من القاهرة قلب العروبة، و«جوهرة التاج» فى الأمة الإسلامية، أكتب إليكم هذه المرة، حيث المدينة التى بناها القائد جوهر الصقلى قبل أكثر من ألف عام، لتكون عاصمة الدولة الفاطمية، ولتصطبغ بتلك الروح التى حملها إليها الفاطميون، وتتجلى بوضوح فى عمارتها الجميلة، بالمناطق العريقة القديمة المحيطة بالجامع الأزهر.
من القاهرة التى لم تغب عن القلب يومًا، وإن غابت عن العين أياما وأعواما، بسبب ظروف وملابسات نعرفها جميعا، وها هى اليوم تنهض من جديد لتستعيد عافيتها، وتعود لتبث فى أمتها البهجة والفرح، وتسقيها من رحيق علمها وثقافتها وأدبها وفنها، ولتستأنف دورها الذى لايزال شاغرًا ينتظرها لتقود المنطقة إلى مزيد من التقدم والتطور والاستقرار.
ولعل أول انطباع لمسناه، إثر وصولنا إلى أرض الكنانة، هو مدى ما تتمتع به فى الوقت الحالى من أمن واستقرار، على عكس ما تحاول بعض وسائل الإعلام الترويج له، وشعور المصريين بأنهم يمضون فى الطريق الصحيح، وأن نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى قد أعاد إليهم الأمل فى استعادة لحمتهم ووحدتهم، وأن « خارطة طريق المستقبل » تمضى الآن بخطوات واثقة تماما، لاسيما بعد أن تم التوافق على الدستور الجديد، الذى سيجرى الاستفتاء عليه فى مدى زمنى قليل، لتجرى بعده الانتخابات البرلمانية فى فبراير أو مارس المقبلين، تليها الانتخابات الرئاسية، وهو ما يتيح لمصر استكمال مؤسساتها الدستورية، ومشاركة كل أطياف الشعب فى العمل السياسى، دون إقصاء لأحد، أو استبعاد توجه أو فكر، فالكل أبناء وطن واحد، يسعون إلى خيره ومجده .
إن الرسالة الأولى التى يجب توجيهها إلى رئيس مصر القادم، هى أن يضع رفع معدل النمو الاقتصادى فى مقدمة أولوياته، ويكفى ما عاناه المصريون من انفلات أمنى وتدهور اقتصادى ما يقرب من ثلاث سنوات، انتزعوا فيها قرارهم وحريتهم، وينتظرون أن تتبوأ مصر المكان الذى تستحقه .
إن مصر عمق الأمة العربية الاستراتيجى ينتظرها مستقبل اقتصادى واعد، بفضل الاستثمارات الهائلة التى سوف تتدفق عليها، خاصة من أشقائها فى الخليج، والتى ستمكنها من العودة إلى مكانتها الطبيعية كدولة إقليمية رائدة كانت وستبقى أم الدنيا.
وإذا كانت مصر قد أسدت إلى أمتها الكثير، وقدمت الكثير، وساندت أشقاءها فى كل مكان من أرض العروبة، فإن أشقاءها مطالبون الآن برد الجميل لها، والوقوف بجانبها ومساندتها، حتى تسترد عافيتها، وتعود إلى سابق مكانتها، رائدة وقائدة، ومركز ثقل فى المنطقة كلها، صحيح أن الكويت ومعها شقيقاتها من دول مجلس التعاون الخليجى قد بادرت بالفعل إلى دعم مصر، ليس فقط اقتصاديا وماليا، بل وقدمت لها أيضا الدعم السياسى والمعنوى الذى كانت فى حاجة إليه بالفعل، والذى شكل لها سندا وظهيرا، وأعاد ترتيب المعادلة الدولية فى الموقف من مصر بعد ثورة 30 يونيو.. لكن من المهم جدا الآن أن يتواصل هذا الدعم ويتضاعف، وأن يشعر به الشعب ويلمس نتائجه على الأرض، كى تنتهى أزماته المعيشية، ويبدأ مرحلة النهوض والبناء، ويتفرغ للتنمية وتكريس الاستقرار وتعزيز الازدهار .
من القاهرة قلب العرب والعروبة، نجدد التحية لمصر، وقد اطمأنت قلوبنا إلى أنها - بحمد الله - على الطريق الصحيح.
* رئيس تحرير صحيفة الخليج الكويتية .