الإخوان المسلمون آخر من التحق بثورة يناير، وأول من انفض عنها، وأكثر من استفاد منها، هذه واحدة من الحقائق التى لم تعد تتحمل النقاش، وإن كانت تقبل الجدل السفسطائى من الجماعة وأنصارها.
عشية مظاهرات 25 يناير، التى أصبحت ثورة، تأرجح موقف «الجماعة» بين الرفض والتحفظ، حيث نفضت يدها من المظاهرات، ثم تركت «حرية» المشاركة فيها لمن يريد من أعضائها، لكن بصفته الشخصية.
وعندما تفوقت أحداث 25 يناير على أكثر التوقعات تفاؤلا، كانت الجماعة قد وقفت يوم «جمعة الغضب» موقف المراقب الحذر بانتظار ما سوف تأتى به الأحداث من نتائج. وما أن بدا أن الشرطة قاب قوسين أو أدنى من انهيار مؤكد أمام صلابة وإصرار شعب قرر الخروج من القمقم وأحل مظاهراته إلى ثورة، حتى دخل الإخوان بثقلهم، فكانت عملية اقتحام السجون بالتعاون مع عناصر من حركة حماس وحزب الله، لإخراج معتقليهم، دون استثناء تهريب عدد كبير من المساجين «المجرمين» لإثارة أكبر قدر ممكن من الفوضى والذعر بين المصريين، ثم كان أنه بعد ساعات قليلة من انهيار قوات الشرطة، ظهر معتقلو حماس وحزب الله على شاشات التليفزيون فى غزة وبيروت.
هنا تبدو المفارقة صارخة بين رفض الإخوان للثورة، وابتعادهم -قدر الإمكان - عن وقائع «جمعة الغضب» من جانب، ثم دخولهم على الخط لاقتحام السجون وإخراج معتقليهم ومعتقلى حماس وحزب الله وتهريبهم إلى بلادهم «غزة ولبنان» بسرعة وتنظيم محكم من جانب آخر.
الاستعانة بعناصر من خارج البلاد «غزة ولبنان»، مزودين بما يلزم من بلدوزرات ولوادر وأسلحة لاقتحام السجون، «كما جاء فى أقوال شهود عيان»، وتليفونات مرتبطة بالأقمار الصناعية للاتصال بقناة الجزيرة «كما فعل محمد مرسى» ثم تأمين عودة من جاء من خارج البلاد مصحوبا بمن جرى تهريبه من السجن بسرعة قياسية «كما شاهدهم الملايين على شاشات تليفزيونات غزة ولبنان»، كل هذا يتطلب إعدادا محكما وتخطيطا دقيقا، يحتاج إلى أسابيع وشهور طويلة، وبما لا يتفق مع موقف الجماعة من «مظاهرات» 25 يناير وتوقعاتهم بشأنها، وهى مفارقة أظن أن أحدا لم ينتبه إليها ولم يتوقف أمامها.
عشية ثورة يناير 2011، كانت حالة الغضب الشعبى تجاه سياسات نظام مبارك ساطعة فى أفق المحروسة، بادية للعيان أينما اتجهت الأبصار، كما كان رفض مشروع توريث السلطة آخذا فى التصاعد متنقلا من أوساط النخب وبقايا السياسيين إلى أوساط شعبية راحت تتسع يوما بعد يوم، ترفض الفكرة وتستعد للتصدى لتنفيذها، وبما يعنى أن ضمانات نجاح تنفيذ سيناريو التوريث، تتطلب بالضرورة أن يدخل حيز التنفيذ فى حياة الرئيس الأب، وإلا سوف يصبح من المستحيل وصول «ولى العهد» إلى سدة الرئاسة بعد رحيل الرئيس الأب.
وكذلك أصبح من المؤكد أنه بحلول موعد «الانتخابات» الرئاسية فى أكتوبر 2011، الرئيس الأب سوف يعلن عدم ترشحه فى الانتخابات لأسباب صحية «أو أية أسباب أخرى»، ليتولى الحزب الوطنى الديمقراطى تسمية مرشحه «البديل» فى الانتخابات، والذى سيكون بالقطع جمال مبارك.
كانت كل التقديرات فى ذلك الوقت تشير إلى احتمالات شبه مؤكدة لانفجار حالة الغضب الجماهيرى من سياسيات النظام، والرفض الشعبى لعودة مصر إلى عهد الملكية، حيث يرث ولى العهد عرش أبيه، وبما يستدعى وضع ما يلزم من خطط لمواجهة الغليان الشعبى المتفجر.
يوم 6 مايو 2011 قدم لنا الأستاذ عبدالعظيم حماد على صفحات الزميلة الأهرام، وكان رئيسا لتحريرها آنئذ، أول الخيوط فى تقديرات نظام مبارك بشأن الانفجار الشعبى الرافض للتوريث وكيفية مواجهته وإعادة السيطرة على الشارع مرة أخرى، عندما نشر على صدر الصفحة الأولى ما قال: «إن أسرار خطة القوات المسلحة لحماية ثورة 25 يناير» وفى تفاصيل الخير المنسوب إلى «مصادر وثيقة الاطلاع» أن القوات المسلحة كانت تتبنى خطة تحرك «تتوقع فيها النزول إلى الشارع، لمواجهة تداعيات إعلان التوريث» حيث كانت كل المؤشرات - والكلام لم يزل للمصادر وثيقة الاطلاع- تفيد بأن «شهر مايو الحالى أو يونيو «2011» على أكثر تقدير هو الموعد المحدد لإعلان التوريث ونزول القوات المسلحة، دون تفكير فى أى انقلاب على غرار ما حدث فى عام 1952، لأن عقيدة القوات المسلحة تقوم على عدم تكرار هذه التجربة، وكان التفكير أن كل ما سوف يحدث لابد أن يجرى فى إطار من الانضباط، والكتمان.
وفى حواره مع الزميلة «المصرى اليوم» يوم 11 أكتوبر الماضى، عاد الفريق أول عبدالفتاح السيسى ليؤكد صحة ما ذهب إليه تقرير الأستاذ عبدالعظيم حماد فى 6 مايو 2011. كان نص سؤال الزميل الأستاذ ياسر رزق للفريق أول «حينما كنت مديراً للمخابرات الحربية، قدمت للمشير طنطاوى تقدير الموقف فى إبريل عام 2010، توقعت فيه حدوث انتفاضة شعبية، وخروج الجماهير إلى الشارع فى ربيع 2011، وبالتحديد فى شهر مايو، كيف توصلت إلى هذا التقدير؟» وجاءت إجابة الفريق أول حرفيا «إذا كنت سأتحدث عن هذا الموضوع فإننى سأتحدث بشكل عام. القوات المسلحة مؤسسة علمية، ولابد أن يكون الجيش معتمداً فى تصرفه وتخطيطه على العلم وتقدمه، ونحن لدينا أجهزة تقديرات واستطلاع رأى داخل الجيش ترصد الكثير مما يحدث داخل الجيش وبعض ما يتم خارجه، فى إطار دورها الوطنى..... كل التقديرات كانت تشير إلى أن هناك حدثاً جللاً، المصريون مقبلون عليه».
وبصرف النظر عن مانشيت الأهرام فى 6 مايو «أسرار خطة القوات المسلحة لحماية ثورة 25 يناير» والمنقطع الصلة تماما بتوقع انفجار جماهيرى فى الربيع «وليس ثورة فى يناير» فالواضح لأن كل الأطراف، فى السلطة وخارجها، وفيهم الإخوان المسلمون بالطبع، كانوا يتوقعون بدء التنفيذ العملى لمشروع توريث السلطة فى ربيع أو بداية صيف 2011، وينتظرون انفجار غضب شعبى هائل، رافضا للوريث والتوريث.
وكذلك جرت - على التوازى - وقائع الأحداث داخل «الجماعة»، فقد كان محمد بديع يعلن على شاشة دريم «برنامج العاشرة مساء 14 إبريل 2010» أنه أرسل برقية تهنئة إلى الرئيس مبارك بمناسبة عودته سالما من ألمانيا بعد جراحة ناجحة باعتباره «والد كل المصريين»، وكان محمد مرسى يعلن على صفحات الزميلة المصرى اليوم «25 نوفمبر 2010» أن الإخوان أخلوا عددا من الدوائر الانتخابية أمام زكريا عزمى وبطرس غالى وفايزة أبو النجا، لأنهم من «رموز الوطن المحترمين»، بينما كانت الجماعة تعد العدة وتضع الخطط اللازمة لاستغلال انفجار شعبى متوقع فى ربيع 2011، وإحالته إلى حالة من الفوضى والانفلات، بالتعاون والتنسيق مع حماس وحزب الله. وفى الخطة اقتحام سجون، وتهريب مساجين، سياسيون ومجرمون على السواء، واقتحام أقسام شرطة، ونشر حالة من الانفلات بطول البلاد وعرضها، ثم الاجتماع مع قيادات نظام التوريث المأزوم، بحثا عن مخرج، يوفر للجماعة ما تشاء من مكاسب، ويضمن النجاح لمشروع التوريث، حيث الجماعة بطبيعتها وطبعتها، جماعة ليست ثورية ولا تبحث عن ثورة، وإنما إصلاحية تنشد إصلاحا.
لكن الشعب المصرى فاجأ الجميع وانفجرت ثورته فى الشتاء، وليس فى الربيع أو الصيف، فاستغل الإخوان المفاجأة، واستخرجوا من أدراجهم خططا مرسومة للتنفيذ صيفا، ووضعوها قيد التنفيذ شتاء، وربما أضيف إليها ما تشير إليه بعض شبهات عن دورهم فى موقعة الجمل «فرقة 95 إخوان»، وعلاقتهم بطرف ثالث لم يزل غامضا ما دام ظهر خلال أحداث الثورة الممتدة. وكذلك نفذ الإخوان فى يناير وفبراير 2011 ما كانوا يخططون لتنفيذه فى مايو أو يونيو من نفس العام، ونجحوا فى سرقة أنبل ثورة فى التاريخ لأنبل جيل أنجبته مصر.
هانى عياد يكتب: كيف سرقت جماعة الإخوان ثورة يناير؟
السبت، 16 نوفمبر 2013 06:55 ص
ثورة 25 يناير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة