هناك من دفع بحياته ثمنا لكلماته، وهناك من تقوقع وصومعته ينعى كلماته ويستر نفسه بأوراق!.
هناك من وقف على الحياد وجامل واستكان، وهناك من صمت وعاش جبان.
هناك كلمة لها أجنحة النسور تصعد بنا إلى السماء وتفعل منا معجزات، وهناك كلمة شرسة تنهش فى العصفور، شراستها تسبقها، وليس لها ماء يحفظ وجهها!.
وهناك وجوه مشرقة بكلمات، يوم تتعتم الأيام ويتسرب اليأس إلى النفس، نبحث عنها ببكاء أطفال صادق فى التأثير وقوى فى التأثر، كلمات تمطر لها السحب ويتوارى منها الضباب فتشرق لتزيح الظلام، تدرك معنى التشاؤم وتعيه جيدا وتفهم عواقبه، فتفلت منه بالتفاؤل، وما أحوجنا لهذه الكلمات يوم جفاف النبات، يقولون عنها كلمات تفوح برائحة الورود متفائلة، ولكنى أرى فى باطنها أنهار مياه حية بالإيمان.
هناك كلمة تطعن فى الخلف ولا يجرأ صاحبها البوح بها فى الوجه، باختصار لأنه جبان، يتمنى الشر!، يهواه ويخشاه!، صاحب التناقض ذو الخيال المريض، مع الأيام صار بيته زجاج.
وهذا محترف فن السخرية من ثقل حياته يفرج عنها بكلمات "قفشات" ولكنها تحمل فى طيتها معانى يقشعر لها الوجدان.
وآخرون حكمت عليهم الحياة بظروف قاسية، خذلتهم منذ نعومة أظافرهم، ونقشت على وجوههم كلمات تعلو الجبين وتسكن العينين، كلمات تتعثر منها الشفاه فتتبعثر حروفها، وهنا يأتى دورك: عليك أن تعيها وتفهمها بدون أن تسمعها!
وهناك من يسبح مع التيار ويفبرك كلماته لصالح راحة باله، ينصف ويشمت فى آن واحد! وأين له من مبدأ؟!، بكلمته يرفض بشدة أن يسبح ضد التيار، يتحاشى عواقبه القوية أن تفضح أمره الضعيف وحجمه الصغير، يهاجم من باب الهجوم وليس له حجة!، ويهتف من باب الهتاف بكلمات كما القطيع!. بالون!! ننبهر به وبألوانه، وفى زمن الأشواك نبحث عنه فلا نجده!.
وعاش صاحب الكلمة المنصفة فى يوم تحوج لها النفس وتتعطش لها الأذان، زمن يعلو فيه صراخ الكهل ليرثى به الطفل وتنقلب الأوزان!. بكلمته حفر بأصابعه اسمه فى التاريخ وتحمل العناء وجازف بالعواقب لكى ما يتشبث بالمبدأ، شلالات من الكلمات تعجز عن أن تعطيه حقه، فقط أدعو له بالحياة.
الكلمة رسالة، هناك من يرسلها لنا وهناك من يرسلها لنفسه، هناك من يأخذ بأنصاف الحلول ويمسك العصا من الوسط، ويعيش على الحياد، ويغربل كلماته ويفبركها ويتوهم أنه تنحى عن غبارها، وأراح نفسه! ولكنه فى الحقيقة سوف يعانى مر المعاناة، فما زرعه الإنسان إياه يحصد، الكلمة الصادقة والكلمة المفبركة كليهما لهم ضريبة، وعليك أن تتحمل ضريبتك قبل أن تختار كلمتك، وتدرك أن هناك من يمضى وتمضى كلمته وهناك من يمضى وتستمر كلمته، الكلمة مبدأ إما أن يعلو برأسك وإما أن ينكس رأسك!، ولك الاختيار.
تمارا سعد فهيم تكتب:صومعة وفبركة وكلمة صادقة
الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013 04:03 م