إن دواعى كتابتى لهذا المقال ما طالعته لكتابات عدد من الكتاب المحترمين يطالبون بالقصاص العاجل والعدالة الانتقالية فى الوقت ذاته بل أحيانا يطلب ذلك فى المقالة ذاتها؛ مع كونهما ضدان لا يجتمعان، فالعدالة الانتقالية: هى اتخاذ مجموعة من الإجراءات تؤدى إلى تحقيق العدالة على التراخى وإن كانت هذه الإجراءات تبدو ظالمة فى حينها، ومثال ذلك ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم فى فتح مكة من العفو عن المشركين (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وكذا فى توزيع الغنائم بعد فتح ثقيف فقد آثر بها أهل مكة وهم حديثو العهد بالإسلام دون أهل المدينة هم من ناصروه وأيدوه وشهدوا معه كل المواقع، فالإجراء الذى اتخذه النبى "ص" يبدو فى ظاهرة غير عادلة ولكنه أدى إلى ارتباط أهل مكة بالإسلام والمدافعة عنه ثم كان بعد ذلك توزيع الغنائم دون تفرقة، وفى العصر الحديث فإن تجربة نيلسون منديلا تؤكد ذلك، فنظرا لوجود أقلية بيضاء فى جنوب أفريقيا تم إقرار بأن صوت الأبيض (الذى كان مستعبداً للسود) فى الانتخابات يعادل أضعاف صوت الأسود حتى يتمكنوا من التمثيل فى المجالس النيابية، وذلك لفترة محددة، ففى ظاهر هذا الإجراءات تفرقة عنصرية ولكنه أدى إلى بناء دولة هى الأفضل فى أفريقيا حالياً.
أما العدالة الناجزة (القصاص العاجل) فمفهومها لا يحتاج إلى بيان، ولكن ما نحتاجه جميعا هو هل الوضع فى مصر يحتاج إلى العدالة الناجزة أم العدالة الانتقالية؟
إن الأوضاع فى مصر كانت عقب 25 يناير مؤهلة للعدالة الناجزة فقد كان الشعب موحد على هدف متمثل فى شعار هذه الثورة، ولكن بفعل الانقسامات التى تلت الإعلان الدستورى الأول أصبح ذلك عسيراً ويوشك أن يؤدى إلى تفككك الدولة والاقتتال الأهلى.
ولذلك فنحن فى أمس الحاجة إلى مشروع للعدالة الانتقالية بما يضمن بقاء الدولة وإنهاء حالة التناحر الشعبى والمؤسسى، فمن الخطأ حصر أزمة مصر فى النزاع بين جماعة الإخوان المسلمين وأغلب طوائف الشعب المصرى، وكذا نزاع بين مؤسسات الدولة التى يتشبث رجالها فى الحفاظ على وضعهم الذى لم يتغير حتى فى فترة حكم الإخوان وبين الشباب الذى يحلم بالعدالة والمساواة التى لم تتحقق بعد، وأخيرا النزاع الأزلى بين رجال الأعمال المسيطرين على رأس المال وبين العمال والطبقات المهمشة والذى ستظهر بوادره فى القريب العاجل بعد زوال المسكنات المتمثلة فى الدعم الخليجى.
لابد من وجود من لديه الشجاعة على اتخاذ إجراءات العدالة الانتقالية وإن كانت ستبدو ظالمة فى وقتها ولكنها الحل الوحيد لبقاء الدولة ونجاح الثورة.
الشاذلى على محمود يكتب: العدالة الانتقالية والعدالة الناجزة
الأحد، 17 نوفمبر 2013 12:13 م