لم يكن إلغاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما لزيارته الآسيوية التى كانت مقررة الأسبوع المقبل سوى دليل آخر على مدى عمق الأزمة التى يواجهها داخل الولايات المتحدة بعد إغلاق بعض المؤسسات الحكومية الأسبوع الماضى، وذهاب مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين فى إجازة غير مدفوعة الأجر بسبب فشل الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى الوصول على اتفاق بشأن الميزانية المؤقتة.
ويدرك أوباما أن الوقت ليس فى صالحه، فربما تتعمق الأزمة ما يوصف بالعجز التاريخى عن سداد الديون، والذى سيحدث لو لم يوافق الكونجرس على رفع سقف الديون المقدر بـ16.7 تريليون دولار فى السابع عشر من الشهر الجارى، والذى يمكن أن يتسبب فى ركود جديد.
ولأن الاقتصاد وهو الأساس للمواطن والناخب الأمريكى، فقد تراجعت كل القضايا التى كانت تتصدر المشهد وعناوين وسائل الإعلام، لتحتل أخبار الاقتصاد وتداعيات الإغلاق الحكومى على القطاعات المختلفة مقدمة الاهتمام.
ويبدو أنها حرب سياسية أو بالأحرى حزبية ظاهرها الاقتصاد.. فالجمهوريون يتربصون بأوباما منذ بداية فترته الأولى بعدما نجح فى تمرير قانون الرعاية الصحية الذى يعارضونه بشدة لأنه يفرض عبئا كبيرا على الميزانية من ناحية، كما أنه يضر بشركات التأمين والرأسماليين من أنصار الجمهوريين.
فكان تمرير أوباما للقانون بعد صراع استمر سنة كاملة فى عام 2010، انتصارا كبيرا له وهزيمة للجمهوريين، ولذلك حاولوا إجبار أوباما على إلغاء أو تأجيل القانون الذى يعتبره أوباما من أهم إنجازاته، مقابل الموافقة على إقرار الميزانية. إلا أنه رفض أن يتنازل ويصر على الرفض قائلاً لن أستسلم ولن أتفاوض مع الجمهوريين.
وهذا التشبث بالموقف من جانب أوباما يجعله يبدو واثقا بأنه سينتصر فى النهاية حتى ولو تأخر النصر، ويسترشد فى ذلك بدروس الماضى القريب. فعندما حدث إغلاق حكومى فى الفترة الأولى للرئيس الأسبق بل كلينتون، اعتبر الأمريكيون الحزب الجمهورى مسؤولا عن الأزمة، وفاز كلينتون بعدها فى انتخابات الرئاسة ليحصل على فترة ثانية داخل البيت الأبيض. وهذه المرة أيضاً يحمّل أوباما الجمهوريين مسؤولية الأزمة، وهو ليس وحده فى ذلك. فالصحف الأمريكية تعج بالمقالات والافتتاحيات التى تنتقد الجمهوريين بسبب موقفهم من الأزمة وتحذر من تداعيات ذلك على الأمن القومى الأمريكى. وربما يدفع الجمهوريون ثمن موقفهم هذا فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس المقرر العام المقبل، ليخسروا أغلبيتهم فى مجلس النواب.
وبشكل عام تكشف الأزمة الأمريكية عن أمرين هامين، الأول هو التحول المتشدد فى الحزب الجمهورى الذى أصبح قراره فى يد مجموعة من أقصى اليمين وحزب الشاى، فيصرون على تأجيل مشروع الرعاية الصحية، المعروف باسم أوباما كير، رغم إقراره قبل ثلاث سنوات وموافقة المحكمة العليا عليه العام الماضى، بما يعنى أنه نهائى ولا تراجع فيه.. حتى وإن كانت قيادات الحزب لا تؤيد ذلك.
وقال السيناتور الجمهورى روى بلانت، «إن الدخول فى معركة الرئيس شأن، وقتاله وخسارة المعركة شأن لآخر.. وعندما تكون فى طرف الأقلية تحتاج إلى العمل بجد لإيجاد المعارك التى تستطيع أن تنتصر فيها».
الأمر الثانى الذى تكشف عنه الأزمة هى أنها المرة الأولى التى يفشل فيها التفاوض بين قطبى السياسة الأمريكية، ويصر كل منهما على التمسك بموقف.. متشددو الحزب الجمهورى يصرون على تأجيل الرعاية الصحية، بينما يرفض أوباما حرمان ملايين من الفقراء الذى كانوا سيدخلون فى التأمين الصحى بداية من العام المقبل. وقالها أوباما صراحة أنه لن يستسلم ولن يتفاوض مع الجمهوريين.. وهو أمر وصفه محللون بارزون بأن الأخطر فى ظل الأزمة الراهنة، وينبئ بانقسام لا يريده الأمريكيون.
صحيفة واشنطن بوست أكدت ذلك عندما قالت إن الأزمة هذه المرة مختلفة عن سابقاتها حيث لا يوجد هذه المرة مفاوضات رفيعة المستوى بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى.
وأوضحت واشنطن بوست أن المواجهات المالية على مدار السنوات الثلاث الماضية تبعت جميعها سيناريو مألوفا: أولاً يكون هناك مفاوضون زائفون يعملون على مقترحات أولية ويأملون فى تجنب الكارثة، وبعدها قد يقرر الرئيس باراك أوباما ورئيس مجلس النواب جون بونير سرا المضى فى اتفاق بين الحزبين.
وانتقدت الصحيفة الحزب الجمهورى الذى قالت إنه خذل الأمريكيين بجهوده لقتل مشروع الرعاية الصحية للرئيس أوباما.. وهو ما قد يندمون عليه لاحقاً عندما يتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع فى نوفمبر العام المقبل فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس.
ريم عبد الحميد تكتب: أزمة الميزانية الأمريكية.. حرب حزبية ظاهرها الاقتصاد
الثلاثاء، 08 أكتوبر 2013 03:03 ص