فى لحظة فاصلة كحد السيف، انطفأ نور حياتهم. حرارة، ورضا، ومالك، وطه، وعرابى، ورانيا، ومارى، ومختار، ومحمد، وهيثم..وآخرون مجهولون يتجرعون فى صمت مرارة الفقد، منهم من فقد عينا ومن فقد الاثنين، من فقد حلما، ومن فقد حبيبة، فالمصائب كعادتها دوما لا تأتينا فرادى.
إلا أن كثيرا منهم لا ينظر إلى إصابته كابتلاء، ولكن "اصطفاء" يفخر به، ويضعه "نيشان" فوق صدره، لكن إيمانه بالتضحية لا يرحمه من لحظات ألم يتذكر فيها فداحة خسارته، لا يهون عليهم تلك اللحظات التى ربما تمتد لساعات وأيام، سوى قطعة سكر تحلى مرارة الحياة متمثلة فى أم أو حبيبة، أو ملاك حارس يتوكأ عليه، عوضا عن العصا البيضاء.
فى الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود التى اندلعت يوم 19 نوفمبر 2011، وسقط فيها عشرات الشهداء ومئات المصابين، بينهم أكثر من 60 إصابة مباشرة فى العين بالخرطوش، كان لـ"اليوم السابع" هذه الحوارات مع مجموعة من مصابى عيون الحرية بعد عامين من الشوف بـ"البصيرة"، كانت رسالتهم لنا فيها قاطعة"، قلبى مهوش محتاج نضارة".. وإليكم نص الحوارات..
"رضا".. "مانو" هى قطعة السكر التى تحلى مرارة حياتى الآن
فقد عينيه وحلمه بالالتحاق بالكلية الحربية وعوضه الله بملاك حارس
الشمس "أبرد" من قلبه المغلف بمرارة الفقد والغضب الذى لم تنطفئ جذوته رغم مرور عامين، لم يكن أمامه فيهما ما يفعله سوى عد الأيام، بعد أن أُردى حلمه الوحيد بطلقات خرطوش، استقر "بليها" فى عينيه، فذهب بنورهما إلى الأبد، وحرمه من حلم الالتحاق بالكلية الحربية ونجوم ضباط الجيش.
"رضا عبد العزيز" قبل الإصابة كان شابا مليئا بالحياة والطموح، يجهز أوراقه للتقديم فى الكلية الحربية، ليسير فى أول طريق تحقيق الأمنية التى تمناها فى عيد ميلاده مطلع شهر نوفمبر 2011، ذات الشهر الذى اندلعت فيه الأحداث، بعد أن أنهى دبلوم السياحة والفنادق، ولم يفكر لثانية وهو يطفئ شموع عيد ميلاده الـ 18، أن النور لن يعود إلى حياته مرة أخرى بعد هذا الشهر، أو أنه سيخسر عينيه الاثنين، وحلمه وحبيبته التى رفض أهلها أن تستمر معه بعد خسارته، وعددا غير قليل من أصدقائه الذين تخلو عنه بدورهم.
"أنا عايش ميت".. هكذا يصف "رضا" حياته من بعد الإصابة، التى يتكرر روتينها الملل بشكل يومى"مبعملش أى حاجة خالص، الناس بتفتكرنى ساعة ذكرى أحداث محمد محمود وطول السنة فراغ، بخرج لو لقيت حد من أصحابى فاضى أو بتفرج على التليفزيون"، ويوضح بضحكة مبتورة ساخرة "بسمع الأصوات بس طبعا"، كما يسلى وقته بأبيات الشعر التى يؤلفها.
إلا أن حياته لم تخل من قطعة سكر تحلى مراراتها، يصفها رضا بـ"الملاك القادم من الجنة"، ويناديها "مانو"،"هى عينيا اللى بشوف بيها الدنيا دلوقتى ولو فيه وصف أكتر من حبيبتى ينطبق عليها"، إلا أنه يتابع بأسف "مش هقدر أشوف ابنى اللى لسه مجاش ولا حتى هشوف أمه وبحسد كل اللى هيشوفوهم"، ولديه أيضا صديقه محمد، "العصا البيضاء التى يتكأ عليها"، والذى يرافقه فى أى مكان يرغب فى الذهاب إليه.
ما بقى له من حب الحياة، هو ما يجعله يقود السيارة والموتوسيكل فى بعض الأحيان بإرشادات من يجلس إلى جانبه أو خلفه، ليشعر بأنه لا يزال على قيد الحياة، ولم يخسر كل شىء، واليوم الذى سيشعر فيه بأن تضحيته لم تذهب هباءً، هو:"لما أعرف مين اللى أخد عينيا وعين حرارة ومالك ومين اللى قتل مينا وجيكا والشيخ عماد، ونجيب حق الشهداء والمصابين هتبقى الثورة دى نجحت".
"مختار" مش شايف إنى "أعمى" لأنى صاحب بصيرة ورسالة مش فرد فى قطيع
لم يلتحق بقائمة مصابى الثورة رغم محاولته وينفق على عملياته حتى الآن
لم يستطع أن يترك مصابى الثورة وأهالى الشهداء يتعرضون للضرب أو السحل خلال قيام قوات الأمن بفض اعتصام التحرير بالقوة، فذهب مسرعا لنجدتهم وتحمل الضربات نيابة عنهم، وفى المنتصف بين متظاهرين يرشقون ضباط وعساكر بالحجارة، فيردون عليهم برصاص حى يستهدف عيونهم، ذهب نور العين اليسرى لـ"مختار مصطفى"، بينما كان يحاول وقف الاشتباكات بين الطرفين ليسلم الجميع.
ورغم أنه انضم لقائمة تحمل أكثر من 60 بطلا فقدوا عينا أو اثنين خلال الأحداث، إلا أن مجلس رعاية أسر الشهداء ومصابى الثورة، ألح عليه بأن يلتحق بقائمة مصابى الثورة التى يضعها،"عملت عملية على حسابى والتانية تكفلت بها منظمات المجتمع المدنى".
تعطل قليلا عن دراسته عقب الإصابة، لكنه لا يزال يكمل الدراسة، ويعمل فى نفس الوقت، "بدرس فى معهد الدراسات المتطورة فى الهرم، وبدرس نظم ومعلومات، وبشتغل فى العلاقات العامة فى شركة مقاولات".
"مختار" ليس ناقما على إصابته، فشعوره نحوها هو الفخر والاعتزاز،: "أول حاجة قلتلها بعد الإصابة ما كنتش "آه" كانت "الحمد لله" وكنت سعيد وفخور بنفسى، وحلمى أن أقدم رسالة تانية غير اللى قدمتها تخدم البلد، وبحاول أعمل ده من خلال دراستى وناوى بعدها أدخل الجامعة المفتوحة، وأحضر دكتوراه عشان أوصل لمكان أكون "مؤثر" فيه".
إلا أنه بشر وفى الأوقات التى يشعر فيها بالإجهاد بسبب تركيزه على عينه اليمنى، ينتابه الضيق، لكن ما يلبث أن يعود لرضاه "أول ما بحمد ربنا وبلتزم مبحسش بأى إجهاد وبشوف كويس بعينى اليمين".
أكثر من سانده خلال الفترة الماضية، هو "والده"،"رغم أنه مش راضى عن نزولى ومشاركتى فى الأحداث، بس هو أكتر حد وقف جنبى وبيتعب معايا عكس كتير من أصحابى اللى بعدوا عنى منهم اللى قال "أعمى" ومنهم اللى قال "ده قابض" وبضحك من كلامهم لأنى مش شايف أنى أعمى، لأن ربنا رزقنى البصيرة حتى لو كان أخد عينيا الاثنين، ومبسوط إنى كنت صاحب رسالة مش واحد من ضمن القطيع".
"هيثم".. ربنا أخذ عينى بس إدانى حب الناس
ترك عمله حتى لا يجهد عينه السليمة من كثرة الجلوس أمام الكمبيوتر
يعيش بألم دائم، فالصداع لا يفارق رأسه منذ أن استقرت فى عينه اليسرى وأسفلها مقذوفات الخرطوش، وأجرى ثلاث عمليات حتى الآن لإزالة "البلى"، ولا يزال بعضه باقيا فى وجهه، لكنه دائما ما يهون على نفسه قائلا"ربنا أخد عينى بس إدانى حب الناس".
حياة "هيثم فودة" قبل الإصابة كانت شبيهة بحياة كثير من الشباب فى مثل عمره، فبعد حصوله على بكالوريوس نظم المعلومات من أكاديمية الألسن، سافر إلى الإمارات، ليكون مستقبله، "اشتغلت هناك فى شركة تسويق عقارى، ولما رجعت مصر اشتغلت فى خدمة العملاء فى شركة للاتصالات، ورغم أن عائلتى ميسورة، لكن كنت بحب أشتغل وأعتمد على نفسى من وأنا بدرس"، إلا أنه لم يستمر فى فعل ما يحب بعد إصابته"، تركيزى على عين واحدة أضعفها وزرعت فيها عدسة من شهرين وشغلى كان طول الوقت على الكمبيوتر، فمكنش ينفع أكمل عشان مخسرش العين السليمة، وكارنيه مصابى الثورة اللى معايا مجرد صورة ملهوش أى لازمة، لولا أن أهلى مرتاحين ماديا كان زمانى بشحت فى الشارع".
بمرارة يجزم أن حياته التى لم يكن فيها أى مشكلة حتى سن الـ 27 عاما، تم تدميرها بعد إصابته قبل عامين،"أول ما فتحت عينى فى المستشفى بعد الإصابة، واكتشفت أنى مبشوفش بيها، جتلى حالة هياج ما كنتش متخيل أن خلاص عينى راحت لحد ما نمت بالمهدأ، وخرجت من باب المستشفى، لقيت مسيرة كبيرة مستنيانى، وأصريت أروح معاهم للميدان، كان قصدى أن مفيش حاجة هتوقفنى برغم أنى كنت حزين من جوايا"، فلم يخالج الندم نفسه للحظة لمشاركته فى الأحداث"، أنا مؤمن بقضية ومش ناوى أفرط فى حق من الشهداء، لأنى كنت ممكن أبقى زيهم، ومبسبش فاعلية ثورية من غير ما أشارك فيها، إلا مضطرا لأن نزولى فى الشمس بيسببلى صداع ودوخة".
"راضى بقضاء ربنا وبشكره بس مفتقد حاجات كتير فى حياتى"، يقولها برضا مشوب بالألم، ويعدد الأشياء التى تأثرت فى حياته بعد الإصابة"، غير أنى مبقتش أشتغل مبقتش بعرف ألعب رياضة عشان الصداع اللى مبيفارقنيش، غير المعاناة لما بستحمى لازم أغطى عينى المصابة بكيس بلاستيك عشان ممنوع تلمس مايه أو تراب، وبحمد ربنا لو نمت 3 ساعات كل يوم"، كل هذه الأمور ليست بقدر الوجع الذى يقرصه حين ينظر فى وجه أمه"، بحس أنها كبرت 50 سنة من بعد إصابتى من حزنها علىّ".
"محمد" ليس ابتلاء ولكنه اصطفاء.. و"عندى حاجة أفتخر بها قدام أولادى"
حصلت على وظيفة إدارية من الدولة وخطبت من شهر
الرصاصة لا تزال فى عين "محمد فتحى"، "منقدرش نشيلها عشان العين السليمة"، هكذا أخبروه بعد أكثر من عملية جراحية، ولم يكن أمامه سوى أن يتقبل الأمر الذى لا يصفه بـ"الابتلاء"، ولكن "اصطفاء" إلا أن الإيمان بالتضحية لا يرحمه من بعض لحظات ألم يطفئ فيها نور غرفته، ليوهم نفسه لثوان أنه لا يبصر بعينه بسبب ظلام الغرفة، لكن نفسه لا تنطلى عليها الخدعة، ويعود نزيف ألمها من جديد.
اللحظات الأولى كانت الأشد وطأة حين كان يحتاج لمن يستند إليه، حتى يستطيع الحركة ومن يطعمه بيده حتى لا تصطدم الملعقة بأنفه أو أسنانه، حتى اعتاد على الرؤية بعين واحدة"، كنت بحاول أضحك وأنكت قدام أهلى وأصحابى، وكنت مانعهم يبكوا قدامى، وكان عندى إصرار أرجع أسوق عربتى من تانى وأحلق ذقنى لوحدى وأمارس حياتى بشكل طبيعى".
"محمد" اضطر إلى سحب أوراقه من كلية الحقوق بعد إصابته، لملازمة الألم المزمن له لمدة 6 شهور حتى فى الأحلام! كما اعتذر عن أداء الامتحانات بسبب الجراحة التى كان يخضع لها، لكنه قدم بعد ذلك فى التعليم المفتوح فى كلية التجارة، وهو الآن طالب بالفرقة الأولى، ويعمل فى وزارة المالية"، "مكسلتش أجرى ورا حقى كمصاب ثورة فى تعويض أو وظيفة وبشتغل دلوقتى باحث إدارى فى وزارة المالية، وخطبت كمان من شهر ومش ندمان، بالعكس حاسس أن عندى حاجة أفتخر بيها قدام ولادى لما ييجوا الدنيا".
محمد كان أحد صائدى القنابل فى شارع محمد محمود قبل أن يصيد الأمن عينه،"كنت بلبس جوانتى حرارى واصطاد قنابل الغاز اللى الشرطة بترميها علينا وأرجعها لهم تانى، واتصبت أكتر من مرة بخرطوش فى ذراعى وجنب عينى فى أول أيام محمد محمود، وكنت بطمن أهلى لما أرجع البيت ويقولولى متنزلش تانى"، لو كان مكتوبلى أتصاب فى عينى كنت اتصبت"، وحصل المكتوب ولما رحت المستشفى سألت بابتسامة رضا"عينى اتقبلت منى ولا لسه".
بالصور.. "اليوم السابع" يحاور مصابى "عيون الحرية" فى ذكرى محمد محمود.. رضا: فقدت عينى وحلمى.. مختار: أنا مش أعمى لأنى صاحب بصيرة.. محمد: ليس ابتلاء ولكنه اصطفاء.. هيثم: ربنا عوضنى بحب الناس
الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013 08:10 ص
اليوم السابع" يحاور مصابى "عيون الحرية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
تحيه للشرظه التى تقدم ارواخها حمايه للشعب
من رابعه لمحمد محمود يا قلبى لاتحزن كله بتاع مصلحته محدش بيفكر فى البلد
عدد الردود 0
بواسطة:
من مش عارف كام لرقم واحد..
بتحييهم علي آيه جاتك خيبه ...
عدد الردود 0
بواسطة:
samah
احنا هنشتغل امتى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوى
صدق او لاتصدق
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
كذب مساوي ولا صدق منحكش
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف
الى 1 انته مبتفهمش يا اعمى البصر والبصيره
مين اللى فقع عيون الشباب دول
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوى
معلقين ماعندهومش دم
عدد الردود 0
بواسطة:
السكرى
ألى أخى مصراوى أللى مستنى التعليقات والشتيمة