تشكو العديد من الآثار العثمانية فى بيروت من حالة إهمال تنتظر من يضع نهاية لها، وينفض عنها "التراب" لتعود إلى لمعانها.
وأعيد ترميم بعض المنشآت العثمانية بلبنان، بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، لاستخدامها كمراكز رسمية للعديد من مؤسسات الدولة اللبنانية، بحسب عدد من المؤرخين والمعنيين بشأن التراث العثمانى، لكن البعض الآخر لا يزال يعانى التجاهل.
ويعتبر كثير من اللبنانيين أن إعادة ترميم الآثار الخاصة بالمرحلة العثمانية المنتشرة فى العديد من مناطق العاصمة خطوة مهمة للغاية، للحفاظ على حضارة وتاريخ العاصمة وإعادة الذاكرة إلى زمن يحن إليه البعض.
ويقول مسئولون عن عمليات ترميم الآثار فى مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية لوكالة الأناضول إنهم سعوا خلال الفترة الماضية للبدء بترميم الآثار العثمانية فى بيروت بالتعاون مع السفارة التركية، إلا أن هذه المساعى "لم تؤد إلى نتائج ملموسة عمليا بسبب الظروف الأمنية والتطورات التى يشهدها لبنان".
ورأى المهندس اللبنانى المختص فى التاريخ العثمانى، خالد عمر تدمرى، أن كثيراً من الآثار العثمانية التى مازالت فى بيروت، تعانى اليوم من "إهمال واضح لا يخفى على الناظرين".
وعدد تدمرى، فى تصريحات لوكالة الأناضول، تلك الآثار، قائلا: أهمها محطة قطار بيروت ــ دمشق التى تأسست عام 1895 فى منطقة مار مخائيل شمالى بيروت، التى تعانى من إهمال فى كثير من جوانبها، باستثناء مبنى المسافرين فيها الذى رمّم نهاية القرن الماضى لاستخدامه كمقر لإدارة السكك الحديدية فى لبنان.
واعتبر أنه لو تم ترميم هذه المحطة بالشكل المطلوب، لتحولت إلى "متحف مهم جدا" لاحتوائها على عدد كبير من عربات القطار العثمانى القديم.
وتعود السكك الحديدية اللبنانية إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى إبان العهد العثمانى، عندما قررت الدولة العثمانية فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى، أن تمد سككاً حديدية تربط بين اسطنبول والحجاز لتسهيل وصول الحجاج إلى بيت الله الحرام.
وتوقفت جميع خطوط السكك الحديدية فى لبنان عن العمل خلال عام 1975 عند اندلاع الحرب الأهلية بالبلاد.
وأضاف تدمرى، أنه من "الأماكن العثمانية المهملة كذلك فى بيروت، المحجر الصحى المعروف بمستشفى الكرنتينا حالياً"، مشيراً إلى أنه "يعانى من اهتراء كبير وهو بحاجة ماسة إلى الترميم والصيانة العاجلة".
وعرج تدمرى على معلم كان مهما بالنسبة لأهل بيروت وهو السبيل الحميدى، الذى أقامه أهل بيروت عام 1902 بمناسبة مرور 25 عاما على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثانى كرسى الخلافة (فى أغسطس 1876)، مشيرا إلى أن السبيل كان يتوسط "ساحة عالسور" المعروفة اليوم بـ"ساحة رياض الصلح".
وأضاف أن بلدية بيروت قامت فى منتصف الستينيات من القرن الماضى، بنقل السبيل إلى داخل حديقة الصنائع المشهورة فى العاصمة، حيث أضحى "سبيلا مقطوعة مياهه"، موضحا أنه أصيب بعدة رصاصات نخرت نقوشها التاريخية وحطّمت الهلال الرخامى الذى كان يعلوه، وذلك أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين عامى 1975 و1990.
وكشف تدمرى أنه كان من المقرر قبل عامين أن يتم ترميم السبيل الحميدى وحوض حديقة الصنائع العثمانية بهبة من مؤسسة التنمية والتعاون التركية "تيكا"، التابعة لرئاسة الوزراء، مشيرا إلى أن الظروف الحالية التى يشهدها لبنان من "اللا استقرار" أدت إلى عدم إتمام المشروع.
وقال عمر حبلى، وهو من أهالى بيروت فى العقد الثامن من عمره، إن حديقة الصنائع كانت تتميز "بسور وسياج روعة فى الجمال والدقة"، مشيرا إلى أن الكثير من معالم هذا السور العثمانى سرقت فى الماضى واستبدلت اليوم بقطع حديدية لا تتناسب وقيمة السور التاريخية.
وأضاف حبلى لوكالة الأناضول أن الحديقة كانت تضم أيضا نافورة كبيرة تزينها نقوش تاريخية، قائلا: "لقد أصبحت اليوم بخبر كان (أصبحت من الماضى)".
وذكر المهندس تدمرى، أن المدرسة السلطانية العسكرية العثمانية المعروفة اليوم بمدرسة "المقاصد" للبنات فى الباشورة وسط بيروت، تحتاج للترميم من أجل إعادة رونقها ومعالمها العثمانية التى أصبحت اليوم شبه غائبة.
ومن أهم ما ذكره تدمرى مقبرة الباشورة فى بيروت، التى تضم الكثير من العلماء والأولياء والمسؤولين من زمن الخلافة العثمانية وعلى رأسهم قبر والى سوريا أحمد حمدى باشا الذى يعانى اليوم من حال سيئة للغاية تستدعى عملا سريعا من أجل ترميمه وترميم القبة المميزة التى تعلوه وتميزه عن غيره من آلاف القبور فى المقبرة.
ويقع قبر الوالى أحمد حمدى باشا إلى جانب سور المقبرة الذى بناه العثمانيون عام 1892 من أجل فصلها عن المنازل والطرقات.
وختم تدمرى بالإشارة إلى النصب التذكارى المهدوم لحديقة إسماعيل حقى بك (قائد عسكرى عثماني) بمنطقة "برج البراجنة" فى ضاحية بيروت الجنوبية، مؤكداً أنه طلب من بلدية برج البراجنة ترميمه وإعادة بنائه، غير أن البلدية نقلته إلى إحدى مستودعاتها دون ترميمه حتى اليوم.
ويطالب أهالى بيروت بلدية مدينتهم بالكف عن منح التصاريح بالهدم والبناء على أنقاض المبانى والمعالم الأثرية العثمانية.
"التراث العثمانى فى بيروت من مدارس وحدائق ومبان وسكك حديدية من أجمل ملامح مدينتنا التى عشنا بينها طوال عشرات السنين الماضية"، بهذه الجملة اختصر "أبو محمد النصولي"، وهو شيخ بيروتى بالتسعينيات من عمره، ألما يعيش فى قلبه بعد أن "خسرت بيروت اليوم كثيرا من معالمها العثمانية العريقة".
وتمنى النصولى، فى حديثه لوكالة الأناضول، لو أن الدولة اللبنانية اهتمت بتلك الآثار فى الماضى، بدل "بكائنا عليها اليوم"، داعيا الدولة التركية لتحمل مسئولياتها بالتعاون مع الدولة اللبنانية لـ"إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث العثمانى البيروتى، تراث السلاطين والبشاوات".
من جانبه، أكد المؤرخ اللبنانى والأستاذ الجامعى حسان حلاق ما عرضه المهندس خالد تدمرى، داعيا إلى ضرورة العمل السريع من قبل المعنيين فى لبنان وخاصة المديرية العامة للآثار من أجل إعادة ترميم آثار بيروت العثمانية التى بدأت تندثر منذ أن احتل الفرنسيون، "الذين كانوا معادين لكل ما هو عثماني"، لبنان عام 1918 وحتى اليوم.
وقال حلاق للأناضول، إن الاحتلال الفرنسى للبنان، وبحجة توسعة الطرقات فى بيروت والاهتمام بعمرانها، هدم الكثير من الآثار العثمانية وفى مقدمتها الزوايا الدينية الإسلامية التى خسرها أهل بيروت بين عامى 1920 و1943.
وأضاف أن عملية هدم العديد من الآثار العثمانية فى بيروت استمرت بعد استقلال لبنان عن الفرنسيين عام 1943، مشيرا إلى هدم معلم كان من أهم المعالم العثمانية ببيروت بعد الاستقلال عام 1951، وهو السراى الصغير الذى كان مشيدا فى الساحة التى تعرف اليوم بساحة الشهداء وسط بيروت.
ومضى حلاق قائلا إن الحرب الأهلية فى لبنان التى استمرت 15 عاما، أثرت بشكل سلبى على ما تبقى من آثار عثمانية فى بيروت، معتبرا أن ما يمنع الترميم اليوم قد يكون الظروف والأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
ورفض منطق الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 1990 والتى لم تولِ الاهتمام المطلوب بالآثار العثمانية فى بيروت، مشيرا إلى أن "الحكومات الحضارية لا يمكن أن تعتبر أن هناك أجلّ وأفضل من الذاكرة التاريخية التى تربط الإنسان بأرضه وتاريخه".
وذكر أن ما تم ترميمه من تلك الآثار، خاصة المساجد والكنائس، كان على نفقة عدد من رجال الخير والإحسان اللبنانيين والعرب وليس على نفقة الدولة اللبنانية.
وﺑﺤﺴﺐ العديد من المؤرخين اللبنانيين، أوﻟﻰ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن اﻟﻤﺪن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ أهمية ﻛﺒﯿﺮة وﺧﺎﺻﺔ ﺑﯿﺮوت اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ عهد اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ (من ﻋﺎم 1516م وﺣﺘﻰ نهاية اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻷوﻟﻰ 1918) أﻛﺜﺮ ﺛﺮاء ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻷدﺑﯿﺔ واﻟﻌﻤﺮاﻧﯿﺔ، ﻻﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ واﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدى، ﻓﺎزداد ﻋﺪد اﻟﻤﻌﺎھﺪ واﻟﻤﺪارس واﻟﻜﻠﯿﺎت واﻟﺠﻤﻌﯿﺎت واﻟﺼﺤﻒ.
ويعود ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﯿﺮوت إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻋﺎم ﻣﻀﺖ، ﻓﻘﺪ ورد اسمها ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻤﺴﻤﺎرى ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻼد، ﺛﻢ دﺧﻠﺖ، ﻓﻲ ﻏﻀﻮن اﻟﻘﺮن اﻷول ق.م.، ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺴﯿﻄﺮة اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف آﻧﺬاك ﺑﺎﺳﻢ "ﺑﯿﺮﻳﺘﻮس".
وﺑﻌﺪ أن ھﺰم اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻓﻲ واﻗﻌﺔ ﻣﺮج داﺑﻖ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻋﺎم 1516 ﻓﻲ عهد اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ اﻷول، ﻟﻘﻲ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺗﺄﻳﯿﺪاً واﺳﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ وﻋﻠﻰ رأسهم اﻷﻣﯿﺮ "ﻓﺨﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻌﻨﻲ الأول (الذى تولى حكم لبنان آنذاك)".
وھﻜﺬا دﺧﻠﺖ ﺑﯿﺮوت ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺨﻼﻓﺔ الإﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ داﻣﺖ أﻛﺜﺮ 400 ﺳﻨﺔ، ﺣﺘﻰ نهاية اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻷوﻟﻰ، وﺟﺎءت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﺘﺮة اﻻﻧﺘﺪاب اﻟﻔﺮﻧﺴى اﻟﺘى اﺳﺘﻤﺮت ﺣﺘﻰ ﻋﺎم 1943، وھى اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘى ﺣﺼﻞ فيها ﻟﺒﻨﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﻼﻟﻪ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة