الذكرى الأولى.. حفلة والكُل معزوم فيها.. من صاحب قرار الحرب لمحلات رجب العطار:
الكل كان حاضرًا فى احتفالات الصحف بالذكرى الأولى لنصر أكتوبر، بداية من الرئيس السادات "صاحب الفرح" وصولا لشركة القاهرة للزيوت والصابون ومحلات رجب العطار!
زفة الاحتفالات امتدت على مدار الشهر بجرائده اليومية ومجلاته الأسبوعية والشهرية، وحرص الجميع أن يتذوق "تورتة" النصر، ويشارك ولو ببرقية أو رسالة تهنئة تظهره فى الكادر الذى التقطته الجرائد والمجلات للاحتفالات.
من أهل أسوان وصولا لشعب الإسكندرية، اشترى المعلنون صفحات فى مختلف الجرائد والمجلات، ليعبروا عن فرحتهم بحلول الذكرى الأولى لليوم الذى أطلقوا عليه "يوم من أيام الله"، ويظهروا الامتنان لـ"قائد من رجال الله"، وأرفقوا عبارات التهنئة بتقرير عن إنجازاتهم خلال عام النصر، وهو نفس ما فعلته كافة الوزارات كالنقل والسياحة والتموين والصناعة...الخ، مقدمين وعودهم باستكمال المسيرة والانطلاق نحو البناء والتعمير، ومن بينهم وزارة التجارة التى اشترت صفحة كاملة فى جريدة الجمهورية يوم 6 أكتوبر 1974 تعد فيها بالمشاركة بالفكر والعرق قائلة "سنسير جميعا على طريق المستقبل ليكون عملنا وسلوكنا ترجمة صادقة لأفعالنا.. هذا عهدنا ووفائنا إلى "الزعيم القائد الرئيس المؤمن"، ناهيك عن الشركات والهيئات والنقابات المختلفة التى كانت أيضا ضمن قائمة المعازيم.
الاحتفالات من السادات لمبارك.. تحت شعار "الحى أبقى من الميت"
"الحى أبقى من الميت".. شعار رفعته الصحف القومية من عهد السادات إلى عهد مبارك، ففى الأعوام التى اعتلى فيها السادات كرسى الحكم كان القائد الزعيم الرئيس المؤمن، وقائد العبور وراعى السلام -بحسب توصيفهم-فى تلك الفترة، وكانت الصفحات تفيض بصوره وتصريحاته وإنجازاته، ففى الذكرى الأولى للحرب نشرت الأهرام عدة صفحات تحت عنوان "أسرار خطيرة يذيعها السادات للمرة الأولى فى عددها الصادر 7 أكتوبر 1974، وفى احتفالات أكتوبر1975 نشرت من جديد مذكراته عن الحرب، فى حين أفردت مجلة "روزاليوسف" ملفا كاملاً للحديث عن بطولاته العظيمة فى عددها الشهرى الصادر يوم 27 أكتوبر 1975، حيث كانت الاحتفالات تمتد على مدار الشهر بأكمله.
وحين أصبح اسم رئيس الدولة "محمد حسنى مبارك"، تعاظم الحديث عن دوره الخطير وضربته الجوية التى سحقت أسطورة الطيران الإسرائيلى، خاطفاً الأضواء والأمجاد من السادات، بعد أن كان الحديث عنه يكاد يكون معدوما فى الأعوام الأولى لذكرى الحرب، حيث نشرت الأهرام فى عددها الصادر يوم 4 أكتوبر عام 1974 خبرًا متناهى الصغر فى يمين الصفحة بجواره صورة لا ترى بالعين المجردة عن الإنجاز الوحيد الذى حققه مبارك فى حرب أكتوبر، إلا أن هذه المساحة الضئيلة تضاعفت عشر مرات بمجرد أن تولى منصب رئاسة الجمهورية، لينتقل شرف الانتصار من السادات صاحب قرار الحرب إلى مبارك الذى كان فى السنوات الماضية -بعيون الصحف- مجرد أحد الرجال الذين شاركوا بها، ويحصل على مدار 30 عاما فى الحكم على لقب بطل الحرب والسلام، وينتقل من ذلك المربع الصغير إلى المساحات الشاسعة بالجرائد آخذًا مكان السادات.
"فكرهم ونكد عليهم".. رصد خسائر العدو الإسرائيلى حفلة كل سنة
مثلما تفتخر الصحف كل عام بالإنجازات التى حققتها مصر والغنائم التى حصدتها، كان يحلو لهم تقليب المواجع على العدو الإسرائيلى، وتذكيره بهزيمته الساحقة، وما أسفر عنها من خسائر مادية وبشرية تحت شعار "فكرهم ونكد عليهم"، على نفس طريقة مشجعى النادى الأهلى مع جماهير الزمالك عقب كل فوز للأحمر.
موضوعات النكبات الإسرائيلية تنوعت بين أخبار وتقارير وتحقيقات؛ ففى جريدة الجمهورية فى العام 1974 نشر تحقيق للكاتب الصحفى والنقابى عبد العال الباقورى بعنوان "إسرائيل وعام الهزيمة" يسرد خلاله خسائرها على ثلاثة مستويات، الأول "الأمن" بعد فقدان الثقة فى الجيش، والثانى "الاقتصاد" الذى تدهور، والثالث الهجرة، حيث ارتفع معدل الهجرة على مدار هذا العام.
وفى العام الذى يليه "1975"، عيدت مجلة "آخر ساعة" على إسرائيل فى عددها الشهرى الصادر يوم 15 أكتوبر بنشر تقرير بعنوان "ماذا حدث فى إسرائيل بعد أكتوبر"، أشارت خلاله إلى هجرة 20 ألف يهودى من إسرائيل منذ الهزيمة.
وفى نفس العام نشرت مجلة "روزاليوسف" تقريرا يعرض خسائر إسرائيل، حيث فقدت فى الأسبوع الأول عددًا كبيرا جدا من المدرعات وثلث سلاحها و149 طائرة ناهيك عن القتلى، إلا أنه مع مرور السنوات، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، بدأت تقل نبرة الشماتة من مانشيتات الصحف، وتقتصر الملفات الصحفية على عرض الإنجازات والبطولات.
المشير أحمد إسماعيل الحصان الأسود فى الحرب والاحتفالات
احتفالات الجرائد بحرب أكتوبر كل عام كانت ولا تزال لا تخلو من ذكر المشير الراحل أحمد إسماعيل، أحد أبطال حرب أكتوبر وصاحب خطة العبور، فلا تذكره فقط كأحد أبطال الحرب، بل يظل مصدرا رسميا كل عام لمزيد من الأسرار عن حرب أكتوبر، لتبقى ذكراه أيقونة الحرب وروح الاحتفالات.
فى عدد 4 أكتوبر عام 1974، وتحديدًا فى جريدة الأهرام، تحدث وزير الحربية سابقا وصاحب خطة العبور لـ "الأهرام" عن قصة الثغرة كاملة، وحتى حين توفى المشير فى 25 ديسمبر 1974 بعد هذه التصريحات بأقل من شهرين فجعبة أسراره لم تنته، ففى السنة التالية وتحديدا فى 6 أكتوبر 1975 أجرت زوجة المشير أحمد إسماعيل بحوار خاص مع جريدة الأهرام، وأفصحت عن مزيد من الأسرار المتعلقة بحرب أكتوبر، والتى لم يعلن عنها من قبل.
ولم يمر عام إلا ويذكر اسم المشير أحمد إسماعيل مقترنا بكلمة أسرار جديدة لحرب أكتوبر، فبعد أن توفيت زوجته تولى ابنه هذه المهمة ليظل فى كل احتفال من احتفالات أكتوبر يدلى بمعلومات جديدة لم تنشر من قبل، وإلى عامنا هذا فى الذكرى الأربعين للحرب لا تزال الصحف تنشر أسرار المشير أحمد إسماعيل، حيث نشرت إحدى الصحف الخاصة مذكراته التى تحمل بين طياتها أسرارا لم تنشر من قبل، على الرغم من مرور كل هذه السنوات، بالإضافة لحديث المشير ذاته وعائلته على مدار سنوات طويلة عن أسرار الحرب.
زوجات أبطال حرب أكتوبر.. النص الحلو فى البيت وفى احتفالات الجرائد
على مدار 39 عامًا كانت زوجات أبطال حرب أكتوبر المجيدة قاسما مشتركا لأزواجهم فى احتفالات الجرائد، فلم يمر عام إلا وخرجت زوجة شهيد أو بطل من الأبطال، لتتحدث عن زوجها، ودوره فى الحرب، وعملا بمبدأ وراء كل رجل عظيم امرأة، حرصت الجرائد على الفوز بحوارات وتصريحات منهن، كما حرصت على تواجد زوجات الشهداء أو أبطال الحرب فى احتفالات كل عام.
ففى عدد الجمهورية فى ذكرى الانتصار لعام 1974، خرجت جيهان السادات لتتحدث عن حرب أكتوبر وعن دور زوجها فى قرار الحرب، حيث أكدت أن زوجها هو بطل الحرب، واستطاع أن يتخذ القرار السليم فى الوقت المناسب، أما فى السنة التالية كان الظهور المدوى لزوجة المشير أحمد إسماعيل فى كثير من الجرائد القومية احتفالا بانتصار أكتوبر عام 1975، فتحدثت زوجة أحمد إسماعيل إلى الأهرام عن دور زوجها المحورى فى الحرب.
أحاديث الزوجات عن بطولات الأزواج لم تنته بعد، فقد نسبت كل زوجة الانتصار إلى زوجها، فسوزان مبارك هى الأخرى تحدثت فى اليوم الخامس من أكتوبر لجريدة الجمهورية عام 1998عن دور زوجها محمد حسنى مبارك فى النصر.
الزمالك خسران فى يوم النصر.. والأهلى يحتكر الفوز فى الحرب والسلام:
"الزمالك يتعادل مع الاتحاد بدون أهداف والأهلى يفوز على المنيا".. كان المانشيت الأبرز فى صفحات الرياضة بالجرائد الصادرة يوم 6 أكتوبر من العام 1973، إنه يوم النصر لمصر بأكملها فيما عدا "الزمالك" الذى أصر على ألا يقدم شيئا استثنائيا للجماهير المتعطشة للمكسب يتناسب حتى مع عظمة ذلك اليوم الذى سيظل التاريخ يذكر فيه انتصار الجيش المصرى وخسارة الزمالك.
وكعادة الفريق الأحمر فى نكاية مشجعى الفانلة البيضاء، لم ينته الخبر عند حد عدم الفوز، ولكن تم تذيله بالحديث عن انتصار "الأهلى" الذى لا يلتفت للمؤثرات الخارجية محتكرا الفوز فى الحرب والسلام.
من غير ما يعرفوا.. صناع السينما حققوا أمنية جيل أكتوبر 73
من دون أن يقصدوا حقق صناع السينما والتليفزيون أمنية للجيل الذى عاصر حرب أكتوبر، الأمنية أشارت إليها مجلة "آخر ساعة" فى أحد الموضوعات التى نشرتها فى عددها الشهرى الصادر يوم 9 أكتوبر 1974 الذى احتفت فيه بالذكرى الأولى للنصر بمانشيت "كل 6 أكتوبر وأنتم طيبون يا شباب مصر"، وهى خلق عمل فنى يستطيع أن يجسد لحظات الأمل المصحوب بالخوف التى عاشها أبطال الثغرة والعبور، وخطط العبور والحكايات التى صنعت النصر؛ حيث كان عنوان التحقيق الذى نشره الكاتب الصحفى المسرحى "نبيل بدران" وقتها (النصوص الجيدة التى تعبر عن روح أكتوبر لم تظهر بعد)، مؤكدا بين سطور تحقيقه أن المعركة لا تزال أكبر من المؤلفين.
وبعد مرور 40 عامًا على ذكرى أكتوبر، نحب أن نطمئن الناقد المسرحى فى مرقده، أن قائمة الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى جسدت تلك اللحظات لا تزال فى ازدياد كل فترة.
ومن أشهر الأعمال، التى لابد أن الكاتب تراجع عن رأيه بعد أن شاهدها، "الرصاصة لا تزال فى جيبى"، والذى أجمع النقاد والجماهير على أنه من أفضل ما أنتج عن حرب أكتوبر، "الطريق إلى إيلات"، "العمر لحظة"، "حتى آخر العمر"، "الوفاء العظيم"، و"أبناء الصمت".












