"كونكور فايف" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013 08:58 ص
"كونكور فايف" قصة قصيرة لشريف عبد المجيد شريف عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الطريق مفتوح وجيد، ضبط صوت جهاز الـ«سى دي» الموجود بالسيارة، أغلق الزجاج، وبدأ فى تشغيل المكيف، ضبط المؤشر على رقم واحد؛ فهو لا يتحمل البرد منذ صغره، وعندما تأتيه الأنفلونزا تظل معه لمدة خمسة أيام على الأقل، وتنتابه كحة شديدة لا تتوقف. هو متجه الآن إلى المستشفى ليحضر زوجته وابنته الصغيرة ذات الأربع سنوات بعد أن أجرت عملية اللوزتين.

صوت آذان المغرب يتصاعد من العربات المجاورة له، كان معه الطعام الذى جهزته زوجته لإفطاره، وعلبة عصير، أوقفه أحد الشباب ليعطيه تمراً ومعه شاب آخر يقدم عصيرًا فى كوب بلاستيكى، وبينما تسير السيارة فى طريقها المعتاد، يرى السيارات التى تسبقه فى الطريق ترجع للخلف، لا يعرف ماذا يحدث، أنزل زجاج سيارته وسأل أحد الأشخاص، أخبره أن هناك مظاهرات فى شارع رمسيس، وأن الطريق الذى يسلكه والمؤدى لكوبرى 6 أكتوبر سيكون ساحة لمعركة كبيرة، حمد الله على أنه لم يكن فى الكوبرى، وأن بإمكانه أن يرجع سريعا.

قرر أن يسلك طريقًا آخرًا، اتصل بأحد أصدقائه وأخبره أنهم كانوا يحتجزون الناس فى ميدان الجيزة، وقد هرب من هذه المعركة قبل الإفطار، وربما سيكون هناك معركة بعد قليل على كوبرى 6 أكتوبر، اقترح عليه صديقه أن يتحرك سريعًا ويتجه للطريق الدائرى من ناحية الكورنيش، وجدها فكرة مناسبة وأنهى المكالمة سريعا ليكمل صديقه إفطاره.

تذكر المرة التى تواجد فيها بين المؤيدين والمعارضين، حيث تهشم زجاج سيارته وهرب وتركها، وعندما تحركوا لمكان آخر كان قد شاهد أبواب المحلات المهشمة والإطارات المشتعلة فى وسط الطريق، حيث ترك السيارة وأكمل طريقة مترجلا.

شغل الراديو الموجود فى السيارة ليسمع الأخبار، نظر فى الساعة الديجيتال وجدها تشير للثامنة، وصل إلى ميدان عبد المنعم رياض واتجه منه إلى كورنيش النيل، كانت حركة السيارات بطئية، أعلن الراديو عن سقوط قتيلين فى ميدان رمسيس، شعر بالغصة فى حلقه، اكتشف أنه نسى دواء الضغط الخاص به «كونكور فايف»، فى الصباح ذهب إلى عمله، وكان قد طلب من زوجته أن تأخذ إجازة من عملها فى ذلك اليوم، وتذهب بالبنت إلى المستشفى لإجراء العملية، على أن يأتى ليأخذهما بعد الفطار.

كان يفكر أن يذهب معهما ولكن لم يكن له رصيد من الإجازات، وصل لأول طريق المعادى، سيتجه بعد ذلك للدائرى ومنه إلى طريق العين السخنة، حيث سيأخذ وصلة الدائرى الجديد ثم ينزل إلى طريق النزهة عند المستشفى. الطبيب لديه عيادة أخرى فى الدقى ولكن اختار هو وزوجته عيادة مصر الجديدة لأنها أفضل برغم بعد المسافة عن منزله.

توقف أمام صيدلية قبل الصعود للدائري:
-عندك كونكور فايف.
-لأ مش هتلاقيه.
-ليه كده؟
-أنت عارف الأدوية كلها شَحّة فى السوق
-طب أعمل إيه
-ممكن تاخد "كونكور تن" وتاخد نص حباية.
أو تاخد كونكور اتنين ونص وتاخد حبايتين.
-مفيش حل تاني؟
-والله ده اللى عندي.
-خلاص هاخد كونكور تن.
-اتفضل.
خرج من الصيدلية. ركب السيارة وأكمل الطريق للدائرى، اتصل بزوجته:
-إية الأخبار يا حبيبتي؟
-الحمد لله.
-البنت عاملة إيه؟
-خلاص عملنا العملية الحمد لله.
-طيب عايز أكلمها.
-لسه مافاقتش من البنج.
-طيب هى عاملة إيه؟ .
- كويسة والله.. كوسية
- طب الحمد لله.
- خللى بالك ما تجيش من ناحية عبد المنعم رياض.

أنا كنت هناك فعلا ودلوقتى لفيت، هنزل على طريق السويس العين السخنة، وهالف من الدائرى وهجيلكم على النزهة.

-طيب خللى بالك من نفسك.
- ربنا يستر.
- سلام.
- سلام.

شغل الراديو مرة أخرى، اكتشف ارتفاع عدد الضحايا إلى أربع، زاد من سرعة السيارة، كانت الأحداث تومض وتختفى على زجاج السيارة، أحداث الأيام الأولى فى الثورة، وكيف كان عالقًا فى إحداها فى شارع الفلكى، لم يستطع الوصول للتحرير، فدخل إلى شارع طلعت حرب ووصل عند المتاريس، ولكن عندما سمع بهجوم الجمال على الميدان خاف وغادر إلى ناحية سينما مترو ثم توجه لميدان مصطفى كامل وعاد لبيته.

يعرف أنه أخطأ وشعر بالخجل، ولكنه خاف ولم يقل لأحد أبدا أنه ترك الميدان فى ذلك اليوم، تذكر بعد ذلك ما حدث فى محمد محمود، كان يوما صعبًا جدًّا ولكنه قاوم وأصيب بالغاز وكاد يصيبه الدوار، أصوات قنابل الغاز ودخانها، الشباب الذين لا يعرفهم ومعهم زجاجات الخل، وهم يرشونها على كل من يشعر بدوار، ثم النار التى أشعلوها فى الخيش وفى الأخشاب لتخفف من أثر قنابل الغاز، سائقو الموتسيكلات الذين ينقلون المصابين وكيف قاموا بدور سيارات الإسعاف، ضربات الرصاص الحى والخرطوش والمطاطى، أيام لا يمكن نسيانها. ثم ما حدث فى عام كامل من حكم الأهل والعشيرة.

وتذكر ذلك الحلم الذى ظل يطارده طوال ذلك العام بأن مياه فيضان النيل قد أغرقت الحرث والزرع، وذلك بعد انهيار السد العالى من شدة اندفاع الماء، وهروب الأهالى من بيوتهم، وبكاء النساء وصراخ الأطفال، وغرق البهائم وانهيار البيوت، وغرق الكبار فى الماء، والنخيل الذى صارت فروعه هى ما تبقى منة داخل الماء، وكيف كان يشعر بعد استيقاظه، وكان يسأل نفسه هل ما يحدث الآن هو حرب أهلية. وصل إلى النزلة المخصصة على طريق العين السخنة، عند مدخل مساكن شيراتون، برغم طول الطريق إلا أنه أكثر أمنًا. واصل راديو السيارة إحصاءه للضحايا، ماذا سيحدث فى الأيام القادمة؟ كلما حاول أن يغير المحطة يعود مرة أخرى ليتعرف على الأخبار.

وصل المستشفى، وجد زوجته جالسة أمام باب الطوارئ، فالحجز قد انتهى.
قبّل إبنته ثم فتح باب السيارة الخلفى وركبت زوجته ثم ناولها الابنة النائمة، وضع حاجيات البنت وغياراتها فى الشنطة الخلفية، شغل محرك السيارة وهو يحاول أن يتجنب أماكن الاشتباكات مرة أخرى، سارت السيارة بسرعة وهو يتمنى أن يعود لبيته سالما، وأن يتناول السحور مع عائلته، وبينما يحاول المرور بين السيارت، كان قد غير قناة الراديو لقناة موسيقية محاولا أن يستعيد الشعور بالأمان هو وعائلته، برغم الخوف والقلق المحيط بهم.






مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

دهب

جيده ولكن

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة