"أيامنا المنسيـّة" هو عنوان الرواية التى صدرت حديثـًا للكاتب الدكتور ياسر ثابت، عن منشورات ضفاف فى بيروت، وتتناول الرواية التى تقع فى 206 صفحات، تفاصيل خمس سنوات فى حياة شابٍ صغير، والتغيرات التى طرأت على تكوينه الشخصى خلال تلك السنوات الخمس، مع التطورات المتلاحقة التى شهدها المجتمع المصرى خلال تلك الفترة التى شهدت ثورة 25 يناير، وتطورات عدة، وصولاً إلى ثورة 30 يونيو، وما بعدها.
يتسم طابع الرواية بالاهتمام بالتفاصيل الإنسانية، وهى ذات بنية محكمة، ولغة شعرية صافية، مع قدرة على الغوص فى أعماق النفس البشرية لرصد صراعاتها وقلقها وحيرتها، ويمتاز سرد ياسر ثابت بكثير من السخرية الممتزجة بالمرارة، وهو يقدّم ذلك بإمتاع ومؤانسة وتلقائية، تجذب القارئ إلى عالم له ألقه الخاص.
وتتنقل أحداث الرواية بشكل أساسى فى شوارع القاهرة، ويحاول الروائى نقل روح المكان والبشر بكلماتٍ شديدة الصدق والتفرد، وابتكار مرايا إبداعية تعكس أحوال الروح الإنسانية المحتشدة بالأمل والمسَّرة والقلق والضياع والاغتراب والعجز وانتظار الموت.
فى الرواية تفاصيل آسرة مكتوبة بحبر القلب، عن العلاقة مع الأسرة، والحُبِّ الأول، ومشجعى الألتراس، وثورات الميادين، وخسارة الأصدقاء بالموت. لغة الرواية تتسم بطابع شعرى، واهتمام بالتفاصيل الإنسانية التى تعلق طويلاً فى الذاكرة.
ونقرأ فى الرواية: "قرب العوامة التى اصطفتْ فيها المقاعد وفناجين الشاى والقهوة ودخان النارجيلة، نلمح أطياف شباب وشابات على مراكب مزركشة كخلفيات عربات النقل الثقيلة تحمل تطريزات القادمين من مدن الصفيح، موسيقى الطرب الشعبية تصدح، والشُّبان يهمسون ويلمسون، والفتيات الناعمات المتدثرات فى أغطية الرأس المشجرة والبنطلونات الضيقة، يتضاحكن وهن يفقدن عذريتهن على مهل".
فى سياق الرواية، نتعرف على عائلة صغيرة تسكن فى أحد أحياء مصر الجديدة، ومحاولة الابن الوحيد الخروج من شرنقة المكان والزمان، عبر تفاعله مع رفاقه، والفتاة التى يحبها، وصديقة الأم التى تغويه، وصولاً إلى تطور شعوره بالإحباط بسبب حالة الجمود الاجتماعى والسياسى، ومشاركته فى ثورة 25 يناير.
ونلمس عشق الابن للقراءة، والموسيقى، وجمع الطوابع، كما نشعر بعاصفة التمرد التى تتشكل داخله، فى انتظار لحظة الانفجار، ويصطدم الابن بحواجز عدة ليس أقلها علاقته المتوترة بالأب: "علينا أن نكون حذرين جدًا فى التعبير عن أنفسنا أمام آبائنا".
"يُحدثنى أبى بصوته الخشن الملىء بشجر الليل، له أنفاس ثقيلة واثقة، لكن نصائحه قد تكون مغلفة بالإهانات، بدا شديد البياض حد الشحوب. كانت ملامحه تنضح توترًا، خاصة أنفه الذى أخذ من أفريقيا انتفاخ صيوانى الفتحتين. لم تكف يداه عن طرق الطاولة التى أمامه بعنفٍ شديد أطاح فنجان القهوة وكأس الماء. حين أضبط نفسى متلبسـًا بالحنق من كلماته المدببة، ألجم غضبى وأنزع كل نيّة يرتديها رأسى. أضعُ سبَّابتِى على صدغِى، وأفكر فى أن الأمر لا يستحق خوض مواجهة خاسرة بكل تأكيد".
وفى الرواية أيضـًا مساحة من الحنين والشجن، خاصة بعد أن يفقد أحد أصدقائه المقربين بعد أن سقط مضرجـًا فى دمائه خلال إحدى المواجهات مع قوات الأمن، وإذا كان بطل الرواية قد مر مع غيره من المصريين بأحداثٍ فارقة خلال سنوات الرواية الخمس، فإن هذه الأحداث لم تسرق منه عشقه للضحك والنكتة والموسيقى والطرب، كما لو أن المؤلف يقول لنا: ما زال هناك متسع للأمل.
يذكر أن د.ياسر ثابت له عدة مؤلفات، منها "رئيس الفرص الضائعة: مرسى بين مصر والجماعة"، و"قصة الثروة فى مصر"، و"شهقة اليائسين: الانتحار فى العالم العربى"، و"دولة الألتراس: أسفار الثورة والمذبحة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة