أكتوبر.. دراما الانتصار والاغتيال.. الجيش تصدى لإسرائيل وعاد ليواجه من حاولوا سرقة الوطن فى 30 يونيو

الإثنين، 07 أكتوبر 2013 09:28 ص
أكتوبر.. دراما الانتصار والاغتيال.. الجيش تصدى لإسرائيل وعاد ليواجه من حاولوا سرقة الوطن فى 30 يونيو صورة أرشيفية
تحليل يكتبه:هانى عياد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن اليومى..
كان وقع هزيمة 1967 داميًا ومدمرًا، لم تكن صدمة المفاجأة فيها أقل أثرًا من كارثة احتلال 20% من أراضى الوطن، فقد نام المصريون على وهم «أقوى قوى ضاربة فى الشرق الأوسط»، ثم أفاقوا فى اليوم التالى ليجدوا الإسرائيليين قد احتلوا سيناء، وأغلقوا قناة السويس، والطريق من السويس إلى القاهرة مفتوحة أمامهم، خالية تمامًا، ولا يوجد بها حتى شرطى مرور.

لكن الهزائم العسكرية فى التاريخ لم تكن أبدًا نهاية الكون، ما لم تستلم الشعوب لها، وتسقط فى آبار الحزن والدموع واليأس، وهكذا جرى اعتبار ما جرى «نكسة» فى المسار، حيث لم يكن مقصودًا (من التسمية) التهوين من وقع هزيمة مريرة، لكن التأكيد على أن يونيو كانت جولة فى صراع مستدام، وضعت الحرب أوزارها لكن الصراع لم يصل إلى نهايته بعد.

وفى وقائع ما جرى، فإن جماهير 9 و10 يونيو 1967، لم تكن تهتف لعبدالناصر الشخص، بقدر ما كانت تجسيدًا لإرادة صمود، ودعمًا لقوات مسلحة مظلومة بنتيجة حرب لم تخضها، وبتعبير أنور السادات فقد كان ما جرى فى هذين اليومين «ثورة على النكسة وأسبابها، فى لحظة بدت كما لو كانت النهاية، فأحالتها الجماهير إلى بداية»، بنص كلماته فى افتتاح الدورة الخامسة لمجلس الأمة (23 نوفمبر 1967)، وقد كان رئيسًا للمجلس آنئذ.

وكذلك كتبت الجماهير الكلمة الأولى فى دراما انتصار 6 أكتوبر، بينما كان ظلام الهزيمة يخيم على سماء القاهرة، ثم تجلت أولى وقائع الانتصار فى معركة رأس العش (1 يوليو 1967)، عندما حاولت إسرائيل احتلال مدينة القنطرة شرق، البقعة الوحيدة شرق القناة التى لم تحتلها أثناء الحرب، حيث دفعت بسرية دبابات مدعمة بقوة مشاة ميكانيكية فى عربات نصف جنزير، لتجد فى مواجهتها قوة من 30 فردًا من قوات الصاعقة المصرية، من قوة الكتيبة 43 صاعقة، كانت قادرة على هزيمتها وإجبارها على التراجع، ثم إحباط كل محاولاتها المتكررة لاحتلال المدينة. كانت معركة رأس العش، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من النكسة، بداية خط دراما الانتصار الذى راح يتصاعد يومًا بعد يوم حتى وصل ذروته بعد ظهر 6 أكتوبر 1973، وبكلمات اللواء عبدالغنى الجمسى فى مذكراته «كانت هذه المعركة هى الأولى فى مرحلة الصمود، التى أثبت فيها المقاتل المصرى، برغم الهزيمة والمرارة، أنه لم يفقد إرادة القتال».

وتتالت وقائع حرب استنزاف طويلة، وفيها عمليات عسكرية خلف خطوط العدو فى قلب سيناء الأسيرة، وبطولات ما زال الكثير منها مجهولًا، أو مُجهلًا، سطرتها القوات المسلحة المصرية المجنى عليها، بالتعاون مع المخابرات الحربية، والمخابرات العامة، وفيها أيضًا حائط صواريخ أحال طائرات الفانتوم (أحدث صيحة فى ابتكارات العسكرية الأمريكية آنذاك) إلى ما يشبه الذباب المتساقط.

وفى واحدة من مفاجآت القدر، أصبح أنور السادات رئيسًا للجمهورية فى أكتوبر 1970، وقد حاول الرجل جاهدًا، ومن موقع المسؤول الأول، تجنب «ويلات الحرب»، فانتهج مسارًا سلميًا، افتتحه بإطلاق ما اصطلح على تسميته «مبادرة 5 فبراير 1971»، وفيها استعداد مصر لفتح قناة السويس أمام الملاحة البحرية العالمية، إذا ما سحبت إسرائيل قواتها لمسافة 10 كيلو مترات شرق القناة، فيما بدا أنه يداعب متاعب أوربا وأمريكا الاقتصادية جراء إغلاق قناة السويس، مراهنًا أن تسفر مبادرته عن ضغوط على إسرائيل يمارسها حلفاؤها الأقرب والأقوى، والأكثر تضررًا من إغلاق القناة، لوضع المبادرة موضع التنفيذ. لكن الرهان سقط ولم تحظ المبادرة بغير الرفض الإسرائيلى والتجاهل الأوربى الأمريكى.

وفى دراما الانتصار، فاجأ أنور السادات الجميع بعقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفييتى لمدة 15 سنة، 27 مايو 1971، مصحوبة بإعلان عام 1971 عامًا لحسم الصراع مع إسرائيل، سلمًا أو حربًا، فيما بدا وكأنه تلويح بـ«عصا» الحرب، ردًا على سقوط «جزرة» مبادرة إعادة فتح وتشغيل قناة السويس السلمية.
لكن «عام الحسم» انقضى دون حسم، فلا العصا أتت ثمارا ولا الجزرة حققت نتائج.

وفيما وراء كواليس دراما الانتصار، يتلقى الرئيس السادات نصيحة من وزير الخارجية الأمريكى الأشهر هنرى كيسنجر مفادها أن شيئًا لن يتغير ما لم تُغير مصر من وقائع ماثلة على الأرض، فتجد النصيحة طريقها إلى عقل وقلب السادات، مدفوعة بضغط شعبى محلى هائل بخوض الحرب واستعادة سيناء، وقبلها استعادة كرامة مهدرة.

وكذلك يأخذ الخط الدرامى فى التصاعد، ويبدأ أنور السادات فى أواخر 1972 الاستعداد لمعركة، تلبى ضغوط الشارع الآخذة فى الازدياد عمقًا واتساعًا، وتحقق نصيحة صديقه العزيز هنرى كيسنجر بتغيير واقع ماثل على الأرض، يفتح أمامه الأبواب إلى طاولة مفاوضات تضع حدًا للصراع، أو هكذا كان يعتقد الرجل.
وعندما حانت ساعة الصفر وانطلقت المدافع على جبهة قناة السويس، قدمت القوات المسلحة واحدًا من أعظم الدروس فى فنون القتال، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق فى التاريخ العسكرى.

وفى لحظة نادرة الحدوث، كان أن تداخلت خطوط الانتصار مع خيوط الاغتيال، وقد كان هذا الأخير (الاغتيال) فى ذاته متشابكا فى أحداثه معقدًا فى وقائعه، دراميًا فى مساره، فطال صاحب قرار الحرب، مثلما طال نتائج الحرب.

كانت شرعية ثورة 23 يوليو 1952 قد سقطت عمليًا فى 5 يونيو 1967، لكن جماهير 9 و10 يونيو أعادت منحها لجمال عبدالناصر وحده (رفض تفويض زكريا محيى الدين شاهدًا)، ثم كان أن حرب أكتوبر قد منحت أنور السادات شرعية بديلة، منها انطلقت دراما الاغتيال تتصاعد فى ثلاثة خطوط متقاطعة، أولها التخلى نهائيا عن خيار «حوار المدافع»، والرهان على «قصف التفاوض» وحده، بدلًا عن الاعتماد على المدفع دعمًا للمفاوض، وكان الخط الثانى إطلاق سياسة «السداح مداح» بتعبير الأستاذ أحمد بهاء الدين، والتى كانت كفيلة باغتيال الانتصار، أما الخط الثالث فكان إطلاق سراح قيادات الإخوان المسلمين المحكوم عليهم جنائيًا منذ مؤامرة سيد قطب (1965)، والسماح بعودة الهاربين منهم من منافيهم، وقد تكفل هذا الخط باغتيال صاحب قرار الحرب.

وكذلك بدا المشهد فى مصر ما بعد أكتوبر، مفاوضات ماراثونية متعثرة غالبًا، لم تعكس نتائجها انتصارًا مبهرًا، إنما تعاكس وتناقض ما حققته المدافع فى الميدان، بينما فى الخلفية كان «انفتاح السداح مداح» يزرع بذور فساد يثمر «قطط سمان» فى قمة ضيقة، وفقراء حد العدم يضيق بهم قاع متسع، وكان الإخوان المسلمون يعيدون بناء تنظيمهم وفيه ميليشيات مسلحة أشرف على تشكيلها محمد إسماعيل عثمان (محافظ أسيوط 1974 - 1983)، ويتكاثرون ويتفرعون وينتجون عشرات التنظيمات الإسلامية.

وكذلك راحت الوقائع فى دراما الاغتيال تتصاعد بسرعة جنونية، ولئن كان رائد الواقعية فى السينما المصرية المبدع صلاح أبوسيف قد ترجم لنا على الشاشة الفضية كيف اغتالت القطط السمان نصر أكتوبر، فى فيلمه الرائع «المواطن مصرى»، فقد بلغت دراما الاغتيال ذروتها عندما تكفل الإسلاميون الخارجون من عباءة الإخوان باغتيال صاحب قرار العبور.

وفى دراما الانتصار والاغتيال، كانت إرادة الشعب – دائمًا - هى العامل الحاسم، منذ هزيمة يونيو، وحتى شروق شمس انتصار أكتوبر، وصولا إلى إسقاط سلطة الذين اغتالوا الانتصار (25 يناير 2011)، ثم إسقاط سلطة الذين حاولوا اغتيال الوطن (30 يونيو 2013)، وكانت القوات المسلحة حاضرة دائمًا، ولعل مشهد 3 يوليو 2013 يعيدها إلى مكانها ومكانتها، حامية للوطن، مدافعة عن الشعب.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة