لم أجد عنوانا للمقال أبلغ من اسمك مجرداً، لقد حفرت بأظافرك تاريخاً وأنت لا تدركين، كل ما هنالك أنك شعرت بأنك جزء من هذا الوطن، رغم أنك لا تملكين من الوطن شيئاً، بل إن الوطن قد أسقطك من حساباته، وتركك فى قاعه لا تملكين من حطام الدنيا شيئا، أنا أعلم أنك لا تقربين محلاً للجزارة أو محلاً للفاكهة، وتشترين بالكاد أنواع الخضروات رخيصة الثمن وضيعة الجودة لتدفعين بها الجوع.
اعتصرتنى ألماً قولتك عن آخر مرة أكلت فيها لحماً، كيلو جرام دفعه إليك أحد المضحين فى عيد الأضحى ليقطع عليك حرمانك الطويل من هذا الصنف من الطعام، كيف اقتسمتموه بينكم يا أمى؟. هالنى ذهولك من ثمن الكيلو جرام من البطاطس الذى بلغ ستة جنيهات وهى الوجبة الشعبية التى يعتمد عليها الفقراء، لقد سرقوها منك كى يصنعوها ويتربحوا من وراء تجارتها الربح الوفير، مثلها فى ذلك مثل باقى الخضروات التى دخلت حيز التصنيع السريع والرخيص، لأن الخامات موجودة تحت أقدام المستثمرين، فبدلاً من الدخول فى مجال الصناعات الإستراتيجية والثقيلة والصناعات الوسيطة يجرى الدخول فى الصناعات الغذائية التى تسرق القوت اليومى لساكنى قاع المجتمع، أولئك الناس الذين سقطوا من حسابات الناس عمداً أو سهواً، لقد كشفت يا أمى- وأنت لا تدركين- سوءة المجتمع المصرى، مجتمع النخبة والثروة الذى داس بعنف محطماً عنقك دون أن يشعر أو يحس حتى ولو أدرك وجودك، أعلم أن هناك من ينظر إليك شذراً وتأففاً وقد اعتلت ملامحه آيات التطير والقرف، هم لا يدركون- يا أمى- أن كلابهم تشاطركم الهياكل العظمية للدجاج، وكذا الأجنحة والأرجل التى تعد وجبة ترفيهية لك ولأبنائك، ولو أدركوا لنازعوك عليها بالسلاح.
الثورة بالنسبة لهم ترف لأوقات الفراغ، ورغبة فى إزاحة طابع الرتابة والملل الذين يعتريان حياة المترفين، ونوع من الوجاهة الاجتماعية التى تدفع للترقى والصعود فيما بينهم، وانتصاراً لأيديولوجية فى مواجهة أخرى، أما أنت يا أمى فقد استلفت جنيهين من جارتك لمجرد إحساسك بأن الوطن الذى أسقطك من حساباته فى حاجة إليك، وضعت جوعك تحت شبشبك انتصاراً للوطن، جاءت أضواء الكاميرات إليك بعد أن جذبتها بساطة ملبسك وكرمشة ملامحك العجوز، فإذا بأحد الموتورين يزاحمك المشهد رافعاً أمام الكاميرات علامة رابعة، وعند محاولتك الدفاع عن حقك فى عدم المزاحمة.
آه يا أمى، صفعك على خدك فنزلت صفعته على وجهى، إخوانى موتور تربى تربية عكسية فى مدرسة البنا، فبدلاً من تتميم مكارم الأخلاق هب لهدمها وتقويضها فى النفوس، هى هى نفس التربية العكسية، أو التربية فى الاتجاه المعاكس التى تدفع أصحاب هذا الاتجاه إلى تشويه كل فعل نبيل يصدر عن غيرهم، فنبلهم مصطنع ومغرض، ويظنون غيرهم مثلهم، أما نبلك- يا أمى- فنبل ذاتى يصدر عنك بعفوية تضيق بها صدور المغرضين، لقد رأيت فرحتك الطفولية- وأنت السيدة العجوز- عندما بشرت بالعمرة، فرحة دمعة دالة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عندما سألك المذيع عن الزيت والسكر، فرددت بشمم وإباء من لديه ما يفيض عن حاجته بأنك رفضت أخذه، وعندما استفسر عن العلة وراء رفضك رددت بفطرتك: حرام يا ولدى، إنه رشوة، نعم يا أمى، "تموت الحرة ولا تأكل بثدييها"، درس قاس يا أمى لا يفهمه إلا الأحرار، جميل- يا أمى- ذلك التلاحم والتفاعل الذى تبدى من بعض المصريين معك، والأجمل والأروع ما فعله الفريق السيسى عندما أرسل إليك ليلتقيك فى مقر وزارة الدفاع، وزارة الدفاع المصرية فى شرف استقبال أم أشرف، إنسانية فياضة تدفقت بتقبيل هذا الرجل لرأسك تطييباً لخاطرك، وإخباره إياك بأن الصفعة قد لطمت وجه مصر لا وجهك، وأنه آت بحقك لا محالة، سالت من عينيك الدموع وسط مشاعر مضطربة، فنهض على إثرها رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى ليمسح عنك تلك الدموع، تلك هى مصر يا أمى.
السيدة التى صفعها الإخوان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى ابوجبل
استاذ حسن زايد راجل محترم وصحفى عظيم
موضوع رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
EBRAHIMELTIB
نعم ابكتنى مرتين
عدد الردود 0
بواسطة:
علا سماحه دقهلية
الله الله
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى ضي
ست شريفة ومحترمة
عدد الردود 0
بواسطة:
ده حال كل المصريين
مواطن غلبان مش لاقى ياكل
عدد الردود 0
بواسطة:
سهير ابراهيم
مصر