محمد الدسوقى رشدى يكتب: 48 ساعة من السير بمواكب الثأر للإمام الحسين فى ذكرى عاشوراء

السبت، 16 نوفمبر 2013 12:16 م
محمد الدسوقى رشدى يكتب: 48 ساعة من السير بمواكب الثأر للإمام الحسين فى ذكرى عاشوراء صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء


شوارع غارقة فى الهدوء والصمت، تظنها من شدة الصمت ديكورًا خاليًا لأحد الأفلام الهوليوودية الكبرى، ولافتات سوداء فى كل مكان فوق المحال والمصالح الحكومية المعطلة، وأصوات لنواح وبكاء وابتهالات حزينة تطاردك من حيث لا تدرى، وأمطار خفيفة تصحبها رياح تكفى قوتها لإثارة أوراق الشجر لعزف سيمفونية حزينة متناغمة مع أصوات البكاء والأدعية التى تأتيك من كل حسينية، وكل مسجد فى شوارع طهران، وباقى محافظات إيران.
الصورة السابقة كأنها ثابتة لم تتغير منذ صباح الأربعاء، الموافق التاسع من محرم وحتى نهاية اليوم التالى، الموافق العاشر من محرم أو عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين، رضى الله عنه، فى معركة الغدر على أرض كربلاء.

ملايين الإيرانيين يهجرون منازلهم وشوارعهم ويتجمعون فى ساحات الحسينيات والمساجد لإقامة مراسم العزاء فى ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة، ومئات المواكب المتشحة بالسواد تخرج من الحسينيات والمساجد وتعود إليها تحت ظل رايات يعلوها عدد من الآيات والأحاديث والعبارات المقدسة فى مدح أهل البيت، وتخليد بطولة الحسين، وما تعرض له من غدر فى معركة كربلاء «يا ثأر الله يا حسين – يا مظلوم يا حسين - أنا من حسين وحسين منى - كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء – يا زينب الكبرى – يا شهيد يا حسين».. وغيرها وغيرها.

الملايين من أبناء الشعب الإيرانى فى جميع المحافظات يسيرون فى مواكب بالشوارع، ويتجمعون بالمساجد والحسينيات لإحياء الذكرى بشكل تصاعدى، بدأ هادئًا فى صباح الأربعاء، ووصل إلى ذروة حزنه وجلاله ظهر الخميس، يوم عاشوراء، ثم عاد هادئًا من جديد حتى العشاء.. جموع تؤدى مراسم العزاء، وتستمع إلى شرح وتداعيات مأساة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ومواكب تجسد مشهد معركة كربلاء، وحرق خيمة الإمام الحسين، وجموع أخرى فى المساجد تجتهد فى قراءة القرآن إلى جانب قراءة الأدعية الدينية.

صباح الأربعاء وعلى بعد حوالى 300 كم من العاصمة طهران كنت هناك، فى شمال غرب البلاد داخل محافظة «زنجان» التى يبلغ تعدادها حوال 500 ألف نسمة، ومع ذلك نحروا فى صباح اليوم وحده أكثر من 21 ألف خروف، إعلانًا لبدء مراسم التعزية فى وفاة الإمام الحسين، رضوان الله عليه.

«زنجان» المدينة الإيرانية الهادئة، معقل قلعة المغول الشهيرة، والبلد الأشهر فى صناعة السيوف والسكاكين، تحولت مع اقتراب الحادية عشرة ظهرًا إلى مدينة أشباح إلا فى تلك المنطقة التى تضم المسجد الكبير، حيث تحولت ساحة المسجد والشوارع المؤدية إليها إلى أرض لا تعرف لونًا غير السواد.. سواد الرايات، وسواد ملابس النساء والرجال والأطفال، مئات المواكب القادمة من مختلف الحسينيات والمساجد الصغيرة تسير صوب ساحة المسجد فى تناغم ونظام شديدين.. كل حسينية تتفنن فى إخراج مشاهد مواكبها بابتهالات وأدعية ورايات وحركات جنائزية خاصة بها، وكأنه سباق للفوز بأفضل موكب جنائزى حتى الوصول إلى ساحة المسجد بعد المرور بالميدان الرئيسى الذى تتوسطه نافورة تحول ماؤها إلى اللون الأحمر بفعل الصبغات، ودماء الأضاحى فى دلالة على فاجعة كربلاء.

بعد حوالى 3 ساعات تحولت ساحة المسجد إلى أرض سوداء بفعل ملابس الحضور من النساء والرجال، وتبادل المعزون كلمات المواساة، وانشغل بعضهم بتوزيع الطعام والشراب على الحضور حتى جاء موعد صلاة الظهر لتنتهى الصلاة بإعلان انتهاء المواكب، واستمرار جلسات التعزية والدعاء استعدادًا للموكب الأكبر.. موكب يوم عاشوراء.

من «زنجان» إلى طهران مرة أخرى.. المواكب مستمرة ومراسم التعزية منتشرة فى كل مكان، وأصوات الأدعية والبكاء وارتطام الأيدى بالصدور تملأ الأجواء حتى جاءت لحظة الذروة هناك على أرض الحسينية الكربلائية، موقع احتفال الشيعة العرب فى إيران بذكرى استشهاد الإمام الحسين، رضى الله عنه.

هنا الموكب مختلف، جمع غفير من الحضور يحيطون بالساحة الرئيسية التى شهدت منذ الصباح استعدادًا مختلفًا من نصب خيمة كبيرة خضراء تعلوها راية حمراء، وإعداد باقى أرض الساحة لتشبه إلى حد كبير أرض معركة كربلاء. وعقب صلاة الظهر بدأ تجسيد حى للمعركة، عشرات الأطفال بالزى الأخضر ورجال بجوار الخيمة على أرض كربلاء يجسدون مشهد آل البيت المنتظرين للمعركة، ثم يدخل إلى أرض المعركة بعض من الخيول ترفع راية شمر بن ذى جوشن، وعمر بن سعد، وجيش يزيد ابن معاوية، وتمتطى الخيول شخصيات بدروع حربية، ووجوه غاضبة تمثل قادة جيش يزيد وشمر وابن سعد، ويمارس هؤلاء طقوسًا من الضرب والتنكيل بأطفال آل البيت، وسيدنا الحسين وصحبه، ويظهر فى المشهد مقتل طفل الحسين على الأصغر، ثم مشهد قتل الحسين الذى يجسد شخصيته رجل مغطى وجهه برداء أخضر، ثم يتم حرق الخيمة، ليعلو بعدها البكاء والعويل وعشرات الهتافات الحماسية بالثأر للحسين، رضوان الله عليه، وتمجيد بطولته.. تنتهى المواكب، ويستمر العزاء بقراءة القرآن والأدعية الدينية وابتهالات رثاء الحسين فى المساجد والحسينيات المختلفة.

لقاء مهم قبل يوم عاشوراء بـ24 ساعة

وسط أجواء الحزن والعطلة بسبب انشغال الإيرانيين بذكرى استشهاد الحسين، رضى الله عنه، كنت فى مقر المجمع العالمى لأهل البيت، ولمدة 30 دقيقة التقيت رجل إيران القوى الشيخ محمد حسن أخترى، أمين عام المجمع، سفير إيران السابق فى سوريا، والذى صدر قرار قبل لقائنا بأيام يقضى بتعيينه رئيسًا للجنة دعم الثورة الإسلامية للشعب الفلسطينى، وفق مرسوم أصدره رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشیخ حسن روحانى، والذى يعد تنفيذًا للمادة 5 من قانون دعم الثورة الإسلامية للشعب الفلسطينى المصدق عليه عام 1990 من قبل مجلس الشوری الإسلامى.

أنت فى حضرة رجل قوى، ويملك الكثير من الذكاء الذى أهله لأن يلعب دورًا دينيًا مخلوطًا بكل ما هو سياسى، تشعر بهذا من أول دقيقة، بل من تلك اللحظة الأولى التى رفض الرجل خلالها الكلام، وفضل أن يطرح ثلاثة أسئلة، أولها: هل تأثرت شعبية حركة حماس فى مصر بما حدث بعد ثورة 25 يناير؟ وثانيها: هل تأثرت شعبية التيار السلفى فى مصر بعد 30 يونيو؟، وثالها: لماذا يخاف الأزهر من الرد على رسائلنا؟

كل سؤال من الأسئلة الثلاثة السابقة ينضح بذكاء الرجل وخطورته، والجلوس فى حضرة رجل لا يحب المقدمات ولا التعبيرات العامة، ويعرف ماذا يريد، أمر كثير الإثارة والتشويق، ولم يخب ظنى بالرجل طوال العشرين دقيقة الباقية من عمر اللقاء.

لم يعقب «الشيخ أخترى» على إجابتى الخاصة بتأثر شعبية حماس سلبيًا فى مصر بسبب حكم الإخوان، لكنه تكلم كثيرًا بعد أن أجبته بالإيجاب عن سؤال تأثر شعبية التيار السلفى فى مصر، وقال: العلاقة بين مصر وإيران تتعرض لمؤامرة خطيرة لمنع التعاون بين البلدين لأنهما بلدان كبيران، ويضمان شعبين عظيمين قادرين على صناعة المعجزات، وتعاونهما هو السبيل الوحيدة لإعلاء كلمة الأمة الإسلامية، ومواجهة أمريكا وإسرائيل، ولكن التيارات التكفيرية والسلفية المتشددة تهدد هذا التعاون، بل أصبحت رأس حربة الغرب لتعميق الخلاف المذهبى، وإثارة فتنة مذهبية تهدد أى وحدة إسلامية قادمة، ثم أضاف الرجل مؤكدًا: نحن هنا فى إيران نعلم واقعًا لا يمكن إنكاره أبدًا، واقعًا يقول بأن مصر لها مكانة كبيرة فى العالمين العربى والإسلامى، نعلم ذلك، ولا يمكن لأى ظروف سياسية أو دينية أن تدفعنا لإنكاره، ولكن الأزمة أننا نسعى لتعميق التعاون مع مصر أكثر من سعى مصر لذلك، بدليل أننى أرسلت أكثر من دعوة لشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، والمفتى السابق على جمعة من أجل زيارة إيران، أو توطيد العلاقات والتعاون بين الأزهر والمجمع العالمى لآل البيت، ولم أتلقَ أى رد. وأضاف الشيخ «أخترى» بحزن: الأزهر يعانى من البطء فى التعاون معنا، ولا يمكننى أن أفهم عدم رد شيخ الأزهر على دعواتنا سوى أنه يتعرض لضغوط وهجوم من قبل السلفيين، لكن شيخ الأزهر أكبر من أن يستسلم لأى ضغوط حتى لو كانت سلفية متشددة.

وبالحديث عن الضغوط على الأزهر، استنكر الشيخ «أخترى» تحركات وفتاوى الدكتور يوسف القرضاوى، وحمّله مسوؤلية ما يجرى فى العالمين الإسلامى والعربى من جرائم القتل، واستهداف المساجد وأماكن العبادة، وقتل العلماء والمصلين، وتدنيس المقامات، «فبسبب صمت القرضاوى وعدم تنديده واستنكاره هذه الفتاوى الرخيصة يعطى الشرعية للتكفيريين لارتكاب مثل هذه الجرائم البعيدة كل البعد عن الإنسانية والأخلاق الإسلامية».

وحينما حملت للرجل مخاوف المؤسسات فى مصر من عمل بعض المؤسسات الإيرانية، ومنها المجمع العالمى لآل البيت، على نشر المذهب الشيعى فى مصر والبلدان الأخرى رد الشيخ «أخترى» قائلًا: هذه افتراءات لا أساس لها من الصحة، نحن نتواصل مع محبى آل البيت فى مختلف دول العالم، ومهمتنا ليست نشر التشيع، ولا النقاش فى المذهب الشيعى، ثم استطرد قائلًا: إن الإمام الخمينى أكد من قبل أن من يفتح الحوار حول «التسنن» و«التشيع» يرتكب حرامًا. كما أشار أيضًا إلى فتوى آية الله على خامنئى بضرورة احترام الصحابة وأمهات المؤمنين.

وأكد أن مؤسسة آل البيت غير حكومية، هدفها نشر السنة النبوية ومعارف أهل البيت، وترجمت أعمالها إلى 50 لغة، ودعمها لفروع أو جمعيات آل البيت فى الدول المختلفة يقتصر على الدعم البحثى والثقافى، وكل جماعة آل بيت أو منظمة فى دول العالم منفصلة لحالها، وتعمل حسب ظروف الدولة الموجودة بها.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة