ليس هناك خلاف على أن 30 يونيو كانت ثورة عظيمة التحمت فيها إرادة الشعب المصرى مع جيشه للإطاحة بحكم الإخوان المسلمين المرفوض شعبيا، وأحدثت هذه الثورة صدى وردود فعل متباينة خارجيا وتحديدا فى المنطقة العربية، فظهر من أيدها وآخر عارضها وثالث تحفظ ولم يبد موقفا واضحا منها.
ومن بين التيارات العربية الثلاثة فى التعامل مع الثورة بدا أن هناك خلافا بين مصر وثلاث دول عربية شقيقة وهى السودان وتونس وقطر، ونشب هذا الخلاف بسبب رؤية كل منهم للثورة، ومنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى فى الثالث من يوليو كانت هناك محاولات لإعادة الوفاق بين مصر والدول الثلاثة، وفى المقابل كان هناك من يلعب على وتر تأجيج هذا الخلاف لتحقيق مصالح ضيقة، وهو ما دفعنى لتناول الموضوع من منظور شخصى وفقا لرؤية راصدة لعلاقات مصر بالدول الثلاثة، ومحاولا البحث عن إجابة لسؤال مهم، متى سيعود الوئام مرة أخرى بين مصر وأشقائها فى السودان وتونس وقطر؟.. وما هى الآليات التى يمكن الاعتماد عليها فى سبيل إنهاء أى خلاف أو أزمة تكون قد نشبت بعد الثورة بين مصر وأشقائها العرب.
من بين الدول الثلاثة اخترت أن أبدأ بقطر، صاحبة الملف الشائك مع مصر، فلا يكاد يخلو حديث أو جلسة من ذكر قطر، لذلك سأركز حديثى عن لماذا ظهر الخلاف، وكيف نصل للوئام؟
فى البداية لابد أن نعترف بأنه ليس هناك رابح من الخلاف المصرى القطرى، وإنما يوجد خاسر وهو البلدين أنفسهما، لذلك فإن الدولتين مطالبتان بوضع مصلحة الشعوب فوق كل اعتبار والعمل على إنهاء جذور الخلاف والأزمة التى نشبت فى أعقاب ثورة 30 يونيو وعزل نظام الإخوان المسلمين.
وليس خافيا على أحد أن الأزمة تعود لسببين الأول متعلق بقناة الجزيرة الفضائية وتحيزها الواضح للإخوان وإنها تحولت إلى منبر للجماعة، والثانى هو شكوى البعض من تدفق مساعدات مالية قطرية للتنظيم الإخوان لمساعدتهم فى فعالياتهم المناهضة للثورة، وبنظرة واقعية يمكن تجاوز سببى الخلاف والنظر فى مستقبل العلاقات بين البلدين اعتمادا على النوايا الصادقة وغلق الأبواب أمام أى محاولات للعبث بهذه العلاقات.
ما يعنينا هنا هو التعامل مع قناة الجزيرة التى تعتبر لُب الخلاف أو الأزمة، فالأحاديث الرسمية المصرية تركز على ما تقوم به هذه القناة لتغليب وجهة نظر على الأخرى، وإذا ما بحثنا عن وضعية القناة فى الدول العربية ومنها بالطبع الدول الخليجية، سنجد أن مصر ليست الوحيدة التى تشكو من سياستها، فحتى الدول الخليجية دائمة الشكوى منها بل إن هناك دولا طردت القناة من على أراضيها لبضع سنوات، وحينما عادت القناة سارت على نفس نهجها ومنوالها، وليس أدل على ذلك مما يحدث فى البحرين من مساندة القناة للمعارضة الشيعية على حساب النظام الملكى، وهو ما أغضب البحرينيين كثيرا من القناة.
أذن ما هو الحل فى القناة، الحل بطريقة من اثنين، إما أن يكون لدى مصر قناة أو أداة إعلامية قوية وقادرة على منافسة القناة التى فقدت بالفعل خلال الفترة الماضية جزءا كبيرا من شعبيتها وجماهيريتها، وهناك مثال على ذلك حينما لجأت السعودية والإمارات لتأسيس قناة "العربية" لمواجهة الجزيرة، فبدلا من الارتكان لشماعة الجزيرة علينا أن نسأل أنفسنا لماذا فقدنا بريقنا وتواجدنا الإعلامى، وبعد ذلك نخطط لإنشاء قناة إخبارية تكون أداة لمخاطبة العالم، وصوتنا للخارج، ونحن لدينا الإمكانيات التى تؤهلنا لذلك.
الطريقة الثانية يمكن استنبطاها من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية مع القناة أثناء ضرب العراق عام 2003، فرغم أن دولة قطر لم تبد معارضة للتحالف الذى كونته واشنطن آنذاك، إلا أن الجزيرة تصدرت المشهد فى قيادة الرأى العام العربى الرافض لهذه الضربة، وأثر ذلك على شعبية أمريكا فى المنطقة، لكن لم تستسلم الولايات المتحدة، وتوصلت لاتفاق مع القناة تسمح بموجبه الجزيرة بوجود مسئول أمريكى للرد على كل ما يثار بشأن الموقف من ضرب العراق، وشيئا فشيئا تحول التواجد الأمريكى على القناة إلى أداة إيجابية لصالح واشنطن، خاصة حينما أحسنت الإدارة الأمريكية اختيار متحدثيها ممن كانت لديهم القدرة على مواجهة أصعب الأسئلة التى توجه إليهم، بل كانوا قادرين على مواجهة ضيف ومذيع الجزيرة فى آن واحد.
هذه التجربة يمكن الاعتماد عليها فى التوصل لاتفاق مع القناة بأن تضمن حق الدولة المصرية ومؤيدى الثورة من سياسيين وخبراء ونشطاء فى الرد على كل ما يثيره قيادات الإخوان وأنصارهم فى الداخل والخارج، وأن يكون الرد فى ذات البرنامج، بحيث لا تكون هناك وجهة نظر واحدة وإنما وجهتى النظر.
إذا ما استطعنا التوصل إلى مثل هذا الاتفاق نكون حيدنا قناة الجزيرة حتى لا تكون عائقا فى العلاقات بين القاهرة والدوحة، خاصة مع علم الكثيرين أن غالبية الشعب القطرى لا يؤيد سياسات القناة، وأنهم يتمنون لو تعود الدوحة لأحضان مصر مرة أخرى.
إن علاقاتنا بقطر أكبر من الجزيرة، لذلك علينا أن ننحى القناة جانبا ونبدأ فعليا فى خطوات إعادة التواصل، بإعلان الدوحة حسن نواياها تجاه الثورة المصرية وفى المقابل نبدأ من جانبا فى مصر صفحة جديدة أساسها التعاون والتنسيق المستمر، وأن نتخطى عقبة الخلافات وتكون القواسم المشتركة هى الأساس، ونعتمد على حب الشعبين لبعضهما البعض، ولا ننسى هنا أن الجالية المصرية بقطر التى تتجاوز المائة ألف، لم نسمع منهم شكوى تتعلق باضطهاد أو معاملة سيئة بناء على الموقف السياسى، كما أن هناك قطريين متواجدون فى مصر دون أية مضايقة سواء رسمية أو شعبية، لأننا فى النهاية نتحدث عن عرب وليس أعداء، وهو ما يؤكد وجود نية حقيقية لتجاوز الخلافات والنظر للمستقبل الذى نحتاجه جميعا.
يوسف أيوب يكتب: كيف نطوى الخلافات ونفتح صفحة جديدة مع أشقائنا العرب.. إذا كانت الجزيرة هى أزمتنا مع قطر فلماذا لا نحيدها باتفاق على الطريقة الأمريكية؟
الإثنين، 18 نوفمبر 2013 05:53 م