مرة أخرى يُهدَد العالم بأزمة مالية عالمية، بسبب الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها الاقتصادية، فبعدما بدأت الأسواق تتعافى من أزمة 2008، ظهرت أزمة الموازنة الأمريكية لتعيد التهديد نفسه مع استمرار الخلاف بين كل من الجمهوريين والديمقراطيين على مستقبل الموازنة ورفع سقف الدين الحكومى من عدمه.
ورغم تأكيد البعض أن تأثير هذه الأزمة على مصر سيكون محدودا إن لم يكن معدوما إلا أن كثيرين قالوا إن هذه الأزمة سيكون لها تأثير مباشر على مصر والأسواق العربية، فالاقتصاد الأمريكى هو أكبر اقتصاد فى العالم، وأى هزة به ستكون مؤثرة بالفعل على الأسواق الأخرى، سواء من حيث العملة أو العلاقات التجارية الأخرى، فاحتمالات تراجع الدولارات كبيرة جدا، وبدأ بالفعل فى التراجع، أما العملات الأخرى، وهو ما سيتسبب فى خسائر كبيرة لمصر؛ لأن الاحتياطى النقدى المصرى أغلبه بالدولار.
إذن ما حقيقة الصراع فى السياسة الاقتصادية الأمريكية، وكيف يمكن تفسيرها بإيجاز اقتصادى (للقارئ غير المتعمق)؟ إنه ببساطة الصراع القديم حول الضرائب بين الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى، هذه المعركة التى أخذت مسارا وبعدا جديدين قبل عهد الرئيس الجمهورى الأسبق رونالد ريجان، وذلك عندما اندلع نقاش طويل حول ما سُمى حينذاك "منحنى لافر" النظرية الاقتصادية التى خلف هذا المنحنى نظرية بسيطة، لكن آثارها السياسية كانت بعيدة المدى فى الولايات المتحدة، ولقد فاز الجمهوريون مرات عديدة رغم مغامراتهم الخارجية الكثيرة، بسبب تبنيهم فلسفة هذه النظرية، التى يشرحها الدكتور محمد آل عباس الخبير الاقتصادى، فى مقال له "إن المنحنى يصور العلاقة بين إجمالى الدخل الحكومى الناتج عن الضرائب وبين معدلات الضريبة، فالمنحنى يقول إن مبلغ الدخل الناتج من الضرائب سيكون صفرا إذا كان معدل الفائدة صفرا فى المائة، وإنه سيكون كذلك أيضا إذا كان المعدل 100%، حيث إن نسبة الضريبة صفر فى المائة تعنى أن الناس لن يدفعوا شيئا للدولة، وبذلك فإن حصيلة الضريبة صفر، وهذا منطقى، لكن عندما تصبح الضرائب بنسبة 100%، فإن الناس سيتوقفون عن العمل بكل بساطة، فلا معنى للعمل والدولة ستأخذ كل الأرباح".
وهكذا، فإن معدلات الضرائب التى يمكنها أن تدر دخلا على الدولة هو حتما بين صفر فى المائة و100%، لكن كم على وجه التحديد؟ ومنحنى لافر يقول إن محصلة الضريبة من الإيرادات ترتفع مع المعدل حتى مستوى معين بعدها، فإن أى زيادة فى الضرائب ستؤدى إلى انخفاض الإيرادات كلما ارتفع معدل الضريبة حتى نصل إلى صفر إيرادات مع 100% لمعدل الضريبة، وعليه فإن خفض معدلات الضريبة سيؤدى إذاً إلى تشجيع الناس على العمل والإنتاج، وبالتالى زيادة أرباحهم، وفى النهاية زيادة دخل الضرائب الحكومية، وهذه السياسة ستسعد الأمريكيين حتما.
وأوضح آل عباس بأنه هكذا تبنى الجمهوريون سياسات تخفيض معدلات الضريبة، وكان أكثرهم تحمسا لها بوش الأب والابن، وبخاصة نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، فهذا يعنى اكتساحهم الانتخابات، وأيضا الحفاظ على مستويات نمو جيدة للاقتصاد، لكن المشكلة أن الجمهوريين تبنوا هذه النظرية بتطرف نوعا ما، ومع النمو الصناعى المستمر لدول شرق آسيا ودول شرق أوروبا ودخول الولايات المتحدة فى مغامرات حربية وسياسية، كانت المصروفات الحكومية ترتفع بحدة، بينما لم ترتفع الإيرادات بالمستوى نفسه أو قريبا منه على الأقل؛ فواصل العجز ارتفاعه إلى مستويات قياسية، وأصبحت مشكلة الساسة الأمريكيين معقدة، وتزداد تعقيدا مع مرور الوقت.
فالعجز فى الموازنة وصل حدودا قصوى، وظهرت خطورة تأثيره مع الأزمة المالية الأخيرة، حيث بدأت المؤسسات المالية العالمية بالسؤال حول قدرة الدولار على المحافظة على قيمته، وبالتالى قيمة ما التزمت بدفعه الولايات المتحدة على دينها، فالقضية لم تعد فى عدد الدولارات التى ستدفعها الحكومة الأمريكية على دينها، بل فى حقيقة قيمتها، هذا جعل بعض المؤسسات تلوح بخفض تقييم السندات الأمريكية، وهو تلويح خطير عن قدرة الدولار على الحفاظ على قيمته، لقد كانت مشكلة الولايات المتحدة مع دينها كبيرة والحلول صعبة، وهكذا بدأت رحلة مريرة من النقاشات الاقتصادية بمحاولات رفع سقف الدين، التى واجهها الكونجرس بعنف ورفض شديدين، فعلى حكومة الولايات المتحدة أن تخفض مستوى العجز فى الموازنة فقط، هنا ظهرت أكبر عقبة اقتصادية سياسية وفجّرت معها الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين، إنه الصراع على الضرائب.
وقدم أوباما خطته على أساس أن خفض العجز فى الميزانية لن يحدث إلا من خلال مسارين، أولهما رفع الإيرادات الحكومية، وهذا لن يحدث ما لم يتم إصلاح النظام الضريبى من خلال رفع الضرائب وتعديلها على بعض الفئات وإلغاء كثير من الإعفاءات، كذلك ملاحقة الملاذات الضريبية حول العالم، والمسار الثانى خفض الإنفاق إلى مستويات غير معهودة، وهى ما سميت بالهاوية المالية، وارتعب الأمريكيون من خطة الهاوية المالية التى تتضمن اقتطاعات تلقائية بمجرد عدم تمرير خطة رفع الضرائب، وذلك أن الحكومة الأمريكية ستعمل خلال عام 2013 بسقف أعلى للعجز المسموح به، فإذا لم تتحقق الإيرادات المطلوبة، فلا مفر من حدوث اقتطاعات تلقائية فى بنود ميزانية كثير من الوزارات ومنها وزارة الدفاع والتعليم والصحة.
ورفض الجمهوريون خطة أوباما لرفع الضرائب على أساس أنها ستقود للكارثة الاقتصادية نفسها فيما لو حدثت الهاوية المالية بالاقتطاعات التلقائية للمصروفات، فتهديد الديمقراطيين والإعلام بالهاوية المالية غير مجد؛ ذلك أن حدوث زيادات فى الضرائب، وفقا لخطة أوباما سيشوه الاقتصاد بطريقة تصعب معالجتها فيما بعد، فزيادة الضرائب ورفع معدلاتها سيتسبب حتما- وفقا لنظرية منحنى لافر- فى اتجاه الناس إلى تفضيل الراحة على العمل، وبالتالى تقليل مستويات الإنتاج فتنخفض الأرباح، وبالتالى تنخفض الإيرادات الحكومية، وتعود الميزانية الاتحادية إلى نقطة الصفر والتخفيضات التلقائية والهاوية المالية، لكن مع مصيبة أكبر وهى انخفاض مستويات الإنتاج والنمو الاقتصادى وخفض مستويات الإنتاج، ويدخل الاقتصاد الأمريكى فى ركود طويل أو حتى كساد. وفى المقابل يرى الجمهوريون الحل فى أن يتخلى الديمقراطيون عن بعض مشاريعهم الطموحة نحو الإصلاحات الصحية والاجتماعية وقانون الهجرة.
وبالنسبة للأسواق غير الأمريكية فتتفاوت التوقعات فى أوساط المستثمرين بشأن تعطل أعمال الحكومة الفدرالية الأمريكية، فيما تباينت ردود الفعل فى الأسواق، لكنها أفلتت جميعها، سواء الأسواق العالمية أو العربية، من أى انتكاسات حادة على وقع أزمة تمويل الحكومة الأمريكية.
وكان البيت الأبيض قد فشل فى التوصل إلى اتفاق مع الكونجرس بشأن الموازنة قبل حلول الموعد المحدد، وهو الثلاثاء الأول من أكتوبر، ما اضطر الحكومة الفدرالية إلى تعطيل أعمالها جزئياً لحين الحصول على تمويل، حيث تم إجبار 800 ألف موظف فدرالى على إجازة مفتوحة دون أجور لحين انتهاء الأزمة، وذلك من أصل مليونى موظف يعملون فى الدوائر الفدرالية الأمريكية.
وتعطلت العديد من الخدمات العامة فى الولايات المتحدة تبعاً لتعطل الحكومة، حيث تم إغلاق مئات المتاحف والحدائق العامة، وكذلك توقفت بعض الخدمات الصحية، وخدمات أخرى.
وتخشى الولايات المتحدة من أن تعاود مؤسسات التصنيف الائتمانى العالمية أيضاً مراجعة تصنيفها، على غرار ما حدث فى العام 2011 عندما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" تصنيف الاقتصاد الأمريكى ليفقد لأول مرة فى تاريخه التصنيف الممتاز (AAA) الذى اهتز حينها لأول مرة، بسبب مباحثات متعثرة فى الكونجرس حول رفع سقف الديون.
محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار قال إنه تتباين التوقعات بشأن الانعكاسات المحتملة لأزمة الموازنة الأمريكية على الاقتصاد الأمريكى وعلى الاقتصادات فى العالم، بما فيها الاقتصادات العربية، إلا أن المحللين يجمعون على أن استمرار الأزمة لعدة أيام لاحقة قد يتسبب بخسائر اقتصادية عالميا، فضلاً عن أن "العالم كله يتأثر اقتصادياً بما يجرى فى أمريكا".
وأكد أن استمرار الأزمة فى الولايات المتحدة واستمرار توقف عمل الإدارة الأمريكية سيؤدى إلى "أزمة عالمية ستمتد إلى العالم العربى ومنطقة الخليج بكل تأكيد". وأضاف قائلاً "إن الاقتصاد الأمريكى يمثل أكبر اقتصاد فى العالم، ما يعنى أنه عندما يتأثر سلباً فإنه يؤثر فى النمو الاقتصادى العالمى، وبالتالى تتأثر المنطقة العربية حتماً".
وأضاف "الجميع يرى أن أزمة الموازنة وتوقف عمل الحكومة الفدرالية بشكل جزئى أمر حدث فى السابق، ولا مشكلة فى أن يحدث اليوم، لكن المشكلة الحقيقية والكبرى هو أن تتعثر الولايات المتحدة فى سداد ديونها".
وأوضح عادل أنه يتعين على الجمهوريين والديمقراطيين الاتفاق على رفع سقف الدين قبل ذلك التاريخ، وإلا فإن أكبر اقتصاد فى العالم سيتعثر بصورة تلقائية اعتباراً من ذلك التاريخ، مضيفا أن الأزمة الأمريكية الراهنة سياسية أكثر منها اقتصادية، حيث إن إدارة أوباما تمكنت من خفض العجز فى الموازنة من 9% إلى 3% حالياً، ومع ذلك يستمر الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، لأن أسبابه سياسية وحزبية وليست اقتصادية.
لكن نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار قال إنه لا يتوقع أن تصل الأسواق إلى مرحلة طوارئ، وأن تضطر اليابان والصين لبيع سندات، لكن لن يكون الوضع بصالح من يملك تلك السندات بفعل ما يحصل بسبب الخلاف المحتدم حول الميزانية، مضيفا أن ما يحصل توقف جزئى للمؤسسات الفيدرالية وخسائر يومية ستتكبدها الحكومة الأمريكية.
وأشار إلى أن الأسواق ترى الوضع من حيث فقدان قوة الطلب فى بيانات التجزئة بسبب 800 ألف شخص الذين سيفقدون مدخولهم وآخرين لن يحصلوا على تأمين فى الحماية الاجتماعية، وهو ما سيؤثر فى النفقات فى أوقات العطلة وأعياد الميلاد.
الأزمة الأمريكية "صراع ضرائب" يهدف للإطاحة بمشروع أوباما الصحى.. وقيمة الدولار ستنهار وسيهتز الاقتصاد العالمى.. والتأثير سيكون مباشرا على مصر والعرب لارتباطهما بالعملة الأمريكية
الأحد، 06 أكتوبر 2013 12:27 م
باراك أوباما
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mmdoh
good
هذا المقال صورة واضحة للأزمة الأمريكية
عدد الردود 0
بواسطة:
mmdoh
good
هذا المقال صورة واضحة للأزمة الأمريكية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد احمد
الله يخرب بيتك يامرسي
الله يخرب بيتك يامرسي
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام محمد
سر محبة اوباما لمرسي
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو حبيبة
الى متى
عدد الردود 0
بواسطة:
شيماء احمد
يعنى سعر الجنية المصرى فى مقابل الدولار هيرتفع ولا هينخفض
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
الاصول افضل استثمار
عدد الردود 0
بواسطة:
أمل
أحسن
ربنا ينتقم منهم و ينجي مصر و العرب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصراوي
الأزمة على الأبواب
وبكره تشوفوا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد ماهر محمد
واضح ان الي كاتب الخبر مش فاهم