بعد انتهاء الحفل العائلى "لشبكة" ابن نادى وكيم، أسرع أفراد عائلته الكبيرة إلى الحافلة، التى ستعيدهم إلى منازلهم فى محافظة الفيوم، الصخب، والغناء، والحديث عن العروسين والحفل، كانت المواضيع المشتركة بين أفراد العائلة فى الحافلة، فى حين كان يخفى كل منهم فى قلبه دعاء لمباركة العروسين الشابين.
فجأة يتحول الفرح إلى صراخ، بعد رؤيتهم للقطار يأتى مسرعًا من بعيد، بينما حافلتهم عالقة فى وعورة طريق المزلقان، بمنطقة دهشور، لحظات من الرعب، تتطاير بعدها المقاعد والأجساد، بينما تلوث ثياب السهرة الأنيق بالدماء، فالقطار حصد أرواح 27 فردًا من عائلة واحدة، رغم محاولته التوقف، وخروج عجلاته عن القطار بشكل جزئى، وفقًا لشهود العيان من ضحايا الحادثة، فى ظل إهمال واضح لتأمين منطقة المزلقان، من ناحية الإنذارات الضوئية، ومن ناحية وجود عامل للمزلقان، لغلقه يدويًا، أثناء عبور القطار.
"اليوم السابع" التقت بمصابى وأهالى ضحايا الحادث بمستشفى الهرم، الذين اجمعوا على بطئ عملية الإسعاف، وحضور عربات الإسعاف بعد نحو ساعة من الحادثة، كذلك عدم الاستعداد الكامل لمستشفى الهرم، لاستقبال الحالات الخطرة، من حيث عدد الأطباء، والتمريض، وسرعة إجراء الإشاعات والفحوصات المطلوبة، فضلا سوء نظافة المستشفى، وعدم الاهتمام بالمرضى، إلا قبل ساعات من موعد حضور وزيرة الصحة ومحافظ الجيزة.
وقد كان "اليوم السابع" شاهد على عطل أصاب جهاز الإشعة الخاص بمستشفى الهرم، بسبب ضغط الحالات، وعدم استعداد المستشفى الكامل لاستقبال ضحايا الحادث، فيما أجمع أهالى الضحايا عن رفضهم للتعويض، قبل محاكمة المسئولين عن الحادث، ويتم إصلاح المزلقان، حتى يتوقف نزيف الشهداء فى تلك المنطقة.
إسحاق: شفت 9 من أهلى بيموتو
فى غرفة مزدوجة، خافتة الإضاءة، يرقد إسحاق فوزى، وحيدًا، مصابًا بكسر فى الحوض، بعد أن فقد 9 من أفراد عائلته فى الحادث، هم أبناؤه وحفيده وإخوته، بينما ترقد زوجته فى الغرفة المجاورة، تعانى من كسور فى العظام، قد تشفى، فيما يمتلئ قلبها بوجع، لا يسهل شفاؤه.
"أنا متلى 9 من أهلى، شفتهم بيموتوا واحد، واحد" هكذا بدا فوزى حديثه، وقد بدت ملامحه جامدة تمامًا، ضمن حالة الصدمة التى دخل فيها العديد من المصابين وأهالى الضحايا، الذين منعتهم فاجعة فقدان العشرات من عائلاتهم من البكاء.
ويروى إسحاق ما حدث: عقب انتهاء "شبكة" أقاربه، بدأت رحلة المدعين للعودة إلى محافظة الفيوم، وفى خلال عبور الحافلة التى كانت تقلهم، فى طريق مظلم تمامًا، شاهدوا جميعًا اقتراب القطار فى سرعة، وحاملا فى طريقه مقطورة مهشمة، وقتها عم الصراخ بالحافلة، وبدأت الأصوات تتعالى لتنبيه سائق الحافلة "بسرعة يا أسطى"، ورغم محاولات سائق الأتوبيس عبور المزلقان، إلا أن طبيعة الطريق المنحدر، وغير الممهدة، جعلت نجاة الحافلة من القطار المسرع، أمر شبه مستحيل.
ثوانٍ معدودة، فصلت بين رؤية إسحاق للقطار المسرع، واصطدام القطار بالحافلة، وجرها فى طريقة لمسافة 2 كيلو متر، يقول إسحاق "شوفت الأتوبيس وهو بيتفتت كورسى كورسى، وشفت ولادى وأحفادى وإخواتى بيموتوا، وقبل الكرسى اللى قاعد فيه م يطير، وقف القطر".
كلمات إسحاق يمكن اعتبارها كشهادة لما حدث، خاصة وإن إصابته الطفيفة، ومكان مقعده فى مقدمة الحافلة، وفر له متابعة الأحداث المروعة حتى نهايتها.
يختم إسحاق شهادته، مؤكدًا، أنه قطع طريق مزلقان دهشور لسنوات، لم يجد خلالها أيًا من عمال المزلقان، كما ظل غياب الإضاءة، وإشارات الإنذار، أمر دائم بمنطقة دهشور.
نوال حنا. . فقدت أشقاءها الأربعة
فى إحدى الغرف بالدور الرابع، ستستمع إلى أنين يختلط ببكاء مكتوم، دموع تسيل من عيونها، لا تستطيع أن تعرف هل هى من ألم الجروح فى جسدها؟ أم خوف على أقاربها التى تسمع بين الحين والآخر خطورة أوضاعهم؟ فهى لا تعلم أن أشقاءها الأربعة قد دهستهم عجلات القطار على مقربة منها.
نوال حنا 46 عامًا، أنقذها جلوسها فى الجانب الآخر من الأتوبيس من الموت، منذ وصولها إلى المستشفى، وهى فى ألم مستمر، خصوصًا مع تأخر الإجراءات الطبية، فوفقًا لعائلتها، لم يتم التعرف بشكل دقيق على كافة إصاباتها، فإجراء الأشعة لم يتم سوى قبل زيارة وزيرة الصحة للمستشفى، وكل ما يعرفوه عن إصابات نوال أنها " كدمات "، لكن صوت أنينها المرتفع، والذى لم يكن يجعلها تستطيع أن تروى لحظات الموت التى شاهدتها، كان يخبرهم بأنهم ينتظروا سماع ما هو أسوأ من ذلك خصوصًا مع وجود جرح غائر فى ذراعها لم يتحدث عنه الأطباء، سيمون عطا، أحد أقارب نوال، يقول "أرواح الناس بقت رخيصة، المسئولون طالعين يتكلموا عن تعويض، وإحنا بنتكلم عن مين يتحمل مسئولية ما حدث، هل أصبح إهمال المسئولين وموت الناس يقابله التعويض اللى عمره ما يرجع اللى مات أم ننتظر الحساب والقصاص ".
مينا رفعت، نائم فى الأتوبيس لكى يستطيع أن يحضر المدرسة فى الصباح، فاستيقظ على صراخ والدته وقطار يعتصر باقى أقاربه، وشرخ فى الحوض يمنعه من الحركة كانت غرفته هادئة، فما زال تحت تأثير الجراحة، خرجت نتائج الأشعة بإصابته بشرخ فى الحوض، وجرح قطعى فى الرأس احتاج 5 غرز، وكسر فى مفصل القدم، وجرح غائر فى بطنه، ووجه يزداد تورمه مع مرور الدقائق، يمكث إلى جانبه والده الذى لم يحضر الفرح، فجاء مسرعًا على تليفون والدته، تقول له "ابق مع مينا فوالدتى ووالدى فى حالة خطيرة بمستشفى أم المصريين ".
مينا فوزى، 13 عامًا، فى الصف الأول الإعدادى، عاد من مدرسته مسرعًا يوم الحادث، لكى يرتدى ثياب الفرح، وبعد رحلة طويلة من السفر، غفل مينا أثناء العودة لعل ساعات السفر تستطيع أن تمكنه من الذهاب إلى المدرسة فى اليوم التالى، إلا أنه استيقظ على صراخ والدته وأخيه الصغير قبل أن يرى عجلات القطار وهى تجر الأتوبيس إلى الأمام. يقول والده "لم تستطع والدته أن تترك والدتها وأبيها وحدهما، خصوصًا مع حالتهم الخطيرة التى لم تستطع المستشفى أن تسعفهم فأرسلتهم إلى أم المصريين، أما مينا فهو من الصباح لا يدرى شيئًا، ولا يتذكر سوى أن القطار ظل يسير بهم مسافة كبيرة والدم يحيط به" .
ماجدة موريس حالة أخرى، فقدت ابنتها وحفيدتها وحملتها العربة لتوصليها إلى سيارات الإسعاف، تقول: استأجرنا أتوبيس واحد "عشان منتفرقش" فحصد الموت عيلتنا كلها.
لم تكن تعتقد أن اقتراح اجتماعهم فى سيارة واحدة سيكون سبب فى أن يحصد أرواح العيلة بكاملها، إصابة ضربت ظهرها وساقيها منعتها من أن تحتضنهما للمرة الأخيرة. ماجدة موريس 45 عامًا، شاهدت الحادث بكاملها بسبب جلوسها وسط العائلة، الجميع يتحدث عن الفرح، ضحكات الأطفال لا تنقطع، تريلة قادمة من الاتجاه العكسى، وظهور قطار فجأة يطيح بالأتوبيس، تقول: "اترمينا على الرمال، العرب هرعوا لإنقاذنا، حملونى على ظهورهم كل واحد فترة زمنية لتوصيلنا إلى سيارة الإسعاف، كنت عمالة أنادى على الناس يجرجرونى، أشوف بنتى وحفيدتى فى أولى ثانوى محدش كان بيرد عليا ومقدرتش أعملهم أى حاجة ".
تضيف "سافرت كتير على نفس الطريق لكن بالنهار، كان دايمًا فيه عامل وإشارة توضح شكل المزلقان، لكن هذه المرة كان الظلام حالك ولا حتى إشارة ضوئية ولا كمين، ولم نشعر سوى بالقطار يجر الأتوبيس اللى كان ماشى ببطء، وحينما وصل للمزلقان كانت الأرض متدرجة، فكان الأتوبيس بيمشى ببطء ومقدرش يهرب من القطار".
ميرنا يعقوب. . فقدت والدها ووالدتها
لم يرَ والداها شهادتها الجامعية فقد وافتهم المنية على الفور، وأصبحت منذ الآن وحيدة مسئولة عن نفسها، هكذا صرخ عدد من أفراد عائلتها، موضحين أن كل ما تعلمه عنهم عقب إفاقتها أنهم فى غرفة العناية المركزة وليس القبر.
ميرنا يعقوب، 18 عامًا، فى الصف الأول الجامعى بكلية التربية النوعية بالفيوم، مصابة بشرخ فى الحوض وكسر فى الترقوة، لم يستطع أقاربها الوصول إليها إلا بعد أن أخبروا امن المستشفى بأنها تريد أن تدخل إلى "دورة المياه"، فالإدارة قد شددت على غلق الأبواب أمام الأهالى حتى تسكين المرضى فى الغرف.
تقول أحد أقاربها "دخلت لقيتهم فى سراير فى غرف مكدسة، لم تكن المستشفى مستعدة لاستقبالهم رغم أنهم وصلوا إليها بعد ساعات من الحادث، ولم تقم بعمل الأشعة لاستبيان إصابتها إلا قبل وصول الوزيرة بساعة".
تصرخ إحدى قريباتها التى وصلت متأخرًا "احنا بنروح على الطريق ونيجى كل أسبوع وياما طالبنا بإصلاح المزلقان اللى على طول عامل مشاكل فى المرور ولا حياة لمن تنادى، دلوقتى ميرنا بقت لوحدها، مين هيصرف عليها، هيفيدها بإيه التعويض اللى بتقول عليه الحكومة، احنا مش عارفين هنواجهها ازاى بأنها بقت وحيدة فى الدنيا".
أحد أقاربها تدخل قائلا: المسئولون لازم يعرفوا أن مزلقان دهشور فى غاية السوء، حتى لو كان هناك سلسلة ففى الظلام الدامس لن يستطيع أى سائق أن يشاهده ".
مارنا تصرخ من الألم فى الدور الثالث.. وتطلب رؤية شقيقها بالعناية المركزة
فى الغرفة 323، تصرخ مارنا حنا من الألم، بعد أن فشلت المسكنات فى تسكين الإصابة بكسور فى العظام، فى أجزاء متفرقة من جسدها، أقارب مارنا التفوا حولها لمواستها، بينما رفضت الطالبة الجامعية التى لم تكمل عامها الثامن عشر، الحديث مع وسائل الإعلام، وتصرخ باكية "حرام عليكو..سبونى بقى".
مارنا فقدت والديها فى الحادثة، بينما يرقد شقيقها بيتر فى قسم العناية المركزة فى حالة خطرة، ويخفى أقاربها عليها أمر وفاة والديها، خوفًا من تدهور حالتها، ويدعون أن والديها مصابان، ويخضعان للعلاج فى الغرفة المجاورة.
تقول ماجدة، إحدى خالات مارنا، إن الأطباء شخصوا حالة الفتاة الشابة على أنها كسر فى الحوض، بينما تم تشخيص حالة شقيقها بيتر، على أنه نزيف داخلى، أدخله فى غيبوبة، وتؤكد ماجدة أن الأطباء أخبروهم أن حالة مارنا ليست مستقرة، وتحتاج إلى إجراء المزيد من الفحوصات، قبل كتابة تقرير شامل عن حالتها.
أثناء حديث ماجدة، تعلو الصرخات المتوجعة لمارنا، قائلة "ضهرى بيوجعنى، مش قادرة"، فيذهب أحد أقارب الفتاة إلى الممرضة المسئولة، طالبة منها مسكن سريع لآلام مارنا.
والد العريس: أهلى ماتوا..والفرح اتقلب ميتم
ساعتان فقط، فصلت بين "شبكة" ابن نادى وكيم، وعلمه بالحادثة المروعة التى حدثت لعشرات من أفراد عائلته، يقول وكيم إنه هاتف أحد أقاربه الساعة الواحدة، ليطمئن على رحلة العودة لعائلته، إلى محافظة الفيوم، ففوجئ بابن أخيه يرد صارخًا "احنا بنموت يا عمى، بنموت كلنا".
يضيف وكيم: قبل الحادثة، كانت الحفل يسيطر عليه الفرح، والجو العائلى، الذى نحرم منه إلا فى المناسبات العائلية، وقد حرص جميع أفراد عائلتى على الحضور، تاركين سيارتهم، مستعينين بحافلة، خوفا من وعورة الطريق، والحالة الأمنية غير المستقرة فى البلاد.
يكمل وكيم، أن خبر الحادثة أورثه حزنا، بدل من السعادة، بينما تحولت ترتيبان الفرح القريب، إلى ترتيبات الجنازة الجماعية لأفراد عائلته، وكيم مازال لا يعلم تحديدًا أعداد المتوفين والمصابين من أفراد عائلته.
وأكد وكيم، أن العائلة تنوى مقاضاة المسئولين، سيطلب بمحاسبة كل المسئولين عن الحادث، خاصة وزير النقل، ورئيس هيئة السكة الحديد، فيما علق وكيم على التعويضات التى سيتم تقديمها للأسر المصابين والشهداء، قائلا: "الدم ملوش تمن".
"اليوم السابع" يلتقى مصابى قطار دهشور فى مستشفى الهرم..إسحاق يفقد 9 من أفراد عائلته..ونوال فقدت أشقاءها الأربعة..الفحوصات بدأت قبل زيارة الوزيرة.. والضحايا ردا على تعويض الحكومة: "الدم ملوش تمن"
الإثنين، 18 نوفمبر 2013 09:37 م
مصابو حادث قطار دهشور فى مستشفى الهرم
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
ليه كده !