لا تتعجب عزيزى القارئ المحترم من عنوان المقال، فبالفعل الكذب صناعة وهناك مصانع لإنتاجه مثلها تماما مثل الصناعات الغذائية والمقارنة بسيطة، ومؤكدة فالمواد الغذائية المصنعة عندما تتناولها تعطى الجسم الطاقة التى تساعد على نمو الجسد، وكذلك هو الكذب عند التعود عليه فى الصغر فإنه ينمو مع هذا الجسد حتى لا يكاد الشخص الكذاب يكون بمقدوره التخلص منه، فالكذب يصير طبيعة عند أهله، ولن أبحر بك عزيزى القارئ فى خضم ما يدعونا إليه ديننا الحنيف والأخلاقيات السليمة التى فطر الله الناس عليها ولكنى كنوع من التذكير فقط أورد لك فقرة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (يظل الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) وهناك الكثير من هدى الرسول الكريم (ص) فى هذا الصدد، ولكنى قصدت من عنوان المقال أن أوضح لك كيفية صناعة الكذب فهى تبدأ منذ الطفولة (بالكذب الأبيض) كما يحب الكاذبون توصيفه عندما يقول الوالد لولده (الطفل) إذا سأل عنى أحد قول له أننى (غير موجود) جملة للأسف تمر مرور الكرام على البعض ويستخدمها الكثير والكثير من الناس،
فقد تناسى هذا الوالد أن طفله فى مرحلة بناء واكتساب للمفاهيم والسلوكيات وبناء الشخصية ففى نظر الوالد هى كذبة (بيضاء) يتبعها هذا الطفل بكذبة صفراء وأخرى حمراء حتى يتم هذا الطفل ألوان الطيف جميعها ليفرخ للمجتمع (إنسان كذاب متحرى للكذب) ولقد شرعت فى كتابة هذا المقال بهذا العنوان بعد موقف قد يكون ظريف عند البعض حيث قابلنى أحد أصدقائى ليشتكى لى همه وأن أحد الأشخاص يعلم ابنه الكذب فقلت له (وكيف كان ذلك) على طريقة كتاب (كليلة ودمنة) فقال إنه يعلم ابنى فنيات الكذب فانتابتنى نوبة من الضحك وقلت له (وكمان للكذب فنيات) قال نعم، فهو يقول لابنى عندما تكذب يجب أن يكون عندك ثبات انفعالى وأن تنظر بكل جرأة فى عين من تكذب عليه،
بحيث تثبت له صدق كلامك بل تجبره على تصديقك، بل ويقول له كرر الكذب أكثر من مرة عليه حتى تصدق أنت كذبك فلو صدقت نفسك، سوف يكون تأثيرك أقوى على الغير، تركت صديقى لهمومه وآلامه ليعيد لابنه بعض القيم التى كاد هذا الكاذب أن يلحقها بذاك الطفل وبدأت أفكر فيما وصلنا إليه من أخلاقيات غاية فى السوء وعلى رأسها الكذب بل ونجد مدربين له ولكن بطريقة جديدة، وتحول الكاذبون فى هذا الزمان ليس فقط للترويج لكذبهم فى المجتمع بل يريد هؤلاء مشكورون أن يجعلوا من خلفهم أجيالا أخرى تحذو حذوهم وتحمل مشعل الكذب من بعدهم كما أن هناك أسوأ أنواع الكذب وهو المغلف بطبقة من التدين وهو ما يسمى (بالتقية) وهو ما يستغله البعض بأقذر الأفعال ثم يغلفه بقوله (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا النوع من الكذب أكثر أنواع الكذب تنظيما وشيوعا ويقوم عليه مدربون على أعلى مستوى من التدنى الأخلاقى للوصول لغاية فى أنفسهم المريضة.
عزيزى القارئ ابدأ بنفسك وراقب تصرفاتك وحافظ على عقلك من الكاذبين وعليك أن تتابع أبناءك، فإن معظم النار من مستصغر الشرر.
صورة ارشيفية