هيام محى الدين تكتب: مصالح الكبار لا تعرف الأخلاق

الخميس، 14 نوفمبر 2013 06:21 م
 هيام محى الدين تكتب: مصالح الكبار لا تعرف الأخلاق الزعيم جمال عبدالناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين تتصور أى قوة عظمى أن هناك أمراً أو دولة أو حاكماً يهدد مصالحها وأهدافها فى السيطرة التى تحفظ لها كيانها كقوة عظمى فإنها لا تتورع عن استخدام أحط الأساليب وأكثرها للتخلص مما يهدد نفوذها؛ وقد عانت دول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً، من صراع القوى العظمى على مناطق النفوذ ورغم اتفاق المنتصرين على تقسيم مناطق النفوذ بينهم تجنباً لصراع الكبار، إلا أن الدول التى دخلت فى هذه المناطق التابعة لم تستسلم لمصيرها الذى حاول الكبار فرضه عليها فظهرت فى بعضها نظم وطنية ناضلت طويلاً ضد الاستعمار القديم الذى كان يقوم على الاحتلال العسكرى وفرض حكومات عميلة واستطاعت تحقيق استقلالها وجنى ثمار نضالها بعد انتهاء الحرب كالهند وأندونيسيا ويوغوسلافيا ومصر، وكانت مصر بموقعها الأسطورى العبقرى وتاريخها العريق، وبنيتها الاقتصادية وثرواتها الدفينة جوهرة يتنافس عليها الكبار وتخطط أمريكا للحلول محل حليفتها بريطانيا فى السيطرة عليها، ولم يحسبوا حساب الثورة الوطنية التى غيرت نظامها الملكى إلى النظام الجمهورى والطموح الوطنى لهذه الثورة وزعيمها لتحقيق الاستقلال الكامل واستعادة الدور التاريخى لها فى إقليمها وفى العالم، وكان لابد من تصادم مصالح القوة العظمى الطامحة للسيطرة مع آمال وأحلام النظام الوطنى فى الاستقلال واستعادة المكانة والكرامة وبلغ الصدام بين المعسكر الغربى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) والنظام الوطنى القومى فى مصر ذروته حين عقدت مصر صفقة الأسلحة السوفيتية عام 1955 وحين أممت قناة السويس عام 1956، واعتبرت هذه الدول الزعيم جمال عبد الناصر شخصياً المسئول عن فشل سياساتهم فى السيطرة على مصر وإخضاعها لنفوذهم فبدأت أجهزة المخابرات فى الدول الثلاث العمل للتخلص من جمال عبد الناصر ولو بتصفيته جسدياً، وتشير الوثائق الأمريكية والإنجليزية والفرنسية التى تم الإفراج عنها إلى الخطط التى وضعتها مخابرات هذه الدول للتخلص من عبد الناصر ففى الثامن من يناير 1956 رأس الرئيس الأمريكى أيزنهاور اجتماعاً لمجلس الأمن القومى لبحث أوراق العمل لمحادثات بعد أيام بين أمريكا وبريطانيا للتعاون معاً للتخلص من ناصر وبين أيزنهاور لرئيس مخابراته أن أهداف أمريكا تختلف عن أهداف بريطانيا فى مصر والمنطقة العربية ثم أضاف "لابد أن نجد حلا لمشكلة ناصر" وعقدت المخابرات الأمريكية اجتماعاً تضاربت فيه الآراء التى انتهت إلى اتخاذ سياسة تؤدى إلى تحجيم نفوذ عبد الناصر فى المنطقة غير محاولة تدبير انقلاب أو اغتيال له فى ذلك الوقت على الأقل بعد أن ثبت لهم أنه لن يدخل فى مشروعات الغرب الدفاعية عن المنطقة ولن يقبل الصلح مع إسرائيل.

أما بريطانيا التى كان يرأس وزراءها "أنتونى إيدن" الذى كان يكن كراهية عميقة لناصر ويحمله مسئولية انهيار نفوذ بريطانيا فى المنطقة وفشل حلف بغداد فى ضم أى دولة عربية أخرى غير العراق له فقد كان له رأى آخر، وعقدت اجتماعات مشتركة بين المخابرات المركزية الأمريكية وإدارة المخابرات البريطانية" MI6"، وكان الإنجليز مصممين على التخلص من عبد الناصر باغتياله ولديهم خطة كاملة للعمل ضده وإنشاء نظام موال للغرب فى مصر اعتمادا على حلفائهم القدامى فى مصر الذين تمثلوا فى بقايا الباشوات الإقطاعيين وجماعة الإخوان المسلمين وهما أكثر الفئات فى مصر عداء لناصر فى ذلك الوقت، أما الفرنسيون فقد رأوا أن قتل عبد الناصر بالتحديد هو الهدف الذى سيمنع المساعدة المصرية لثورة الجزائر، ولم يكن يعنيهم ما الذى يحدث فى مصر بعد ذلك فقد كلف الجنرال "بروسيكو" رئيس إدارة الأمن القومى الفرنسى بوضع خطة لتصفية ناصر، وتقرر إرسال فرقة اغتيالات خاصة مدربة من ثلاثة أفراد وسبقتهم إلى القاهرة شحنة أسلحة وقنابل داخل حقيبة دبلوماسية إلى السفارة الفرنسية بالقاهرة، ولم يتمكن الثلاثة الذين قضوا أسبوعين فى القاهرة من عمل شىء وظلت شحنة الأسلحة مخبأة فى السفارة حتى 1958 حين جاء قائم بالأعمال هو السفير "فورمان موريس" وأرسل يستغيث بوزارة خارجيته لتخلصه من شحنة الموت المخزونة بسفارته وكانت إسرائيل والإخوان المسلمون "وهم فى السجون، وفى الخارج" بعد فشل محاولتهم لاغتيال ناصر فى أكتوبر 1954 فى السباق أيضاً إلى القتل فقد جندت إسرائيل رئيس خدم يونانى اسمه "أندرياس" يعمل فى محلات جروبى بأن يضع جرعة من السم فى شىء يأكله ويشربه جمال عبد الناصر ولكن أعصابه خانته فى اللحظة الأخيرة واعترف من أول سؤال، أما الإخوان فحاولوا تجنيد أربعة من حرس عبد الناصر الشخصى عن طريق بعض عملائهم فى سويسرا "سعيد رمضان" صهر حسن البنا، وجاراهم الحراس بعد أن أبلغوا المخابرات المصرية التى كشفت الخلايا المتعاونة معهم فى الداخل.

واليوم يكرر التاريخ نفسه، فقد دمر الجيش المصرى بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسى المخطط الأمريكى لتفتيت المنطقة ونشر الفوضى والصراعات العرقية والدينية والمذهبية وتحويلها إلى دويلات لا قيمة لها ولا قوة تحت مسمى الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، وأعاد جيش مصر للوطن حرية قراره واستقلالية اختياره وقضى على حلفاء أمريكا من تيار الإسلام السياسى وأبعدهم عن الحكم، مما أربك السياسة الأمريكية فارتكبت نفس الأخطاء التى ارتكبتها فى خمسينيات القرن العشرين، وأسفرت عن وجهها القبيح الغبى الذى يماثل وجه من اختارتهم حلفاء لها، وكما انتصرت مصر فى الخمسينيات وأحبطت خططهم سوف تنتصر اليوم وتضيف إلى فشلهم التاريخى فشلا جديداً، وسوف تتخلى عن حلفائها الأغبياء المعاصرين، كما تخلت عن حلفائها القدامى، إنهم لا يتعلمون من دروس التاريخ والتاريخ لا يرحم من لا يحترمونه، ولا يعرفون قدر هذا الشعب العريق الذى أنار طريق الحضارة وعلم البشرية، ورحم الله أمير الشعراء حين خاطب الرومان المنتصرين عند احتلالهم لمصر سنة 30 ق.م.
قسما ما فتحتمو مصر لكن.. قد فتحتم بها لروما قبراً.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة