أكد الدكتور أحمد صالح، الباحث الأثرى مدير آثار أبو سمبل ومعابد النوبة، أن ما قدمه أحد الباحثين عن تعامد الشمس على 169 معبداً فرعونياً، ليست حقيقة علمية استند إليها الباحث، مؤكداً أن الباحث فى مجال الآثار لابد وأن يكون أثرياً مستنداً إلى مرجعيته، وليس غير متخصص فى مجاله.
وأشار "صالح"، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، إلى أن الباحث لاحظ شروق ظاهرة الشمس على 169 معبدا ومقصورة وأدخل بالحاسب الآلى برنامج الفلك الرياضى، ولا أعرف كيف تضع إحداثيات المعبد وتنتج معلومات ثم تخرج بنتائج المفترض أنها علمية، وتربط بين التواريخ الفلكية ببرنامج الفلك الرياضى مع تواريخ أى أعياد قديمة فى مصر، ولا يعود الباحث إلى النصوص والمناظر الموجودة فى كل معبد على حدة.
ولا يمكن لأى باحث أن يضع أمامه برنامج الأعياد فى مصر القديمة ثم يضعها على أى معبد مصرى فى مكان ودليل خطأه عندما تحدث عن دلالة ظاهرة الشمس فى معبد أبو سمبل الكبير فيقول الباحث إن ظاهرة الشمس فى شهر فبراير دلالة على احتفالية بالإلهة حتحور، وأى دارس فى الآثار يعرف أنه لا علاقة بين المعبد الكبير والإلهة حتحور على الإطلاق، وقد كرس المعبد للإلهة رع حور وأختى وأمون رع وبتاح، إضافة إلى رمسيس، ويقول الباحث معلومة خاطئة أخرى وهو دلالة ظاهرة أكتوبر وعلاقتها باحتفال يقام للإله حورس أو الملك باعتباره حورس، وكان على الباحث أن يأتى إلى معبد أبوسمبل ليشرح لنا على المناظر والنصوص كيف جاءت له هذه الفتاوى غير القائمة على أساس علمى، ويبدو أن الباحث وضع أمامه قائمة بالأعياد وتواريخها ثم نسق المعبد على التاريخ.
وأوضح مدير آثار أبو سمبل ومعابد النوبة، أن خطأه فى معبد أبو سمبل الكبير يجب أن يرد المواعيد إلى السنة الفلكية ولا يربطها بالفلك الرياضى وعندها سيعرف أن النتيجة التى وصل لها كانت خاطئة، وعليه أن يدرس المناظر الواردة فى كل معبد على حدة، ثم يعرف أى الإلهة له علاقة بالمعبد.
وأسهب الباحث الكلام حول طقسة شد الحبل وليس كما ترجمها شد الوتر وهى شعيرة معروفة من ضمن شعائر تأسيس المعبد، وكان عليه أن يعرف أن الدكتور مسلم شلتوت قد أشار فى دراسته إلى أن الشعيرة ربما تقصد توجيه المعبد تجاه الشمس أو تجاه نجم من النجوم، ومن الغريب أن الباحث نسب كلاما إلى الدكتور مسلم شلتوت أعتقد أنه لو قرأه سيرد عليه بنفسه، لأن دراسات الدكتور لم تقل أشياء نسبها الباحث إليه، ولا أعتقد أن الدكتور شلتوت غطى هذا الكم من المعابد التى قالها الباحث.
وقال صالح إن الباحث حينما تكلم عن معابد ومقاصير مصر جعل الكلام عامة ولا يعرف أن هناك معابد جاءت موازية لنهر النيل ولا تتعامد عليه أى أن محورها شمال جنوب ولا تواجه الشرق أصلا، وبالتالى لا يصح بالباحث أن يضم معابد موازية للنيل ولا تواجه شروق الشمس.
وقام الباحث بالخلط بين المعابد المصرية فرعونية وعصر متأخر وعصور يونانية رومانية مع اختلاف الأديان والآلهة بين كل المعابد وكأنها موئلا ثابتا أن تتعامد هذه المعابد على الشمس، وحاول أن يقصر ظاهرة توجيه المعابد موجهة إلى تواريخ يقول إنها مرتبطة بالأعياد فى مصر القديمة.
وقال الباحث الأثرى "عندما تعانق الشمس وجه رمسيس فى أبو سمبل يقطع السائح مشوارا طويلا كى يصل إلى مدينة أبى سمبل، أقصى نقطة عمرانية جنوب مصر، من أجل أن يرى ظاهرة فلكية تحدث منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وهى تعامد أشعة الشمس على قدس أقداس المعبد الكبير بأبى سمبل.
وأضاف مدير آثار أبو سمبل ومعابد النوبة، أن نقطة عناق الشمس للحجر هى الحائط الغربى من قدس أقداس المعبد الكبير وهى الحد الأخير منه، ويستند على هذا الحائط أربعة شخصيات، ثلاثة منهم آلهة والرابع هو ملك تطلع لمساواة نفسه بالآلهة وهذه الشخصيات هى اليمين إلى اليسار الإله رع حور أختى رب الشمس المشرقة عند قدماء المصريين وهو بجسد بشرى ورأس صقر ويعلو رأسه قرص الشمس، ويليه الملك رمسيس الثانى وهو يضع على رأسه التاج الأزرق أو تاج الحرب، والشخصية الثالثة هو الإله آمون رع اله الدولة الرسمى وإله عاصمة مصر طيبة (الأقصر)، وأخيرا الإله بتاح رب مدينة منف (البدرشين) ورب الصناع والحرفيين وقد فقدت رأسه.
وفى كل سنة ترسل الشمس أشعتها مرتين لتتعامد على هذا الجدار الغربى لقدس الأقداس، وتكون المرة الأولى فى 22 أكتوبر، والمرة الثانية فى 22 فبراير وتحديد التاريخ بهذه الدقة لا يعنى أن الشمس لا تدخل فى الثلاثة أيام السابقة واللاحقة لأى من التاريخين، إنما الشمس تكون واضحة وإطارها داخل قدس الأقدس يكون فى أوجه، ويجب أن نضع فى الأذهان أن الشمس كانت تدخل يوم 21 من شهرى أكتوبر وفبراير فى الموقع القديم قبل أن يتم نقل المعبد.
لافتاً إلى اتباع مراحل تعامد أشعة الشمس على معبد أبو سمبل الكبير تبدأ من اللحظة الأولى لتعانق الشمس مع الحجر:
"تتعانق أشعة الشمس فى البداية مع القرود التى تعلو واجهة المعبد الكبير، ويبلغ عددها الحالى ستة عشرة قردا، وتشير المساحة الفارغة بين القرود إلى ضياع ستة قرود أخرى، مما يعنى أنه فى الأصل كان هناك اثنى وعشرين قردا، ويرفع كل قرد ذراعيه لأعلى تحية للشمس المشرقة، ومن المعروف أن قدماء المصريين ربطوا بين ساعات اليوم وبين القرود، لأن ساعات اليوم مرتبطة من وجهة نظرهم بوجود الشمس واختفائها ولاحظوا أن القردة فى الصباح الباكر تهلل وتقفز عند شروق شمس الصباح، ولذلك جعلوا الإله تحوت (القرد) سكرتيرا للإله رع (الشمس)، ولكن عدد القرود فى واجهة المعبد الكبير 22، وأيضا كانت ساعات اليوم فى عصر الرعامسة (العصر الذى عاش فيه رمسيس الثانى) كان 22 ساعة، وأضيفت فيما بعد ساعة للشروق وساعة للغروب".
"وتهبط أشعة الشمس من القرود لتركز على إله الشمس المشرقة رع حور أختى والذى نحت داخل مستطيل بهيئة أدمية ورأس صقر وعلى رأسه قرص الشمس، ويقف على الجانبين الملك رمسيس الثانى ويقدم قربان الماعت".
و"تهبط أشعة الشمس إلى المدخل الرئيسى للمعبد الكبير وتتسلل لمسافة 48 مترا، وتهرع متخطية الصالة الاولى، والصالة الثانية، والصالة المستعرضة، وقدس الأقداس حتى تبقى فى أحضان الجدار الغربى ما بين عشرين دقيقة إلى خمس وعشرين دقيقة.
"وترسم الشمس إطارا مستطيلا على جسد الملك رمسيس الثانى والإله آمون رع فى قدس الأقداس، وتتحرك ناحية اليمين تجاه الكتف الأيمن للإله رع حور أختى، حتى تختفى على هيئة خط رفيع مواز للساق اليمنى للإله الأخير".
"وبعد خمس وعشرين دقيقة تنسحب الشمس إلى الصالة الثانية، ثم الصالة الأولى، وتختفى بعد ذلك من داخل المعبد كله".
وأوضح مدير آثار أبو سمبل ومعابد النوبة، أنه انتشر بين الناس تفسير سبب دخول أشعة الشمس داخل المعبد ونشر الإعلام هذا التفسير، وكان التفسير هو أن أحد اليومين (22 أكتوبر) يمثل تاريخ مولد رمسيس الثانى واليوم الآخر (22 فبراير) يمثل مناسبة تتويجه على عرش مصر أول مرة، ولكننا لا نعرف بدقة متى ولد رمسيس، أما تتويجه فقد حدده باحث المصريات الإسكتلندى كينيث كيتشن بيوم 18 يونيو.
وتساءل هل قصد المصريون القدامين أن تدخل الشمس مرتين فى السنة داخل هذا المعبد، وقرأت نصوص المعبد كاملة، ودرست مناظره، ثم أعددت قراءة دراسة الفرنسية كريستيان ديروش نوبلكور أثناء إنقاذ معبد أبوسمبل لأعرف فيما لو كان هناك انحراف أجبر النحاتين القدامى على إزاحة المعبد عن المسار الرئيسى بسبب الجبل أم لا؟
ففى نصوص المعبد لم أجد نصا يربط المعبد مع الشمس بشكل مباشر سوى نص التكريس الذى كتبه رمسيس على واجهة المعبد الصغير الخاص بزوجته الملكة نفرتارى "التى من أجلها تشرق الشمس"، ووجدت فى معبد رمسيس الثانى ازدواجية فى احتفال كان يقام بالمعبد، وفى دراسة إنقاذ المعبدين لم أجد أى إشارة إلى انحراف فى توجيه المعبد.
وتابع، قررت أن أرجع إلى السنة الفلكية المصرية القديمة، فوجدت أن المصريين حسبوا سنتهم ما بين شروقيين متاليين لنجم الشعرى اليمانية والذى يتوافق مع مقدم الفيضان ومع شروق الشمس، وكان ذلك ما بين أواخر شهر يونيو ومنتصف شهر يوليو، ووجدا أن المسافة الزمنية تبلغ 365 يوما، وقسموا هذه السنة إلى ثلاثة فصول، أسموا الفصل الأول باسم أخت (الفيضان) وكان يبدأ بـ21 يونيو، والفصل الثانى برت (الزراعة) ويبدأ يوم 21 أكتوبر، والفصل الثالث شمو (الحصاد) ويبدأ فى 21 فبراير، هكذا الأمر!، فأشعة الشمس التى تعانق المعبد تتوافق مع أول يوم فى كل من فصل برت (الزراعة) وفصل شمو(الحصاد) أى أن الموضوع إشارة فلكية تحدد للأهالى متى يزرعون ومتى يحصدون.
ولاحظ الباحث فى الصالة الثانية وقدس الأقداس منظرين مكررين وهو منظر المراكب المقدسة، حيث يقف الملك منفردا أو مع زوجته الملكة نفرتارى يقومان ببعض الطقوس أمام مركبى الإلهين رع حور أختى (أو رمسيس) وآمون رع، وهذا يعنى أنه كان بالمعبد مناسبتين أساسيتين لكل من الإلهين.
واستكمل: اعتقد أنه فى كل مناسبة كان الكهنة يجلبون تمثالا صغيرا لأحد أصحاب المراكب المقدسة، ويجلبون مركبة الموديل من الغرفة التى تقع شمال وجنوب قدس الأقداس، ويضعون المركب وبداخله التمثال على زحافة خشبية فوق القاعدة الحجرية وسط قدس الأقداس، ويقومون بطقوس تغيير الملابس والتزيين والتبخير وتقديم القربان، ويحملون المركب بعد ذلك، ويسيرون فى الطريق المواكبى خارجين إلى الفناء الخارجى، حيث ينتظرهم المتعبدون ليقدمون القرابين إلى الإلهين.
مدير آثار أبو سمبل فى رده على أحد الباحثين: دراسة تعامد الشمس على 169 معبدا لا تستند إلى حقيقة علمية.. وحسابات الباحث اعتمدت على أعياد القدماء المصريين.. وأبو سمبل معجزة فلكية لا يمكن مناظرتها
السبت، 02 نوفمبر 2013 05:12 ص
مدير آثار أبو سمبل
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة