عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 قامت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، بإصدار قانون المقاتل الوطنى "Patriot Act" لمكافحة الإرهاب والذى أدى فى نهاية الأمر إلى انتهاك الإدارات الأمريكية المتعاقبة لحقوق وخصوصيات المواطنين الأمريكيين بدعوى حماية البلاد من إرهاب متوقع، وكذلك العرب والمسلمين ممن يعيشون فى الولايات المتحدة.
واستلهمت وزارة الداخلية المصرية أثناء تقديمها مشروع قانون مكافحة الإرهاب مؤخراَ بالعديد من القواعد الموجودة فى قانون مكافحة الإرهاب الأمريكى من حيث فرض الرقابة اللازمة على مواقع شبكة المعلومات الدولية، وشبكات التواصل الاجتماعى وغيرها لعدم استعمالها فى الأغراض الإرهابية، وضبط من يستخدمها لتحقيق أهداف إجرامية، ومنح الحق للنيابة العامة فى وقف أو حجب أى موقع إلكترونى إذا ما استخدمه متهم فى الدعوة لعمل تعده نصوص المشروع جريمة إرهابية، وحق رؤساء النيابات فى الأمر بالإطلاع على حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم فى البنوك، وكذلك المعاملات الملتحقة بها أو بالحصول على أى معلومات عنها، إذا ما اقتضى ذلك كشف الحقيقة خلال عمليات التحقيق فى الجرائم الإرهابية.
كما أن نصوص مشروع القانون الجديد تنطوى على إخلال فادح بمعايير المساواة أمام القانون وبضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.
وعجز مشروع القانون عن وضع تعريف منضبط ومحدد للنشاط أو للعمل الإرهابى، وقام بتوسيع نطاق التجريم على أفعال لا تشكل بالضرورة جريمة إرهابية.
مشروع القانون بشكله الحالى يتنافى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وأهمها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، ومع التزامات مصر الدولية لحقوق الإنسان.. فقد التزمت مصر على سبيل المثال أثناء المراجعة الدورية الشاملة لها فى عام 2010 (وهى آلية دولية لمراجعة حالة حقوق الإنسان فى كل دول العالم) بأن يراعى قانون مكافحة الإرهاب– المزمع إقراره- بالتوصيات المقدمة من المقرر الخاص المعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية فى سياق مكافحة الإرهاب، وألا تفرض نصوصه قيودًا على التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية تتعارض مع معايير حقوق الإنسان الدولية.
وقد عبر مؤخراَ عدد من منظمات المجتمع المدنى الحقوقية عن رفضها لمشروع قانون مكافحة الإرهاب مؤكدة أن هذا القانون يعتبر من القوانين الاستثنائية التى تعصف بحقوق الإنسان ومرتكزات دولة القانون؛ وتساهم فى اتساع نطاق ظواهر العنف والإرهاب المسلح، مضيفة أن إدمان اللجوء إلى المعالجات الأمنية القمعية طوال العقود الماضية، والتراخى عن تبنى حزمة من السياسات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية التى تعالج أسباب تصاعد النشاط الإرهابى؛ قد أفضى عمليًا إلى عجز النظم المتعاقبة عن وضع نهاية حقيقية لتلك الأنشطة.
أعلم جيدا كم التهديدات التى يتعرض لها الأمن القومى المصرى داخليا وخارجيا، ولكن لا يمكن أبدا التضحية بحريات وخصوصيات المواطنين من أجل إقرار الأمن بإصدار مثل هذه القوانين سيئة السمعة التى ترجعنا إلى الوراء عشرات السنين إلى عصر الدولة البوليسية التى كان يتحكم فيها الأمن فى كل مناحى الحياة فى مصر.. فلابد من وجود مواءمة بين الحفاظ على أمن مصر وبين عدم التعرض لحياة المواطنين وخصوصياتهم وتقييد حرياتهم.
أتصور أنه لا جدوى من إصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب فى ظل وجود مواد تتعلق بمكافحة الإرهاب فى قانون العقوبات، والمطلوب أولا فى هذه المرحلة الانتقالية هو تفعيل مواد الإرهاب فى القوانين القائمة، وليس إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب.
ومن الأفضل أن يتم إقرار مثل هذه القوانين شديدة الأهمية والحساسية بواسطة برلمان منتخب يعبر عن جميع طوائف الشعب.
لقد بدأ المصريون عهدا جديدا وقاموا بثورتين وأسقطوا نظامين فاشيين– سواء سياسى أو دينى– قيدا الحقوق وأكبتا الحريات، وها هو الدستور الجديد– الذى أوشك على الانتهاء– يضع أساس لدولة ديمقراطية عصرية قائمة على المساواة والديمقراطية واحترام دولة القانون وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته، ولا نريد أبدا إقرار قانون يخالف ما اتفق عليه المصريون أو ما نص عليه الدستور الجديد، وكأن هذا الشعب لم يفعل شيئا طوال الثلاث سنوات الماضية أو ثار من أجل كرامته وحقوقه وحرياته.
ومنذ مائتى عام قال أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين: "هؤلاء الذين يضحون بالحرية مقابل الأمن.. لا يستحقون أيا منهما".
