طوق الأزمة الاقتصادية يشتد على أسبانيا

السبت، 05 أكتوبر 2013 03:03 ص
طوق الأزمة الاقتصادية يشتد على أسبانيا رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوى<br>
أ.ش.أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم بوادر الانفراجة التى بدأت تلوح فى الأفق فى إسبانيا خلال الأشهر الماضية، غير أن شبح الأزمة الاقتصادية لايزال يخيم بقوة على مختلف قطاعات الدولة ويؤثر تأثيرا ملحوظا على الحياة اليومية للمواطنين.

فقد عادت معدلات البطالة للارتفاع من جديد رغم تراجعها الملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة انتعاش قطاع السياحة ونشاط سوق العمل.

وارتفعت معدلات البطالة فى إسبانيا فى سبتمبر الماضى بمعدل 0.4% ليبلغ عدد العاطلين عن العمل 4,7 مليون مواطن.

وأوضحت أحدث الإحصاءات الرسمية أن نحو 25,6 ألف مواطن إسبانى فقدوا أعمالهم خلال الشهر الماضى، مشيرة إلى أن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خلال شهر سبتمبر من كل عام يكتسب طابعا موسميا يرجع إلى انتهاء موسم السياحة فى البلاد.

كما أشارت الإحصاءات إلى انخفاض معدلات البطالة بين الشباب دون عمر الـ25 بمعدل 7% عن الفترة نفسها من العام الماضى موضحة أن عدد العاطلين الشباب بلغ نحو 435 ألف شاب فى نهاية سبتمبر الماضى أى ما يمثل 9.2% من إجمالى العاطلين عن العمل فى البلاد.

ويعتبر قطاع الخدمات من أكثر القطاعات التى شهدت فقدا فى عدد العاملين بها مع نهاية موسم الصيف حيث سجل فقدان نحو 52 ألف وظيفة، فى مقابل تراجع عدد العاطلين عن العمل المسجلين فى قطاعات البناء والزراعة والصناعة.

ويكشف لنا ما سبق أن مشكلة البطالة عادت من جديد لتتصدر المشهد الإسبانى رغم بوادر الانفراجة التى بدت بوضوح خلال الأشهر الماضية مع انتعاش قطاع السياحة الذى يعد قطاعا حيويا فى إسبانيا ويدر نحو 11% من الناتج المحلى الإجمالى.

فقد سجلت إسبانيا فى أغسطس الماضى تدفقاً قياسياً للسياح إذ وصل عددهم إلى 8,3 مليون وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 7.1% عن أغسطس من العام الماضى، ويعد أكبر عددا للسياح منذ بدء تسجيل الإحصاءات السياحية عام 1995.

وساعدت هذه الانتعاشة فى قطاع السياحة على تنشيط سوق العمل، خاصة فى منطقة كاتالونيا الشمالية الشرقية التى مثلت الوجهة الأساسية للسياح خلال الشهر الماضى، وأدى ذلك إلى تنشيط القطاعات الخدمية مما ساهم فى تقليص معدلات البطالة لأول مرة منذ عام 2000 حيث تراجع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 225 ألفا و200 شخص بفضل العقود الكثيرة التى وقعت بمناسبة الموسم السياحى.

ومع ذلك ظلت معدلات البطالة مرتفعة فى أسبانيا حيث بلغت 26.6% لتكون بذلك ثانى أعلى نسبة للبطالة على مستوى القارة الأوروبية بعد اليونان التى تبلغ نسبة البطالة بها نحو 28% .

وأوضحت استطلاعات الرأى التى أجريت مؤخرا أن 80.5% من المواطنين الإسبان يعتبرون البطالة واحدة من أهم المشكلات التى تعانى منها إسبانيا والتى دفعت بعشرات الاف الشباب المؤهل إلى البحث عن فرص للعمل فى الخارج.

وفى محاولة لاحتواء تلك الأزمة المتفاقمة، أقرت الحكومة الإسبانية مشروع الموازنة العامة للعام 2014 الذى يهدف إلى توفير الظروف اللازمة لتوفير فرص عمل جديدة وخفض معدلات البطالة التى تعانى منها البلاد، وذلك جنبا إلى جنب مع الالتزام بخفض العجز العام فى ميزانية الدولة.

ووفقا لموازنة 2014، التى من المقرر أن يصادق عليها البرلمان قبل نهاية العام الجارى، سيبلغ سقف الإنفاق العام فى إسبانيا للعام المقبل 133,2 مليار يورو وهو ما يمثل ارتفاعا طفيفا عن العام الماضى بلغ نحو 2,7% ، ومن المقرر أن يخصص 27% من هذا الإنفاق لدفع العوائد على سندات الدين العام الإسبانى للعام المقبل فى وقت تتوقع فيه الحكومة الإسبانية أن ينمو الناتج المحلى الإجمالى للبلاد بمعدل 0,7% عام 2014"

وتشمل موازنة العام المقبل خفض الاستثمارات العامة بنسبة 6,6% وخفض مخصصات وزارات الدولة بنسبة 4,7% ورفع المعاشات التقاعدية بنسبة 0,25% فقط، وتجميد معاشات العاملين فى وظائف الدولة للعام الرابع على التوالى.

وتعتبر وزارة الصحة من أكثر الوزارات التى ستشهد انخفاضا فى مخصصاتها يليها وزارة الخارجية التى ستضطر من جراء هذا القرار إلى إغلاق عدد من سفاراتها فى الخارج، لاسيما مع الدول قليلة التعاون مع إسبانيا، تقليصا للنفقات.

ويقابل ذلك الانخفاض فى المخصصات ارتفاع فى موازنة وزارة العمل والضمان الاجتماعى بمعدل يبلغ 11,5% لتصل إلى 26,5 مليار يورو، ويشمل ذلك زيادة مخصصات دفع استحقاقات البطالة بمعدل 10% مقارنة بالعام الجارى لتبلغ 29,4 مليار يورو.

وتشمل الموازنة أيضا تقليصا لميزانية البيت الملكى الإسبانى بمعدل 2% للعام المقبل لتبلغ 7,7 مليون يورو فيما سيتم تجميد موازنة الكنيسة الإسبانية لتظل 158 مليون يورو خلال العام المقبل على غرار العامين الجارى والماضى. كما سيتم تجميد الدخل السنوى لرئيس الوزراء الاسبانى عند 78,2 ألف يورو والدخل السنوى للوزراء عند 68,9 ألف يورو سنويا.

ورغم أن الحكومة قدمت مشروع الموازنة هذا باعتباره يهدف فى المقام الأول إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادى والنمو غير أن المعارضة رأت أن هذا المشروع هو مشروع لموازنة تقشفية، من شأنها تفكيك دولة الرفاه الاجتماعى وتعميق الفقر فى المجتمع الإسبانى.

ويتفق عدد كبير من المراقبين مع هذا الرأى، حيث إن السياسات التقشفية أصبحت تحظى برفض شديد من قبل المواطنين ليس فقط على صعيد إسبانيا ولكن فى منطقة اليورو بأكملها. فقد كشف آخر إحصاء لمنظمة غالوب الدولية للدراسات الاقتصادية والسياسية عدم تأييد غالبية الأوروبيين للتدابير التقشفية حيث يرى أكثر من خمسين بالمئة من الأوروبيين أن التقشف لا يعتبر أفضل سبيل لحلحلة الاقتصاد الأوروبى وإطلاق النمو.

ويعد الإسبان من أكثر الشعوب الأوروبية المعارضة لتلك السياسات التقشفية، فمعاناتهم من جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية لاتزال مستمرة ولا يشعر المواطن العادى بأى تحسن فى مستويات المعيشة من جراء السياسات التى تنفذها الحكومة بل تزداد معاناته يوما تلو الآخر. فقد كشف إحدى الدراسات الحديثة أن 40 فى المائة من الإسبان يقومون بتغيير عاداتهم الغذائية نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

كما ازدادت معدلات الفقر بصورة ملحوظة لاسيما بين الأطفال الذين يعيش 27% منهم فى فقر مدقع وظلت أعداد كبيرة من المدارس مفتوحة هذا الصيف لتأمين وجبة متكاملة على الأقل لهم.

وتعانى فئة الشباب أيضا من تداعيات الأزمة الاقتصادية. فإلى جانب مشكلة البطالة التى تنتشر بقوة بين صفوفه، يعانى الشباب من عدم قدرتهم على تحقيق الاستقلالية فى الحياة حيث كشفت الإحصاءات أن شابين فقط من بين عشرة شباب فى إسبانيا يستطيعان تحقيق الاستقلال المادى بعيدا عن منازل الأهل، بسبب الوضع الصعب الحالى الذى تعيشه البلاد، حيث يتوجب على الشباب الأقل من ثلاثين عاما والذين يرغبون فى شراء شقق، أن يربحوا 80% أكثر من الراتب الذى يكسبونه حاليا، وهذا دون احتساب مصاريف المعيشة.

من ناحية أخرى دفعت الأزمة الاقتصادية الإسبان للاتجاه إلى استخدام الدراجات بدلا من السيارات التى يبدو أنهم لم يعودوا قادرين على تزويدها بالوقود ولا شرائها، وهو ما تسبب فى ركود غير مسبوق فى سوقها على خلاف الدراجات التى حققت مؤخرا رواجا واسعا.

ورغم المؤشرات الإيجابية التى بدأت تلوح فى الأفق على الساحة الإسبانية، والمتمثلة على سبيل المثال فى تراجع العجز التجارى للبلاد ومعدلات التضخم وارتفاع الصادرات ونشاط قطاع السياحة، غير أن طوق الأزمة الاقتصادية يشتد على أسبانيا مع استمرار معدلات البطالة والسياسات التقشفية للحكومة وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بالخروج من تلك الأزمة المتفاقمة فى وقت قريب لاسيما فى ظل ارتفاع أعداد المواطنين المهاجرين خارج البلاد هروبا من الأزمة وبحثا عن فرص عمل جديدة لتحسين مستوياتهم المعيشية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة