خليل الرز: حمل كتاب وقراءته فى سوريا الآن ترفاً لا معقولاً ولا يُطاق

الأربعاء، 09 أكتوبر 2013 11:07 م
خليل الرز: حمل كتاب وقراءته فى سوريا الآن ترفاً لا معقولاً ولا يُطاق صورة أرشيفية
كتبت عزة إبراهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قال الروائى والمترجم السورى خليل الرز، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إنه من الطبيعى أن تؤثر الأحداث الجارية فى سوريا على إنتاج الكتاب وإصداره واستهلاكه، وإذا كانت دار نشر رسمية كالهيئة العامة السورية للكتاب مازالت تنشر الكتب بقوة الاستمرار، فإن دور النشر الخاصة تعانى من مصاعب جدّية فى تسويق الكتاب، ومن ثم الحذر من نشره أصلاً.

وعن الأسباب المباشرة لتراجع القراءة ونشر الكتب فى سوريا، يقول: الأمر يتعلّق أولاً بسعر صرف الليرة السورية الذى جعل ثمن كتاب دور النشر الخاصة أسطورياً بالمقارنة مع الدخل الذى تدنّى أربعة أضعاف على الأقل. وثانياً أثر الأحداث الصاعق فى الناس جذبهم، قراء وغير قراء، إلى الاهتمام أولاً وأخيراً بما يجرى حولهم لفترة طويلة من السنوات الثلاث الأخيرة. وثالثاً النزوح الجماعى الذى لم يسبق له مثيل، والذى طال أكثر من ثلث سكان البلاد، بمن فيهم القراء الأعزاء.

وكذلك بقاء قسم كبير من سكان هذه المناطق الساخنة، التى تشغل الجزء الأكبر من مساحة البلاد، فى أماكنهم، تحت رحمة القصف والتدمير والعوز والفوضى، لافتقارهم لأى خيار آخر إذ لا حيلة بأيديهم ولا وسيلة. كل ذلك جعل، ويجعل، حمل كتاب وقراءته فى طابور الحصول على إعانة الأمم المتحدة أو فى انتظار القذيفة التالية على السقف التالى أو فى توقّع رصاص القنّاصين، ترفاً لا معقولاً ولا يُطاق.

وعن كيف يمر الوقت وسط هذه الأجواء الملتهبة يقول: هنالك أماكن متّصلة بصعوبة لم يصل إليها التدمير حتى الآن، وكذلك جزراً، متفرّقة بين المناطق الملتهبة، آمنةً إلى درجة ما، وإن كانت تتعرّض من وقت إلى آخر لانفجار السيارات المفخّخة والقذائف الطائشة من الجوار، فى هذه الأماكن والجزر استطاع الوقت، قوّاد الحياة المجرّب، أن يُعَلّم الناس، بمروره المحايد فوق الجراح، كيف ينظرون حتى إلى الهواء، الذى طالما استنشقوه دون أن ينتبهوا، نظرَهم إلى معجزة. وفى تواطؤ مع الوقت نفسه يبدون لى الآن كما لو أنهم يعودون خلسةً، فى قفزاتٍ خاطفةٍ مذنبةٍ، إلى نفوسهم التى عرفوها طيلة حياتهم، والتى غادروها فجاةً قبل ثلاث سنوات. والقراء، من ناحيتهم، يساهمون كغيرهم، أعتقد الآن، بقدر أقل من الخجل، فى هذا التواطؤ الجماعى شبه المعلن مع الوقت والحياة، ويعودون، بين سيارة مفخخة وأخرى، بين قذيفة طائشة وأخرى، إلى كتبهم المفتوحة المكبوبة على هذه الطاولة، وتلك الديوانة، وذلك الشبّاك.

وعن كيف يتعايش هو مع القصف والدمار المتواصل من ثلاث سنوات يقول: أنا أعيش فى جزيرة، من هذه الجزر الممكنة بمشقّة هنا وهناك، إنما فى غوطة دمشق. أبدو لنفسى كما لو أننى أقلّد نفسى التى تركتها ذات يوم مع النفوس الأخرى القديمة المتروكة هناك..قبل الأحداث- أكتب قدر الإمكان، وأقرأ، هذه الأيام مثلاً، فى مذكرات الرئيس محمد نجيب، وفى مجموعة مقالات باللغة الروسية عن الزرافة، وأكاد أنتهى من قراءة رواية "عطش الحب" ليوكيو ميشيما.

جدير بالذكر ان الناقد والمترجم خليل الرز قدم إلى المكتبة العربية ترجمات لمجموعة قصص لأنطون تشيخوف صدرت فى جزأين عن وزارة الثقافة السورية. وان أغلب تلك القصص لم ينشر من قبل، ولم تشتمل عليه الأعمال المختارة الشهيرة التى قدمها المترجم المصرى الكبير د. أبوبكر يوسف. وله عدة روايات منها: "وسواس الهواء"، "غيمة بيضاء فى شباك الجدة"، "أين تقع صفد يا يوسف" سلمون إرلندى وأعمال أخرى.

وعن أهمية الترجمات التى قدمها خليل الرز إلى المكتبة العربية يقول الكاتب الكبير أحمد الخميسى: تمثل ترجمة خليل الرز إضافة ثقافية وإنسانية وفنية بالغة الأهمية لأنها توسع دائرة معرفتنا ومطالعتنا للقصص المذهلة التى لم تفقد شيئا من حيويتها وعمقها بعد أكثر من قرن على كتابتها. ومن يقرأ قصص تشيخوف فى ترجمة خليل الرز يكتشف أن ذلك الكاتب النادر مازال يتملص من تصنيفه فى دائرة (الأدب الكلاسيكى)، لأنه سواء من ناحية الأسئلة التى تطرحها قصصه أومن ناحية فن الكتابة، معاصر عظيم أكثر من كل المعاصرين. ومعظم القصص التى تضمها ترجمة خليل الرز تعود إلى عشر سنوات قبل رحيل تشيخوف.

وفى القصص المبكرة التى اختارها خليل الرز بعناية فائقة سيصادف القارئ روح المرح الخفيفة المهذبة التى لم تكن قد فارقت تشيخوف بعد، مثلما هى الحال فى قصته (من مفكرة إنسان نزق)، وقصة (مكائد)، وقصة (تهور). من ناحية أخرى فإن تلك المجموعة تكشف لنا عن رؤية تشيخوف المبكرة لما يعتبره السؤال الأول المطروح على كل إنسان: ماذا نفعل بحياتنا؟ كيف يمكن أن نحياها بشكل أفضل وأجمل؟ لماذا تهلك منا أعمارنا؟. هذا الهاجس الرئيسى الذى ينمو فيما بعد ليخلق لنا (الأخوات الثلاث) و(بستان الكرز) و(حكاية مملة)، وهو سؤال تشيخوف فى إبداعه كله، قدمه بأبعاد ومستويات مختلفة، وهوعنده حجر الزاوية فى كل شىء.

وفى الجزء الأول من ترجمة خليل الرز سنجد القصة المسماة (حكاية السيدة.ن.ن) وفيها تحدث الفتاة نفسها: (عشت فى رخاء ومرح دون أن أحاول فهم نفسى ودون أن أعرف ماذا أنتظر وماذا أريد؟ بينما الوقت يمضى ويمضي) ثم تبكى وهى تضغط على صدغها: (يا إلهى.. يا إلهى لقد هلكت الحياة)! وفى قصة (زوجة) تقول ناتاليا: (كان يمكن لهذه الحياة أن تكون رائعة.. يالها من حياة لا يمكن إعادتها الآن)! وفى قصة خوف يقول دميتري: (ما يخيفنى بالدرجة الأولى هوالحياة الخاملة التى لا يجد أى منا فكاكا منها).

وفى قصة (مملكة الحري) تحظى(آن) بكل شيء، فهى شابة وثرية وجميلة، لكنها لا تجرؤ على أن تحيا كما تريد، ولا تستطيع أن تتخطى حواجز اجتماعية، وتستسلم لما حولها، فتهلك حياتها بدون محبة. ثم تدرك فى لحظة متأخرة: (أن الوقت متأخر بالنسبة إليها لأن تحلم بالسعادة، وأن كل شيء قد هلك). وفى قصة كمنجة روتشيلد يتأمل ياكوف حياته ويفكر: (ضاعت الحياة سدى وهدرا ولم يتبق شيء فى المستقبل. لماذا لا يستطيع الإنسان أن يعيش بطريقة لا يكون فيها مثل هذه الخسارات؟). يسأل ياكوف نفسه: (لماذا تنقضى الحياة التى تعطى للإنسان مرة واحدة دون فائدة؟).

هذا هو سؤال تشيخوف الخاص، وهو إلى حد كبير سر عظمته، التى تتجلى حين يطرح تشيخوف السؤال فى كل مرة من زاوية أخرى وبالاشتباك مع عناصر جديدة.

قدم خليل الرز هدية للمكتبة العربية ولقراء الأدب الحقيقى سواء باختيار القصص أو بترجمتها بتلك السلاسة وذلك التمكن، ووضع تحت يدى القارئ بعضا من أهم أعمال أنطون تشيخوف الكاتب النادر حقا وسيد القصة القصيرة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة