أعتذر إذا كانت القافية - كما يقول أولاد البلد - قد حكمت، فبينما أتابع التعليقات حول محاكمة الرئيس السابق محمد مرسى، لاحظت تكراره استخدام عبارة: «أنا الرئيس الشرعى»، بشكل استدعى إلى ذهنى ذلك المشهد الكوميدى فى فيلم لفؤاد المهندس لأحد الشخصيات التى تشكو من قصر قامتها، فنصحها الطبيب النفسى أن تكرر لنفسها وبشكل مستمر عبارة: «أنا مش قصير قزعة، أنا طويل وأهبل»، ووجه المقارنة هنا هى حالة الإنكار، لأنه لا القصير سوف يصبح طويلاً، ولا الرئيس لايزال رئيسا.
ولقد تناولت «حالة الإنكار» هذه فى مقال سابق لى لوصف أسلوب إدارة البلاد ونشرته أثناء حكم مرسى، وهذه الحالة ليس ميئوساً منها، ويمكن، بل ومن المهم علاجها، لأن آثارها لا تتعلق بالمريض شخصياً، وإنما للأسف تؤثر سلباً على قطاع من الجماهير، حيث تنتقل العدوى بشكل يهدد الصحة النفسية للمجتمع.
وأرجو ألا يعتبر من يختلف معى فى الرأى أننى أسخر أو أحط من شأن أحد، لأن تلك المقابلة الكوميدية تقفز إلى الذهن مباشرة، ورغم ما يبدو من التناول الساخر الظاهرى، إلا أنه محاولة جادة تفتش خلف هذا الظاهر عن تفسير وعلاج.
ولابد هنا أن نلاحظ أن رئاسة الجمهورية ليست إحدى الصفات الشخصية أو الممتلكات الفردية لأى إنسان، وإنما هى وظيفة شأنها شأن أى وظيفة تخضع لما يسمى التوصيف الوظيفى وشروط التعاقد، ولعل الدكتور مرسى فى حاجة كى يراجع ذلك.
عندما أصدر الرئيس السابق إعلانه الدستورى المشؤوم فى 21 نوفمبر 2012، وقبلها تخلص من رؤوس المجلس العسكرى السابق، بدا أنه رغم أن العسكريين يفترض أنهم خبراء فى الضربة الخاطفة «Blitzkrieg»، إلا أنهم نالوا ضربة خاطفة من مهندس مدنى متخصص فى الفلزات، والناس كما نعرف جميعاً.. معادن.
وقتها كانت أى محاولة للفهم والتحليل تشبه التنجيم وضرب الودع، فالقرارات تصدر، ثم تتقارع سيوف أهل القانون والسياسة مؤيدة ومعارضة، دون تفسير شاف كاف واف لهذا القرار أو ذاك.. لماذا صدر قرار دعوة مجلس الشعب للانعقاد؟، لماذا أقسم الرئيس أمام الناس فى ميدان التحرير، وأمام المحكمة الدستورية، وأمام جموع فى جامعة القاهرة من بينهم أعضاء مجلس الشعب المنحل / المعاد / المنحل؟؟..
كان من الواضح أن ذلك كان جزءا من خطة الإخوان المسلمين لبسط سلطتهم المطلقة على حكم مصر، بعد خطوات أخرى للسيطرة على الإعلام، وضمانهم السيطرة على السلطة التشريعية بمجلسيها، ثم إن كتابة الدستور نفسه أصبحت خالصة لأقلام الإخوان.. ولكن لم يسأل أهل الحكم وقتها عما إذا كان ذلك التسلط يتماشى مع وعود الرئيس العديدة سواء أثناء حملته الانتخابية أو بعد انتخابه رئيساً؟؟..
مما سبق يتضح أن الرئيس السابق نفسه كان أول من انقلب على الشرعية وأصابها باهتزاز أدى فى النهاية إلى سقوطه بينما يتعلق هو وأتباعه بتكرار كلمة «الشرعية» التى حرص على إفراغها من مضمونها، وعليهم الآن الاعتراف بتلك الحقيقة والتسليم بما ترتب عليها، فلن يجدى الرئيس السابق أن يواصل تكرار عبارة «أنا الرئيس» قبل الطعام وبعده، وإنما عليه أن يعد دفاعه القانونى حتى يثبت براءته من الاتهامات الخطيرة الموجهة إليه.