قد تقابلك نيفين مصطفى المنسق العام للمشروع بابتسامتها التى كانت تذلل كل العقبات والموروثات الثقافية عند نساء قرى مصر، وبلباقتها وحسن إنصاتها واجهت الشائعات التى اطلقها أصحاب المصالح ومافيا الأسمدة وتوزيع أنابيب البوتجاز فى مصر لتخبرك عن كل القصص والحكايات التى عرقلت خروج المشروع للنور، على رأسها الرائحة، مؤكدة أن أطرف ما سمعت أن الوحدات تشبه المدفن وأنها سريعة الانفجار لذلك فهى "ببلاش".
وتقول نيفين، بدأنا المشروع بوحدة واحدة فقط عند سيدة امتلكت من الشجاعة ما يجعلها تقبل على التعاون معنا وتحديد مساحة خالية أمام منزلها لبناء الوحدة وكان لها مبرراتها لما تحملته من مشقة حمل الأنابيب والوقوف لساعات فى طوابير أمام مخزن الأنابيب، بالإضافة إلى قيامها بالتخلص من مخلفات الماشية على المصرف الرئيسى فلم يعد بمنزلهم الفرن البلدى الذى كانت أمها تصنع بروث البهائم "أقراص الجلة" لتستخدمها فى تشغيل الفرن لصناعة الخبز، فكان عليهما هى وأخواتها مثل كل نساء القرية أن يتخلصن من هذه المخلفات وإلقائها على الترعة أو المصرف أو الذهاب بها للغيط "لتسبيخ" الأرض.
وتؤكد نيفين، أنه لم تكن هالة سالم عبد القوى فتاة فى عائلة فقط، وإنما كانت أم لولد وبنت وتقيم بمنزل مجاور لوالدها، وحاصلة على الدبلوم، حيث امتلكت من العقل الراجح ما يجعلها تقبل على التجربة مهما كانت عواقبها ومهما كانت الشائعات حولها، لتقف اليوم فى قريتها تدعو الجميع لتنفيذ الوحدات والشرح لهم عن كيفية عملها والاستفادة منها.
بالتأكيد لا يمكنك أن تغادر القرية دون مقابله هالة والاستماع لرأيها فى الوحدة وتطورها، بعودها النحيف وزيها المتمدن وقفت هالة أمام منزلها تخبرنا أن الوحدة تنتج 2 متر مكعب من الغاز يوميا، وإن تم تغذية الوحدة بـ50 كيلو روث من 3 أو 4 مواشى، بعد خلطها بـ50 لتر مياه وتركها فترة 30 يوما فى البداية لتكتمل مرحلة تخمر البكتريا ويتصاعد غاز الميثان داخل الحفرة التى يتم حفرها فى باطن الأرض.
وقفت هالة تشرح المراحل الثلاثة للوحدة بدء من مرحلة تجميع الروث وخلط الماء عليه، ثم تخميره وخروجه على شكل غاز والمتبقى يستخدم كسماد عضوى يستخدمه الرجال من عائلتها فى زراعة الأرض وهو ما أثبت قدرته على إنتاج زرعة "عفية" بدون كيماويات.
بعد نجاح الوحدة التى تم بنائها عند هالة قررت أن تكمل تعليمها فى كلية التجارة جامعة الفيوم لتعمل فى الاستثمار وبناء الوحدات لكل نساء القرية، وهنا قاطعتنا أم عبد الله شقيقة هالة الكبرى لتخبرنا عن رغبتها هى الأخرى فى بناء وحدة مثل شقيقتها لكن "ببلاش"، نعم ببلاش فالمشروع كان خلال الثلاث سنوات يبنى الوحدات للأهالى بالمجان وبعد نجاح الوحدات التجريبية أصبحت تكلفة الوحدة 6 آلاف جنيه من خلال قرض دوار ستوفره وزارة التنمية المحلية تتحمل منه 50% والفلاح يتحمل الـ50 الأخرى.
ستترك منزل هالة بعد أن ترى كيف تم تركيب خرطوم من نوع معين فى الفتحة لاستقبال الغاز وطريقة إدخاله البدائية لمنزلها وتركيبة على بوتجاز تم استيراده من الهند بمواصفات معينة تسمح بالاشتعال بالغاز المنتج، حيث تؤكد لك أنها طالبت إدارة المشروع بتصنيع بوتجاز بفرن حتى لا يحتاجون نهائيا للأنبوبة.
وبالقرب من الوحدة المحلية سيقابلك عبد الهادى عيد محمد مدرس الرياضيات ليخبرك كيف كانت الناس رافضه للمشروع فى البداية بسبب رائحة الروث وبعد تشغيل أكثر من 50 وحدة فى القرية بدأ الكل يتهافت على المشروع ويتصارع لتنفيذه بمنزله، ورغبتهم فى عمل وحدات مجمعة لإنتاج الغاز لكل بيوت القرية.
لكن محمد محارب حسين وهو من أحد أبناء القرية يقاطعه مؤكدا أن الوحدات المجمعة حل ثبت فشله حيث إدارة المشروع لم تكن ممانعة فى ذلك لكن الأهالى أنفسهم كانت لديهم أسبابهم، من تساؤلات حول ملكية الأرض والميراث للأبناء وكمية الروث الذى سيغذى بها الوحدة والكمية التى ستخرج من كل منزل وكيفية الاستخدام ومين هيسحب أكثر وتفاصيل اجتماعية متشابكة أثبتت فشل الوحدات المجمعة.
الوضع لم يختلف كثيرا فى محافظة أسيوط حيث عبر الأهالى عن فرحتهم بالمشروع، وخاصة أن الوحدات تم تطويرها عن وحدات الفيوم لتعمل أيضا على مخلفات الصرف الصحى بتقنية معينه، وخاض التجربة عبد الرحيم أحمد عبد الرحيم عمدة البارود شرق صدفا وأثبتت السماد الحيوى إنه قادر على إنتاج زرعة قوية بلا أمراض حيث يستفيد النبات من كل السماد ولا يستهلك طاقته وقام بتجربته على شجر الليمون والجوافة، مؤكدا أن السماد أثر بشكل واضح فى الزراعة ووفر كثير من الأموال التى يصرفها الفلاح فى شراء أسمدة اليوريا والأزوت.
وطالب الأهالى فى قرية البارود شرق والبارود غرب وأولاد إلياس بتبنى الحكومة للمشروع وإنشاء محطة صرف تتناسب مع وحدات البيوجاز، وأن المشروع بداية حقيقة لدعم الصعيد المحروم من مشروع حقيقى.












