فى 14 يناير 2011 فر الرئيس التونسى زين العابدين بن على من بلاده مدشنا نجاح أولى ثورات الربيع العربى أعقبها مباشرة إعلان العديد من القوى الشبابية والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى التبشير بالثورة فى مصر، وحددت 25 يناير كموعد لها كان غريبا أن يتم تحديد موعد للثورة، ورغم ذلك أعلنت معظم قوى المعارضة مشاركتها فى التظاهرات عدا جماعة الإخوان التى أصدرت بيانا، قالت فيه إنها لن تنزل للتظاهر وسخر قادتها علنا من دعوة الشباب للثورة.يناير وما بعدها فى 11 فبراير 2011 أعلن الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصبه كرئيس للجمهورية، وفى اليوم التالى بدا واضحا أن هناك روحا شابة مستبشرة دبت فى أوصال هذا البلد -الذى كاد أن يخرج من التاريخ ومن الدور- وانتظر الجميع أن يستغل من وصلوا إلى السلطة هذه الروح الجديدة فى القفز للمستقبل بخطى سريعة تشجعها الحالة الجديدة التى انسحبت على كل المصريين وكانت البراءة الثورية التى سيطرت على شباب الثوار وملايين الجماهير التى خرجت لتزيح الطاغوت تعطى أملا فى أن مصر ستخرج سريعا من كبوتها، فى ذلك الوقت كان هناك ثلاث قوى رئيسية تتحكم فى المشهد السياسى وتسير الأمور فيه.
وكان لكل قوة أهدافها وطرق عمل تختلف عن الأخرى وانقسم المشهد بين المجلس العسكرى الذى تلخصت رؤيته فى نجاح الثورة فى إزاحة مبارك وبعض رموز نظامه وعمل بعد التعديلات البسيطة عليه ليستمر كما هو بنفس آلياته وطرائق عمله، وبدا أن المجلس -الذى تآكلت شعبيته بمرور الوقت لأخطاء وقع فيها- بحاجة لظهير شعبى يمثل رافعة له فى الشارع السياسى، وهنا ظهرت جماعة الإخوان الأقلية الأكثر تنظيما وقوة فى الشارع، وأرسلت إشارات الاستعداد للتعاون والقيام بالدور المطلوب كانت الجماعة هى الأكثر تحديدا لما تريد وكيفية الوصول، وكان لديها القراءة الأكثر واقعية كما أن رؤيتها لنجاح الثورة تتفق مع رؤية المجلس العسكرى، وهى مجرد إزاحة مبارك ورموز نظامه أى جماعة تحل مكان الحزب فى السلطة عكس الفريق الثالث من الشباب الثورى الذين سيطرت عليه الرومانسية الثورية وظنوا -وبعض الظن إثم- أن إزاحة مبارك تعنى بشكل تلقائى نجاح الثورة وتمكينهم كفصيل بدأها وأشعل شرارتها من الوصول إلى مراتب السلطة، وهو ما لم يحدث، وبدأ التخبط فى المرحلة الانتقالية الأولى وكأنه كان مطلوبا أن يتم خنق هذه الروح الجديدة ليعود كل لمكانه، وهو ما حدث ووصلت مصر إلى ما وصلت إليه من حكم الإخوان وجرت مياه كثيرة تحت النهر أوصلتنا إلى 30 يونيو.يونيو وما بعدها فى 26 إبريل 2013 انطلقت من ميدان التحرير دعوة تمرد لسحب الثقة من الرئيس الإخوانى محمد مرسى وحددت يوم 30 يونيو من نفس العام موعدا لإسقاطه فى حال عدم استجابته، وانتشرت الحملة الموجهة ضد الإخوان ورئيسهم هذه المرة واحتضنتها القوى السياسية المدنية على مختلف توجهاتها، كان شباب 30 يونيو مختلفا عن شباب 25 يناير فى أنه خرج من قلب الحياة السياسية وأنهم جميعا أبناء للحركة الوطنية المصرية ونسقوا معها عكس شباب يناير الذين لعبوا دورا -بلا قصد طبعا- فى إضعاف الحركة المدنية فى مقابل الإخوان والمجلس العسكرى الحاكم ووقعوا فى أخطاء تكتيكية مردها قلة الخبرة وعدم التنسيق الكافى مع القوى التى ساندتهم وأيدتهم.
نجحت يونيو بفضل روح شباب تمرد أصحاب الدعوة وبفضل روح ملايين المصريين الذين خرجوا لتأييدها، وبدا أن مصر التى سقطت فى اختبار المرحلة الانتقالية الأولى فى طريقها لإعادة السنة، والبدء فى مرحلة انتقالية جديدة مستفيدة من أخطاء الماضى القريب فتم الترتيب بشكل استفاد فعلا من أخطاء المرحلة السابقة وتنفس المصريون الصعداء مرة أخرى، وعادت الروح التى حاول الإخوان خنقها طوال العام الثقيل من فترة حكمهم إلى الظهور مرة أخرى لتبعث أملا جديدا فى شعب حدد فى أقل من 3 سنوات موعدا لثورتين وحقق المعجزة فى المرتين ونجح، هذه الروح الوثابة التى أطلت من جديد والتى كانت مرشحة أيضا للقفز بمصر إلى مستقبل جديد هى فى أمس الحاجة إليه كادت أن تنزوى وتذهب إلى غير رجعة ما يمكن أن يؤدى إلى حالة نكوص شعبى ستأتى بلا شك بأثر عكسى يؤثر فى التفاف الناس حول 30 يونيو وأهدافها وإيمانهم العميق أن مصر كانت تحتاج لموجة جديدة من ثورتها تصلح ما فسد فى موجتها الأولى، هذا النكوص مرده ليس فقط فى البطء الشديد وعدم وضوح الرؤية لدى الحكومة وارتعاشها فى اتخاذ القرار وتخاذلها حتى الآن عن اتخاذ مواقف حاسمة تؤكد انحيازها لعموم المصريين البسطاء الأقرب إلى خط الفقر والعوز والحاجة وتشعر الناس أن هناك متغيرا جديدا حدث فى مصر بعد 30 يونيو إنما مرده أنها لم تستفد من روح الناس بعد 30 يونيو، وهو نفس الخطأ الذى وقعت فيه حكومات ما بعد يناير قد يكون الخطأ هذه المرة غير مقصود -وظنى أنه كذلك- لكن فى النهاية فاقد الشىء لا يعطيه، وهذا البلد يحتاج بجانب كل ما يقال فى الاقتصاد والسياسة والدستور والأحزاب والأسعار يحتاج من ينفخ فيه روحا جديدا يحتاج إلى إلهام جديد يعيد إليه الثقة فى المستقبل ويزيح عنه خوف عشش لسنوات طويلة من مستقبل ظل مجهولا قبل الثورة ولا يصح أن يظل كذلك بعدها.
طارق سعيد يكتب :عودة الروح بين يناير ويونيو.. نجاح المرحلة الانتقالية لا يحتاج لخطط فى السياسة والاقتصاد فقط لكنه يحتاج لمن يعيد بعث الروح وهو ما تفتقده الحكومة الحالية
السبت، 02 نوفمبر 2013 05:45 ص