مدحت صفوت يكتب: تراث فلسطين الضائع.. "خان العمدان" أنموذجًا

الجمعة، 01 نوفمبر 2013 06:24 م
مدحت صفوت يكتب: تراث فلسطين الضائع.. "خان العمدان" أنموذجًا خان العمدان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يُعانى الفلسطينيون، مُنذ قرنٍ تقريبًا، من أعظم مأساةِ إنسانية عرفها تاريخُ البشرية، فمنذ نشأةِ الكيان الصهيونى وجريمة سرقة الأرض والتشريد والتهجير والمجازر والقتل واقتلاع الشجر والحجر تتم، يوميًّا، فى وضح النهار وأمام أعين العالم، وتبرير القوى الإمبريالية والرجعية.

قدرُ فلسطين ليس فقط سرقة الأرض وقتل الأبناء، ومصائبُ الفلسطينيين ليست فى مواجهة مجنزرات وآليات العدو "جيش الدفاع" فحسب، فبجانب ذلك تقوم إسرائيلُ وبشكلٍ ممنهجٍ بسرقة التراث الفلسطينى وطمس الذاكرة الوطنية، وهدم وتدمير وتخريب المواقع الأثرية، وبطرقٍ شتى، كان أحدثُ المواقع "خان العمدان" أحد أهم الأمكنة الأثرية فى مدينة عكّا، حيثُ أعلنت كلّ من دائرة أراضى إسرائيل ووزارة السياحة الصهيونية عن مناقصة ثانية "2013" لبيع "الخان" وتحويله إلى فندق يضم 200 غرفة.

وبحسب "جمعية الياطر"، جمعية للتنمية الثقافية والاجتماعية فى عكا، ومجموعة "فلسطينيات" من أجلِ حراكٍ وطنى ومدنى، فإن المناقصةَ "الثانية" تضّم بيع خانى العمدان والشونة لتحويله إلى مجمع تجارى وبيع الحمام الصغير "الحمام الشعبى التابع للأوقاف الفلسطينية"، إضافة لذلك تضم المناقصة عشرات العقارات والبيوت.

الصمتُ على المناقصة التى تَطالُ سكان مدينة "الرمل الحار" أنفسهم، عارٌ جديدٌ يُضاف إلى قائمة "الخِزى العربى"، حيثُ إنَّ المناقصة تشترط إخلاء 36 ساكنًا من المنطقة، وتهددُ أنّه فى حال عدم إخلاء السكان خلال 5 سنوات فسوف يتم تغريمهم بمبلغ 10 ملايين شيكل "20 مليون جنيهًا مصريًا تقريبًا أى 3 مليون دولار". فى حين تكمن أهمية الخان التاريخية فى تاريخ بنائه الذى يعود إلى سنة 1785، فبحسب "ويكبيديا"، فقد أقام خان العمدان أحمد باشا الجزار، وهو مبنى مربع الشكل من طابقين يرتكز على أعمدة من الجرانيت جلبها الجزار من "قيسارية". وبُنى برج الساعة سنة 1906 بمناسبة اليوبيل الخامس والعشرين لجلوس السلطان عبد الحميد الثانى على العرش فى إسطنبول.

سكانُ المدينة الكنعانية القديمة، يعانون ضمن معاناة الشعب بأكمله، فالتهجير القسرى يسير على قدم وساق، وتغيير التركيبة السكانية للمدينة- "التى تجيء وتروح مع الموج" بتعبير محمود درويش- قائمٌ طوال الوقت، إلى أن وصلت نسبة اليهود 67.1٪ من سكان "عكو" بتسمية العهد القديم، فيما لا يشكل العرب "مسلمون ومسيحيون" سوى 30% فقط. ومع ذلك لم يقف فلسطينيو الداخل مكتوفى الأيدى، حيث تظاهر المئات من مواطنى مدينة عكا، ضد انتهاك الأوقاف من قبل السلطات الإسرائيلية بمساندة شركة تطوير عكا والشركة الاقتصادية.

من جانبنا، سبق وأن كتبنا عن تهويد مدارس القدس الشرقية، معتقدين أن "أسرلة العقول" أكثر خطورة، لكن هذا لا يعنى الصمتَ على "تهويد التراث"، وطمس الذاكرة الشفاهية والمادية، فالأمر ليس بعيدًا على عمليات غسل "المخ"، وإنتاج أجيال بلا ذاكرة، وتكريس الأساطير الصهيونية.

نعتقد أن الحل ليس بالولولة والصراخ، ولا الاكتفاء بالاحتجاج والتنديد، وإن ظلّ للتظاهر والاعتصام بمقر المواقع التراثية "المهددة" قيمته وتأثيره، لكن الأمرَ أخطرٌ ويتطلب خطواتٍ عملية، من شأنها الدفاع عن الموروث وحمايته وصونه بشكل عام وليس الدفاع عن الآثار الفلسطينية فقط.

وإذ نقترح حلولا، فإننا نقدم رؤية تتعطش للتضافر مع خطوات وتصورات أخرى من أجل "الذاكرة الفلسطينية" والعربية، وتكمنُ الحلولُ فى تقديم التسهيلات لـ"مركز التراث الفلسطيني"، والجماعات والكيانات العاملة بمجال صون التراث وتنميته بالأراضى المحتلة، وتقديم يد العون المادية والإدارية؛ لتنفيذ المهام، وتحقيق الأهداف والمرام. كذلك العمل، فى إطار جماعى وتكاملى، على إعداد وتأهيل مجموعة من الباحثين الميدانيين الفلسطينيين، وتنمية المهارات العلمية والمهنية والموضوعية فى جمع التراث، والتعامل مع النصوص التراثية، والتدريب على كيفية التغلب على المصاعب الميدانية. والعمل، من الكيانات الناشطة بالداخل أو بأراضى السلطة، على وضع أسس مشروع قومى لجمع الموروث، تتم فيه عمليات الجمع على مراحل ميدانية وزمنية محددة.

يأتى ما سبق ضمن أهمية السعى، من قبل المؤسسات الحكومية العربية و"جامعة الدول"، نحو إنشاء أرشيف فولكلورى، يقومُ على العلمية، ويسايرُ النظم العالمية، مع الاستفادة من التجارب العربية التى لها من الخبرة فى هذا المجال، مع إصدار دوريتين متخصصتين فى التراث الشعبى والأثرى، لنشر الدراسات الفولكلورية والأثرية الخاصة بالمجتمع الفلسطينى. وتكليف الشركات الكبرى المتخصصة فى ترميم الآثار بعمليات موسعة لكافة المواقع الأثرية بفلسطين التاريخية.

ونقترح على الأكاديميات العربية تزويد المكتبات الفلسطينية بالإصدارات والمنشورات العربية والأجنبية “كتب، مجلات، دوريات، مطبوعات، الخ” التى تهتم بدراسة الفولكلور والآثار، لتمكين الباحثين من الإطلاع عليها، والإسهام فى إنشاء كرسيين متخصصين للأدب الشعبى وصيانة الآثار وترميمها بالجامعات الفلسطينية، وتشجيع طلاب الدراسات العليا لدراسة الموروث الشعبى فى مراحل الماجستير والدكتوراه، وتقديم تسهيلات لطلبة فلسطين بالجامعات العربية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة