين البلدين ومنها افتتاح الطريق البرى الذى يربط مصر والسودان الذى تأجل افتتاحه لأسباب سياسية وليست فنية كما يدعى مسئولى البلدين.
المحصلة النهائية لفكرة عودة الوئام بين مصر وكلا من تونس والسودان، أن يتخلى الجميع عن الأيدلوجيات الحاكمة، وتغليب لغة الشعوب والمصالح المشتركة.
موضوعات متعلقة ..
يوسف أيوب يكتب: كيف نطوى الخلافات ونفتح صفحة جديدة مع أشقائنا العرب.. إذا كانت الجزيرة هى أزمتنا مع قطر فلماذا لا نحيدها باتفاق على الطريقة الأمريكية؟
يوسف أيوب يكتب: عملية لمّ الشمل العربى بدأتها مصر مع تونس.. والسؤال لماذا لا تتخلى حكومة النهضة عن أيدلوجيتها الإخوانية وتنظر لمصالح الشعبين.. ومتى يعود الوئام بين القاهرة والخرطوم؟
الأربعاء، 20 نوفمبر 2013 07:02 م
محمد المنصف المرزوقى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
الاخوان لا ينتمون لوطن الوطن فى نظرهم حفنة عفنة من التراب ولا ينتمون لشعب الجماعة فقط
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
عقيدة الدجال اليهودى حسن البنا لا انتماء فيها لبلد او شعب
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم العميري
ملف السودان بيد المخبارات المصرية
عدد الردود 0
بواسطة:
عامر
لا تعليق
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدي
راشد الغنوشي وعمر البشير ولائهم للتنظيم الدولي وليس لي الاوطان الو الشعوب
عدد الردود 0
بواسطة:
جزائري
بشرى لأهلنا في مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن - السودان
وئام القاهرة و الخرطوم