صدر حديثًا عن المركز القومى للترجمة النسخة العربية من كتاب (الكفار تاريخ الصراع بين عالم المسيحية وعالم الإسلام) من تأليف أندرو هويتكروفت ومن ترجمة الدكتور قاسم عبده قاسم.
ويناقش الكتاب قضية مهمة تتعلق بموضوع الساعة فى الثقافة الغربية عموما، وتتصل بمشكلة علاقة العالم المسلم بالغرب الأوروبى والأمريكى بصفة عامة، حيث يكشف الكتاب عن سعة علم المؤلف بالموضوعات الكثيرة التى ناقشها الكتاب عبر مسافة زمنية هائلة تمتد من العصور الوسطى حتى الوقت الراهن، ولذلك تنوعت مصادره واكتبست حيوية أضفت على صحفات الكتاب جاذبية، حيث يغطى مساحة شائعة فى الزمان والمكان على السواء، فهو يبدأ فى القرن السابع الميلادى ويمتد إلى القرن الحادى والعشرين، وحدوده جنوب الجزائر، وفيينا فى الشمال والمحيط الأطلنطى غربًا، وبحر العرب والمحيط الهندى فى الشرق، ويخرج أحيانًا عن تلك الحدود، ولكن مركزه عالم البحر المتوسط.
ويتعرض الكتاب لمشكلة "الآخر" بكل تفاصيلها وتعقيداتها، ويبدأ من معركة انتصر فيها أسطول الغرب مجتمعًا على الأسطول العثمانى فى ليبانتو سنة 1517، وهو ما يكشف عن أمرين غاية فى الأهمية بالنسبة للمنهج الذى اتبعه المؤلف فى هذا الكتاب، وهم أن المؤلف لم يحبس نفسه فى إطار التتابع الزمنى الكرونولوجى وإنما اختار أن يتناول موضوعات متنوعة وإن كانت غير متفرقة داخل الإطار العام وموضوعه.
أما الأمر الثانى فيتعلق أنه اختار نقاط مناقشة موضوعه على أسس تاريخية وجغرافية فى آن واحد، فبعد مقدمته الحافلة والممتدة ناقش العلاقات العثمانية الأوروبية فى لحظة تاريخية فاصلة؛ محاولًا من أن يبين من خلالها كيف كانت تبدو صورة "الآخر الكافر" فى عيون المسلمين وفى عيون المسيحيين فى القرن السادس عشر.
ومن خلال أربعة عشر فصلا، تقع فى 633 صفحة من القطع الكبير، يتناول الكتاب، مسائل الفتوح الإسلامية الباكرة، ثم ما جرى فى الأندلس منذ الفتح الإسلامى حتى نهاية الوجود السياسى للمسلمين فى شبه جزيرة إيبريا، مصورًا فظاعة التعصب الكاثوليكى، وبشاعة رجال الدين ومحاكم التفتيش وكيفية رسم صورة "للآخر" تبرر هذه البشاعة وتناسبها.
أما الجزء الثالث من الكتاب فيناقش قضية الحروب الصليبية؛ ثم مشكلات البلقان، منذ الاحتلال العثمانى، حتى مذابح التطهير العرقى التى شهدتها المنطقة بعد انهيار يوجوسلافيا فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، حيث يحسب للمؤلف نقله للصورة بعيدا عن الانحياز والعمى السياسى، كما يواصل مناقشة تأثيرات مشكلات البلقان على منظور كل من المسيحين والمسلمين فى هذه المنطقة من العالم الآخر، وكيف غرست الكراهية فى نفوس كل من الجانبين تجاه الآخر والمذابح البشعة التى حدثت هناك.
ويتحدث الدكتور قاسم عبده قاسم، فى مقدمة الكتاب عن مدى التنوع الذى يتميز به هذا الكتاب، ومدى سعة إطلاع مؤلفه، فالكتاب حافل بالتفاصيل الفرعية والمعلومات المفيدة، كما يميزه انتقاله من مسرح جغرافى إلى مسرح آخر، ومن فترة تاريخية إلى فترة تاريخية أخرى سعيًا وراء صورة (الآخر الكافر) كما رسمها المسلمون للأوربيين فى العصور الوسطى وفى العصور الحديثة؛ وكما رسمها الغرب للعالم المسلم منذ العصور الوسطى وتطورها حتى الآن، حيث ينتقل الكتاب بنا من العصور الوسطى إلى اللحظة الراهنة، ومن الفتوح الإسلامية فى النصف الأول من القرن السابع الميلادى، ومن أقوال القساوسة والرهبان الذين كتبوا عن المسلمين الأوائل حتى ما قاله جورج بوش والكتاب والصحفيون الغربيون عن الإسلام والمسلمين حاليًا.
هذا الكتاب يأخذنا أيضًا من شبه الجزيرة العربية حتى بلاد الشام ومصر والمغرب العربى عبر مضيق جبل طارق فى أسبانيا، ويسافر بنا على البلقان، لينهى رحلته فى الولايات المتحدة الأمريكية.
المؤلف أندرو هويت كروفت، هو مؤلف العديد من الكتب فى التاريخ الحديث الباكر وفى التاريخ، منها العثمانيون (بنجوين 1995) والهابسبورج بنجوين (1996)، وقد عمل على هذا الكتاب لمدة تزيد على عشر سنوات، وترجمت كتبه السابقة إلى العربية واليونانية والإيطالية والبولندية والبرتغالية والرومانية والإسبانية والتركية.
مُترجم الكتاب هو الدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ متفرغ بجامعة الزقازيق فى تاريخ العصور الوسطى له عدة مؤلفات فى تاريخ الحركة الصليبية، وعصر سلاطين المماليك، والفكر التاريخى، والعلاقات بين المسلمين وأوروبا، ترجم عدد كبير من أهم الكتب التاريخية، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية فى العام 1983، وجائزة الدولة للتفوق 2000، جائزة الدولة التقديرية 2008.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة