محمد صبرى درويش يكتب: يا لجنة الخمسين أفيقى

هناك ضغوط كثيرة تُمارس على لجنة الخمسين من أجل إنتاج دستور جديد يكون صالحًا لكل المصريين دون التحزب لحزب معين أو الوقوف على مصالح فئوية بعينها، وأقوى هذه الضغوط هى الضغوط الشعبية، فالشعب يريد دستورًا يكون بحق الكلمة لكل المصريين .

فى البداية قبل توجيه لومى للجنة الخمسين المعنية بصياغة دستور جديد، أود أن أستحضر ماهية الدستور والتى تتلخص فى أن الدستور هو الذى يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم بها وينظم السلطات العامة بها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات بعضها البعض، وهو أيضًا ليس مزادًا ليضيف كل من تصبوا له، بالإضافة إلى مواد هى والعدم سواء.

فالدستور فى الحقيقة هو مفيد جدًا للدول متضادة الثقافات، فلو قامت دولة لأشخاص من (أمريكا واليابان وجنوب أفريقيا مثلاً) هنا لا بد من دستور يُنظم لهم العلاقات وغياب هذا الدستور بالنسبة لهم يُعد كارثة بكل المقايس والسبب هو تضاد الثقافات بين مواطنى هذه الدولة.

لكن الوضع فى مصر مختلف تمامًا، فالشعب المصرى لديه ثقافات كثيرة ومتعددة لكنها موحدة، ولديه عادات وقواعد أصولية أقوى من دساتير العالم كافة، وخير دليل على ذالك عندما تم إيقاف العمل بدستور 2012 بعد عزل الرئيس السابق مرسى لم يُغير هذا الإيقاف ساكناً فى الشعب المصرى، وهذا لأن عاداته وأصوله أقوى بكثير من مواد أى دستور، ولك أن تتصور لو غاب الدستور فى أمريكا مثلاً فستجد كوارث تنقض عليها .

نحن نجد الآن عراكًا غريب الشأن فى لجنة الخمسين وكلٌ يمسك بمواد الدستور المعطل ليضع لنا مواداً بديلة وفقاً لرؤية كل شخص فى اللجنة، دستور 2012 كان يشمل "234 مادة" ولو تم الإنصياع لكافة أعضاء اللجنة فى توجهاتهم هنا سنحصل على "11700 مادة" كلها فى تضاد لأنها ستمثل رؤية كلٌ منهم على حده ، فالكل يريد الإضافة، وعند الذهاب للجان الفرعية تجد أن أعضاءها أيضًا يريدون إضافة مواد جديدة مَللتُ من حصرها.

يا لجنة الخمسين أفيقى، مهمتكم الأساسية هى وضع الخطوط العريضة لسير نظام الدولة وليس وضع عراكًا لنخرج بدستور متضاد المواد لشعب هو موحد الأركان بفطرته، أنتم بهذه الطريقة وهذا العراك تخطئون فى حق الشعب المصرى الذى حُملتم له أمانة وضع دستور يسع كافة أطيافه.

كفاكم عراكًا، وكفاكم تصادمًا، ويكفى التنديد بالانسحاب خفيةً كوسيلة ضغط، واعلموا أن الشعب المصرى يستطيع العيش بلا دستور لسنين عدة، وأنا أرى أن الدستور لا يجب أن يُنجز فى وقت بعينه ومن حق الشعب المصرى أن يُعدل فى الدستور ما يشاء فى الوقت الذى يشاء فيه التعديل وليست أوقات الفترات الانتقالية فقط ، ومهمتكم الاتحاد لنخرج بدستور يصل بنا لمراحل الإستقرار .