أكد الدكتور على السمان، رئيس الاتحاد الدولى لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام، أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد التراجع كليا عن موقفها من دعم الإخوان، ولن تستمر فى هذه «المقامرة الخاسرة» لأن الشارع المصرى أرسل للبيت الأبيض رسالة قوية مفادها: لن نسمح لكم بدس أنوفكم فى شؤوننا.
وقال فى حوار لـ«اليوم السابع»: إن زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين لمصر تكتسب أهمية كبرى، حيث تؤكد لواشنطن أن مصر لن تبقى مرتهنة للإرادة الأمريكية، مشددا على أن الاعتماد على تنويع مصادر السلاح لا يعنى إعلان العداء للولايات المتحدة، فالعلاقات الدولية لم تعد تخضع لقواعد الحرب الباردة.
وأضاف أن تخلى البيت الأبيض عن لهجته المتشددة تجاه مصر، ووقف استخدام مفردة الانقلاب لتوصيف ثورة يونيو، يكشف عن أن واشنطن حريصة على عدم تحطيم الجسور مع مصر، ومن المرجح أن تعيد الولايات المتحدة الدعم لأنها لم تعلن قطعه وإنما وقفه بشكل مؤقت.

كيف تقيم زيارة وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين للقاهرة فى التوقيت الراهن؟
- التوقيت بالغ الدلالة، فبعد إيقاف الولايات المتحدة تزويد مصر بالسلاح، كان لابد للقاهرة أن تبعث برسائل واضحة إلى العالم، بأن مصر ليست مرتهنة لإرادة ما، وهناك بدائل على رأسها السلاح الروسى الذى سبق أن اعتمدنا عليه.
وفى الحقيقة، إنه بغض النظر عن الموقف الأمريكى، فإن الارتقاء بمستوى العلاقات بين القاهرة وموسكو، يمثل أولوية كبرى فى الوقت الراهن، لأن روسيا مع الرئيس بوتين تريد أن تتواجد فى المنطقة العربية، ويكون لها دور مؤثر فيها، وعلينا أن نسعى لتمتين الجسور معها، وهذا لا يعنى الخروج من الفلك الأمريكى للدوران فى الروسى، وإنما إعادة صياغة علاقاتنا مع العالم، بحيث تقام على أسس من الندية والتكافؤ.

هل يعنى ذلك أن مصر تسعى لبديل استراتيجى عن الولايات المتحدة؟
- لا أعتقد بأن حلفا يمكن أن يحل محل آخر، ولا أحسب أن القاهرة أو موسكو تحسب الأمر بهذه الطريقة، فالأمر ليس تحالفا جديدا، لكن هناك علاقات ما كانت قوية مع روسيا، مرت بمرحلة ركود، ومن مصلحة البلدين استعادتها.
التقارب بين مصر وروسيا يوجه رسالة إلى الولايات المتحدة، لكنها ليست رسالة بانتهاء العلاقات بين البلدين، لكنها رسالة بأن مصر تملك قرارها.
ألا يوجد رابط بين زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى للقاهرة مؤخرا وزيارة الوفد الروسى الرفيع؟
- لا أعتقد ذلك، وإن كانت اللهجة الأمريكية المتشددة قد شهدت مرونة إزاء مصر خلال زيارة كيرى.
واضح أن الولايات المتحدة أدركت أن الإخوان كانوا قصة قصيرة، وأن الشعب المصرى قرر إسدال الستار على ما فات، والمؤكد أن واشنطن لن تغامر بالتصعيد، فخسارة مصر تعنى اهتزازا كاملا فى ميزان العلاقات الأمريكية بالمنطقة.
تقديرى أن واشنطن تراقب المشهد، وتنظر إليه باهتمام، لكن ما من شك فى أنها تعلم بأن العلاقات مع مصر وإن اهتزت ستبقى مهمة.

يشاع أن ثمة صفقة مصرية روسية بحصول القاهرة على السلاح مقابل السماح بإقامة قاعدة روسية بالسويس أو بورسعيد.. فهل هذا منطقى؟
- من دون تفكير هذه شائعة، لأن مصر لم تقبل تحت أى ظروف إقامة قواعد على أراضيها، والروس ليسوا سذجا حتى يطالبوا بهذا المطلب، وهم يعرفون بحكم سابق خبرتهم بالسياسة المصرية أنه مطلب مرفوض.
البعض سيطلق الشائعات، والبعض سيسعى لتشويه أى أمر، دون اهتمام إلا بالمصالح الضيقة له أو لجماعته.
كيف قرأت تصريح وزير الخارجية الروسى بأن علاقة روسيا مع مصر «شراكة استراتيجية»؟
- لا ينبغى أن نبالغ فى الأمر، فالعلاقات بين مصر وروسيا يمكن أن ترتقى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، دون أن نفقد علاقتنا بالولايات المتحدة.
فكرة الاستقطاب المتطرف لم تعد موجودة بالعالم، ولم تعد إقامة علاقات قوية مع دولة، تعنى بالضرورة خسارة دولة أخرى، فالحرب الباردة انتهت مع انهيار الاتحاد السوفيتى، وهناك منطقة وسطى يمكن أن نقف فيها، فنؤسس لإعادة العلاقات مع روسيا، من دون أن نعادى الولايات المتحدة، وأعتقد أن هذا ما تسعى إليه الدبلوماسية المصرية الآن.
لكن الولايات المتحدة -حتى الآن- لم تعلق على التقارب المصرى الروسى ولم تتحدث عن صفقة السلاح المرتقبة؟
- لأن الولايات المتحدة تعرف أن الدبلوماسية المصرية عاقلة، فاستعادة دفء العلاقات مع روسيا، ليس موجها ضد الولايات المتحدة، والمؤكد أن مصر لا تسعى لحرق الجسور بينها وبين واشنطن، وتقديرى أن الولايات المتحدة ستسعى إلى عدم إغضاب القاهرة، خاصة بعد موقفها بدعم الإخوان، الذى أثبت فشله بكل المقاييس.
وهل من الممكن أن تضغط واشنطن اقتصاديا.. عبر إلغاء الدعم مثلا؟
- هناك ما يعرف باسم «الحسابات الصامتة»، بمعنى إعطاء رسالة رمزية، ليست إعلامية أو سياسية مباشرة، والحق أن القاهرة أرسلت لواشنطن عددا من الرسائل القوية منذ إسقاط محمد مرسى.
أمام واشنطن عدد من الخيارات فى الوقت الراهن، فإما أن تبحث عن مصالحها وتقيم علاقات سليمة هادئة متزنة مع مصر، أو تواصل المقامرة الخاسرة على الإخوان.

وماذا عن المعونة العسكرية؟ هل يمكن أن يعاد الحديث عنها من جديد؟
- لن يحدث ذلك بشكل علنى على الأقل، لأن تراجع الولايات المتحدة سيعطى مؤشرا على خضوعها لمصر، والراجح أن الولايات المتحدة ستتخوف من أن تهتز صورتها الدولية فى حال تراجعت بهذه السرعة، لكن هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهى أن واشنطن لم تعلن قطع المساعدات، وإنما أعلنت تعليقها، أى أنها تركت خط الرجعة مفتوحا.
ومن الملاحظات المهمة أيضا، أن الخارجية الأمريكية أصبحت لا تميل إلى استخدام مفردة الانقلاب لوصف الوضع فى مصر، وهذا معناه أن النية الأمريكية تتجه إلى إعادة المساعدات بكل أنواعها، لكن هذا قد يستغرق بعض الوقت، ولست أحسب أن الأمر سيطول.
لكن فى حال لم يتغير الوضع.. هل يمكن أن يكون السلاح الروسى بديلا للأمريكى بشكل كامل؟
- من مصلحة مصر الحفاظ على العلاقات مع الدولتين، والثابت استراتيجيا أن تنويع مصادر السلاح يعد من الأمور الجيدة، وليس منطقيا أن ترهن دولة كل إرادتها بدولة واحدة.
التقارب مع الروس يأتى فى إطار البحث عن مصالحنا القومية، وعلى الولايات المتحدة أن تعى جيدا، أن دعم الإخوان بما يمثلونه من خطر على الأمن القومى المصرى ليس بالأمر الذى يمكن للقاهرة أن تستسيغه.
لكن هناك نبرة بأن مصر تستعيد العلاقات مع روسيا على «الطريقة الناصرية»؟
- السياق التاريخى مختلف كليا وجزئيًا، ففى ذاك الوقت كانت العلاقات المصرية الأمريكية بلغت ذروة التوتر على خلفية الصراع العربى الإسرائيلى، وكان شهر العسل بين الطرفين قد صار مكهربًا، وكان الاتحاد السوفيتى فى صراع أيديولوجى وسياسى وعلمى وعسكرى مع الولايات المتحدة، أما الآن فإن كل هذه الأسباب قد انتفت.
وفى فترة حكم السادات توترت العلاقات مبكرا، لأنه كان يرى أن الروس لا يملكون إلا القليل من أوراق اللعبة، ولما انتصر الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، أدار دفة السياسة المصرية إلى البيت الأبيض، وهو أمر لم يخرج عنه مبارك، الذى كان يؤمن بأهمية أن تكون واشنطن شريكا دائما لأن كامب ديفيد معاهدة ثلاثية الأطراف.
أما محمد مرسى فلم يكن يملك البوصلة بشأن السياسة الخارجية، وكان كل ما يعنيه هو مصالح جماعته، التى كانت موسكو تصنفها ضمن المنظمات الإرهابية، ولذلك توهم بأن الولايات المتحدة واللوبى اليهودى سيوفران لجماعته الدعم، فلم ير غيرهما، الأمر الذى أدى إلى ركود أو بالأحرى توتر العلاقات بين مصر وروسيا، وهو توتر زاد مع الخلاف بين العاصمتين بشأن الأوضاع فى سوريا.
هناك حملات منها «امنع معونة» التى تطالب بوقف المعونة الأمريكية.. ما رأيك فيها؟
- الشارع المصرى تحرك عفويا ضد التدخل الأمريكى بالشأن المصرى، وكانت الرسالة للبيت الأبيض: لا تدسوا أنوفكم فى شأننا الداخلى.. والمعونة لن تكسر إرادتنا ورغبتنا فى التحرر من نظام الإخوان، لكن علينا أن نتفهم أن المعونة ليست مجرد مال أو سلاح، فهناك علاقات متشابكة ومصالح مشتركة، يحرص عليها الطرفان.
