شهدت ندوة "الشكل والزمن.. بحث فى الهوية المصرية" أمس بالهناجر حضورا كثيفا للتشكيليين والنقاد، أدار الندوة الناقد محمد الروبى بحضور فنانى جماعة "ممر" حسن كامل وأحمد قرعلى وهشام عبد الله وقدم الناقد عز الدين نجيب رؤية متكاملة عن المعرض والجماعة وأعمال الفنانين.
فى البداية أكد الناقد محمد الروبى على أن نضال عز الدين نجيب فى قضية الأصالة والمعاصرة فى الفن والحفاظ على الهوية العربية والمصرية دون الوقوع فى أسر المتحفية له علاقة وطيدة بما تطرحه جماعة ممر.
ووصف الروبى الفنانين بالفرسان الثلاثة والمغامرين لأنهم تحدوا السائد فى الحياة التشكيلية وقرروا العودة للعمل الجماعى والانتباه إلى تراثنا باعتباره جذر أساسى للنهوض بدولة عمرها 7 ألاف عام فى مواجهة عولمة زائفة تدعى أن الجميع سواسية وأن العالم كون واحد فلا داعى للتمايز مطالبين حضارة عمرها سبعة ألاف سنة أن تبدأ من حيث بدءوا هم من مائتى عام لتصبح لهم القيادة والهيمنة.
وأضاف الروبى أن هذا هو ما انتبه إليه فنانى ممر فواجهوا حالة التجريف التى تتم لهذه الحضارة المتراكمة المتنوعة التى لا يمكن اختزالها فهى كشجرة السنديان متعددة أللحاءات، فممر تمر من التاريخ ولا تتجاهل الحاضر وتمزج بين النحت والعمارة ويقدم كل فنان فيها رؤيته لشكل المدينة المصرية بفلاحتيها وفرعونيتها وإسلاميتها ومسيحيتها وصوفيتها وأفكارها الممتدة إلى السماء.
ثم قدم الفنانين الثلاثة أنفسهم لجمهور الندوة فقال الفنان أحمد قرعلى أنه خريج فنون جميلة قسم النحت عام 1994 وسافر إلى ايطاليا للدراسة عام 2006 وهناك أدرك أن التاريخ والعمارة هما الأساس فى تطوير الفنون وعندما عاد التقى بحسن كامل الذى قدم نفسه بأنه خريج تربية فنية وأستاذ مساعد فى قسم النحت وعلاقته بالمصرى القديم بدأت أثناء دراسته فى الكلية حيث اكتشف الكنز الذى تمتلكه مصر فى النحت فاعد رسالته للدكتوراه عام 2004 عن الاستفادة من نماذج النحت القديم فى النحت العالمى وفهم أن المصرى القديم مدرسة يتمنى كل النحاتين فى العالم رؤيتها لتفصح لهم عن قيمها ومثلها ليحملوا أعمالهم ولو جزء بسيط منها فتاريخ مصر الممتد يحمل كل الأساليب التى من الممكن أن يصبغها الفنان طوال حياته وان الأصول موجودة كلها فى المصرى القديم وعلى اعلى مستوى يتحدى المغالطات التى لا تنسب الإضافة والبصمة لأصحابها وهذا هو ما جعل أفكاره تتلاقى مع صديقيه فى ممر التى يتمنى أن تكون بداية لنقطة انطلاق فى تغيير الواقع المصرى.
وقدم هشام عبد الله نفسه بأنه فنان تشكيلى وأستاذ جامعى وفلاح من بنها وأن قضيته الأساسية هى إيجاد حضارة ريفية لأنها دائما فى حالة عطاء ولا أحد يعطيها كما أنها على وشك أن تندثر وتختفى مفرداتها القديمة لدرجة أن عمارة الريف لم يعد لها شكل، وأضاف أنه يبحث عن هذه المفردات ليعيد صياغتها لإيجاد شكل للبيت الريفى وأنه خلال هذا البحث وجد أن أهم ما يميز عمارة الريف هو برج الحمام والفرن والصومعة والطلمبة والساقية وأنه تعاطف مع شكل هذه المفردات وبتجميعها معا أوجد صيغة لشكل البيت الريفى وأنه فكر فى أن يجعل هذا البيت محلقا فى الفضاء وليس ملاصقا للأرض وان هذه الفكرة جاءته من شكل النخلة وتأكدت الفكرة عنده فى الواحات فأصبحت قضيته أن يعمل وصلا حضاريا للريف بتاريخه ومفرداته للحفاظ عليه وعليها.
ومن جانبه قال الفنان والناقد عز الدين نجيب، إنه فى الوقت الذى تأخذنا فيه ظروف البلد إلى جزر منعزلة تأتى جماعة ممر لتعيد العصر الذهبى للجماعات الفنية فى مصر والذى كانت ذروته فى الأربعينات من القرن الماضى من خلال جماعات الفن للحرية والفن المعاصر والفن الحديث والفن للحياة وغيرها وأن هذه الجماعات كانت تتماشى مع الحراك الثورى وقتها وهو يجعل ممر التى أتت فى سياق ثورة يناير الذى سيخلق جمعيات عديدة أخرى، وأكد أن "ممر" ليست مجرد معرض يمثل حالات فردية لكل فنان وإنما هى حالة واحدة جاءت فى ثلاث نغمات صنعت هذا الميلودى من التراث والحداثة، واختيارهم للعمارة كان موفقا فهى الحامل للكثير من القيم الثقافية والفنية عبر الزمن وهى الحصالة التى تتجمع فيها كل روافد الثقافة المختلفة وتتجمع فيها كل المعتقدات فهم اختاروا العنصر المناسب ليكون هو الرابط لتجربتهم.
وأضاف نجيب أن العمارة نوع من النحت واشتراك الفنانين الثلاثة فى هذا المبحث الجمالى قد يثمر رؤى جدية فالنحت هو أكثر الفنون تواصلا مع الجمهور والمتلقى لأن العمارة نحت فى الهواء الطلق وهى مدرسة للتربية الذوقية فى العالم كله.
وتناول عز الدين نجيب عمل كل فنان على حدة فقال عن أحمد قرعلى، إنه يستخدم الموروث الشعبى الحضارى ويتجلى ذلك فى شكل القبة المشطورة فالقبة هى السر تاريخيا وعقائديا والفنان قام بكسر صورتنا الذهنية عن القبة وفتحها أمامنا وجعل من مجموعة القباب المشطورة سر كبير وجاءت القبة أيضا كحضن كبير لمن بداخله، كذلك استخدم فكرة الممر من داخل القبو الممتد الذى من الممكن أن يكون معبرا بين الماضى والمستقبل وقدم رؤية بصرية مبطنة بحس صوفى وجمالى.
وعن أعمال حسن كامل قال عز الدين نجيب أن لديه تفكير فى النهضة والصعود وأشكاله سامقة وتشبه المسلات وتستلهم من الحضارة شكل المسلة والمعبد ومن نمط العولمة ناطحة السحاب دون أن تقع فى فخ العولمة فقد كسر الشكل بتدريجات السلم فأعطى الإيحاء بأنه ترقى روحانى إلى السماء وهذا التطلع حمل معنى المستقبل وتجاوز الأرض إلى العالم الخارجى.
وعن هشام عبد الله قال نجيب إن لديه نفس معنى الصعود الروحانى لكن بلغة تبدو سريالية وتضرب بقانون الجاذبية عرض الحائط فالبيوت لا مكان لها على الأرض فهى محلقة فى السماء وتقوم على أعمدة متراصة.
وأضاف نجيب أن مجموعة ممر بفنانيها الثلاثة تمثل حركة جديدة وإضافة إلى النحت المصرى والحركة التشكيلية المعاصرة وتتواصل مع مصر بعد ثورتين وتضع الأقدام على طريق جديد إلى المستقبل.
وقال الفنان رضا عبد الرحمن أن تجربة ممر أخذتنا لحلم لمس كل واحد فينا من خلال روافد مختلفة واتفق معه الناقد محمد كمال الذى قال أن ممر ترد الاعتبار لهذا الجيل وتنتزع له طوق النجاة من اؤلئك الذين حاولوا إيهامه وتغريبه فى التسعينات فهم يستعيدون تراثهم كاملا ويوجهون طلقة إدانة لمن سخر من هذا الجيل الذى استطاع رغم كل التجريف الثقافى الذى حدث أن يرى أن مصر مصرية تخضع لخاصية التراكم الحضارى.