كل بيت فى مدينة السويس، يحمل حكايات بطولية عن المعارك التى خاضها الأهالى هناك، بمشاركة القوات المسلحة، منذ هزيمة 1976، مرورا بحرب الاستنزاف، وتكوين جماعات الدفاع المدنى، ومنظمة سيناء، بما ضمته من فدائيين مدنيين، استشهد منهم العشرات، بعد عمليات بطولية باهرة، مهدت لنصر أكتوبر عام 1973، وعبور قناة السويس، والتى أعقبها الثغرة، وحصار السويس الذى دام 100 يوم، تعرضت فيها المدينة الباسلة لقصف جوى وابتزاز معنوى، من قبل العدو الإسرائيلى، ردا على فشل قوات العدو فى اقتحام المدينة يوم الـ24 من شهر أكتوبر، حين تصدى لهم، وفرق الدفاع المدنى والفدائيين، إضافة إلى أفراد القوات المسلحة، الذين نجحوا فى تدمير 16 مدرعة من مدرعات العدو، ومنع احتلال مدينة، الذى كان سيمهد للوصول إلى العاصمة.
التهجير
مر عامان ثقيلان بعد هزيمة 1967، قبل أن يعطى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قرار البدء فى عمليات الاشتباك مع العدو، أو ما عرف بحرب استنزاف، وكانت القوات المسلحة قبل ذلك، تفرض على أهالى سيناء والفدائيين وإفرادها من الجنود، منع إطلاق النار، ومن يخالف ذلك، كان يتعرض للمحاكمة العسكرية، وذلك حتى يتم إعداد الجبهة الداخلية، والتهجير لحرب الاستنزاف.
يقول فاروق متولى، عضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى سابقا، ومسئول لجنة التهجير بمدن القناة، والذى كان فى الثلاثينيات من عمره وقتها، انه كان شاهدا على إعادة بناء القوات المسلحة، من حيث العدد، والكفاءة، والجهود التى كان يبذلها القادة العسكريين، لتخطى هزيمة يونيو، مضيفا أن جمال عبد الناصر كلفه بترأس لجنة التهجير بمدن القناة، وحتى لا تستغل قوات العدو الإسرائيلى، سكان مدن القناة فى توجيه ضربات لهم، وتشتيت القوات المسلحة فى محاولة لحمايتهم.
يضيف متولى كانت التعليمات المشددة تصدر لنا من مؤسسة الرئاسة بضرورة توفير كافة الاحتياجات للمهجرين، ودمجهم فى المشروعات السكنية الجديدة بالمحافظات المختلفة، وتوفير مدارس لأولادهم، وفرص عمل، ورواتب شهرية، إضافة إلى بدل إعاشة، وقبل بداية حرب أكتوبر كان متولى قد أشرف على تهجير 750 ألف مواطن سويسى، كانوا يمثلون 95% من سكان المدينة وقتها.
ويتذكر متولى حديثه مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال أحدى اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، بخصوص مذكره قدمه له من شهر، لزيادة بدل الإعاشة بنسبة 25%، فوعده الرئيس الراحل بسرعة النظر فى الأمر، وفى اليوم الثالى فوجئ متولى بسامى شرف مدير مكتب الرئيس الراحل، يهاتفه قائلا "جبت لنا الكلام بس مبروك، الريس وافق".
الاستنزاف
خلال سنوات ما قبل الحرب، بدأت القوات المسلحة فى إعداد مواطنى مدن القناة لمعركة التحرير، فتكونت منظمة سيناء، التى ضمت عشرات الفدائيين، ممن حصلوا على تدريب عسكرى، وقاموا بعمليات شبه عسكرية، كانت تهدف إلى عبور القناة، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.
بجانب الفدائيين، ظهرت فرق الحماية المدنية، التى كانت تختص بتنظيم الأوضاع داخل المدينة، وتنبيه السكان ضد الغارات، وإسعاف الجرحى.
رفعت عصران كان صائد سمك فى العشرينات من عمره، حين اختارته القوات المسلحة لتنفيذ مهمة وطنية، بواسطة قاربه، حيث كانت مهمته هى العبور إلى رأس غارب، فى منطقة سفاجا، وحمل الجرحى، والمؤن، والذخيرة، والعودة إلى السويس مرة أخرى.
يقول رفعت كانت القوات المسلحة تعتمد على قوارب الصيادين، التى كانت لا تلفت الأنظار، وكان يسمح لنا بالصيد داخل القناة وفقا للمعاهدات الدولية، ولم يكن العدو الإسرائيلى يتعرض لنا، إلا فى حالة شكه فى هوية صاحب المركب.
حكيم سليمان عضو مجلس الشعب السابق، كان صبيا لم يبلغ السادسة عشر، حين شهد بناء سد بارليف، الذى يصفه بأنه يوازى ثلاث طوابق من بنايات المدينة، وقتها كانت الطائرات الإسرائيلية التى يقصفها الفدائيين، تتطاير شظاياها بجانبه أثناء لهوه هو وأصدقائه فى منطقة بور توفيق، بينما لم يكن أحد من سكان المدينة يستطيع الخروج بعد صلاة المغرب.
العبور
تتغير هيئة العقيد المتقاعد نصر حامد يوسف، بمجرد حديثة عن حرب أكتوبر، فتلمع عينيه فى فرح، ويبدأ فى تحريك يديه، فى محاولة لاستعادة حركاته القتالية بالمعركة، بينما يمنع دمعه من الانهمار، حزنا على زملائه الشهداء.
يقول نصر إنه خلال حرب السادس من أكتوبر كان قائد فصيل فى إحدى فرق المدرعات، وقد حان دوره فى عبور قنا السويس فى تمام الساعة الخامسة، بعد نجاح سلاح المهندسين فى إقامة معابر، وأحداث ثغرات فى خط برليف.
يضيف نصر، كانت معنوياتنا مرتفعة جدا، وكنا نسمع على موجات الإرسال تكبير جماعى، جعلنا نتيقن أننا سننتصر اليوم، وقد تعرضت الدبابة التى كنت أقودها للتدمير، فعبرت إلى الضفة الأخرى، وطلبت دبابة جديد، وحين وجد القادة أن حالتى النفسية جيدة، وافقوا، وعدت بالدبابة مرة أخرى إلى ساحة القتال.
يكمل نصر واصلنا القتال حتى وصلنا إلى وحدة التمركز فى عيون موسى، التى أصبحت مزار سياحيا الآن، ووجدنا بتلك النقطة مدفعا موجه إلى مدينة السويس، مرفق بتلسكوب مركز إلى أعلى مئذنة مسجد الغريب، أعلى نقطة فى مدينة السويس وقتها، حيث كانت تقصف المدينة ليلا ونهارا.
وخلال لحظات الراحة القصيرة وسط المعركة كنا نتبادل عناوين بعضنا البعض، ورسائل كتبها كل منا لعائلته، وقد أيقنا أنه ليس أمامنا فى تلك المعركة غير النصر أو الشهادة، وكنا نسارع إلى تأكيد موت الشهداء، عن طريق التوقيع على الوثائق الخاصة بذلك، لتسهيل الأمر على عائلاتهم، وسرعة صرف مستحقاتهم المالية، بدل من تسجيلهم كمفقودين.
ويحكى نصر حادثة تعرض لها، تمثلت فى ضرب العدو الإسرائيلى لثلاث دبابات مصرية، كان نصر يقود أحدهم، وأسفر ذلك عن مقتل العديد من الجنود المتواجدين بالمدرعات الثلاثة.
بينما كان يقود الدبابتين الأخريين النقيب حافظ، والمقاتل محمود مهدى، وقد كان كلاهما صديقان منذ سنوات، وقد قتل خلال القصف النقيب حافظ، فخرج المقاتل محمود مهدى يصرخ فى اتجاه العدو، فمنعه نصر، وهدأه، واضطرا كليهما إلى ترك جثث زملائهم لحين انتهاء القصف.
ويتذكر نصر أن من كان يقوم بأثرهم من الجنود الإسرائيليين، كانوا يترجوه بعدم قتلهم، لأنهم مثله تماما، ينفذون الأوامر، وعندهم أطفال.
الثغرة
فى محله بحى الأربعين، حكى منصور حسن ضابط القوات الخاصة، خلال حرب أكتوبر، كيف تم استدعاء كتيبته من انشاص بمحافظة الشرقية، للتمركز فى السويس، والاستعداد لمواجهة قوات العدو الإسرائيلى، عند اقتحامها للمدينة.
يقول منصور كان دوره التمركز فى شارع الجيش، بمنطقة حى الأربعين، حيث نجحنا فى تدمير ثمانى مدرعات إسرائيلية، من أصل 16 مدرعة إسرائيلية تم تدميرها يوم 24 من أكتوبر، عقب اقتحام القوات الإسرائيلية للسويس.
مضيفا أن قوات العدو تراجعت بعد تدمير المدرعات واحتمت بقسم الأربعين، والعمارة الثانية بمنطقة المثلث، مؤكدا أن الجندى الإسرائيلى جبان، كان يتحصن فى دبابته، ويربط ماسورة البندقية بحبل، ويطلق الرصاص بشكل عشوائى من داخل الدبابة.
مضيفا أن جنود قوات العدو كانوا يحملون أسلحة ومعدات حديثة، "من الإبرة إلى الصاروخ"، بينما كان الجندى المصرى يوصى أصدقاءه بالحفاظ على سلاحه قبل استشهاده، غير عابئا بحياته، التى كنا لا نرى لها قيمة فى تلك الأيام، فى مقابل تحرير تراب سيناء.
ويضيف منصور بأنه كان شاهدا على استشهاد الكثير من أصدقاء العمر، الذين كانوا يضطرون إلى ترك جثثهم فى العراء، لحين توقف القصف الجوى، ورغم مرور السنوات مازال منصور يتذكر أسماءهم بالكامل، وهم عنتر محمد أبو حديد، ومحمد جلال، وإبراهيم سيد إبراهيم.
حكايات أهالى السويس عن الاستنزاف والعبور..فاروق متولى: كنت شاهدا على إعادة بناء القوات المسلحة للمدينة..وأشرفت على تهجير 95%من الأهالى.. منصور:دمرت 8 دبابات فى حى الأربعين، ودفنت ثلاثة من أصدقاء العمر
الأحد، 06 أكتوبر 2013 01:17 م
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الكابتن غزالي
عدد الردود 0
بواسطة:
KARIM
بلد الغريب
فخور بأنى سويسى ومن بلد الغريب ♥
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السويسى
السويس بلد الرجاااااااااااالة
سويسى وافتخر