فى تمام الساعة الـ9 من مساء يوم الخميس الموافق 27 يونيو 2013 كان عصام العريان قد انتهى من الإدلاء بحوار تليفزيونى لإحدى القنوات الفضائية حول المظاهرات المرتقبة فى 30 يونيو، والتى تطالب بإنهاء حكم الإخوان، وأثناء خروجه من الأستوديو فوجئ بمنير فخرى عبدالنور القطب الوفدى البارز ووزير الصناعة الحالى وسكرتير جبهة الإنقاذ آنذاك، والذى كان يستعد بدوره للإدلاء بحوار مماثل يعكس وجهة نظر الجبهة حول نفس الحدث، فحرص العريان يومها على مصافحة عبدالنور ومعانقته بحميمية شديدة، كأن شيئا لن يحدث بعد أيام قليلة، ثم قال له بلهجة تملؤها الثقة: «منير.. راجعوا نفسكوا.. انتو بتخسروا كتير».. ملامح الدهشة اعتلت وجه عبدالنور وعقدت لسانه لعدة لحظات وبعدها رد قائلا: «إحنا برضه اللى بنخسر» فقال العريان: «أيوه يامنير.. الوفد بيخسر.. انتو حزب كبير ومكنش لازم تخشوا فى الحاجات دى» فى إشارة إلى مشاركة حزب الوفد فى الدعوة لمظاهرات 30 يونيو.
«الكبر هو بطر الحق وغمط الناس» هكذا يمكن تلخيص الحالة التى كان يعيش فيها القيادى الإخوانى قبل أقل من 73 ساعة من ثورة مرتقبة، ومعلن عنها ضد نظام حكم جماعته، إذ كان يتخيل أن الجميع سيخسر وأنهم فقط الرابحون وكان يظن أن الإخوان بالفعل يمتلكون ناصية الشارع المصرى وأن الحشود التى ستنزل للمطالبة بإسقاطهم لن تتجاوز عشرات الألوف فى حين أن انصارهم يقدرون بالملايين، وهذا هو الوهم الذى عاش فيه أغلب قيادات الإخوان حتى اللحظة الأخيرة، وربما حتى الآن أما مشكلة العريان على وجه التحديد، أنه لم يدرك أنه كان سببا رئيسيا فى الانخفاض الحاد الذى أصاب شعبية جماعته وأدى بالتبعية إلى سقوط رئيسه.
الأزمة الحقيقية التى ظل عصام العريان يعانى منها هى ضعف وزنه التنظيمى داخل الجماعة سواء قبل الثورة أو بعدها، فلا ينسى أحد أزمة تصعيده إلى عضوية مكتب الإرشاد عام 2009 حيث ظل لسنوات طويلة مرشحا لعضوية المكتب، لكن قيادات الجماعة كانوا يرون أنه شخص «خفيف» ربما يستطيع أن يتحدث فى وسائل الإعلام، لكن لا يصلح لتولى منصب قيادى فى الجماعة، بالإضافة إلى أنه وقتها كان محسوبا على التيار الإصلاحى، وهو ما لم يرق لدى القيادات الذين ينتمى أغلبهم إلى التيار القطبى.
حين حانت اللحظة المناسبة لتصعيده لعضوية مكتب الإرشاد عقب خلو أحد المقاعد بوفاة عضو المكتب محمد هلال، قدم عصام العريان نموذجا للانتهازية السياسية، حيث ترك شباب الجماعة وبعض قياداتها والقوى السياسية يخوضون معركة مع صقور التيار القطبى من أجل تصعيده باعتباره نموذجا «إصلاحيا» - كما كان الظن وقتها - بينما آثر هو الصمت لمهادنة التيار الذى يسيطر على مقاليد الأمور داخل الجماعة، حتى وافقوا على تصعيده لعضوية المكتب، بينما خرج آخرون خاضوا المعركة بالنيابة عنه من عضوية المكتب، ثم من الجماعة كلها، وعلى رأسهم محمد حبيب نائب المرشد السابق، دون أن ينبس العريان ببنت شفه، لم يختلف الأمر كثيرا بعد الثورة، حيث لم تختلف نظرة قيادات الإخوان لعصام العريان فى شىء وفضلوا أن يسندوا له بعض المهام الشرفية، مثل نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، أو رئيس الكتلة البرلمانية للحزب فى مجلس الشورى، وحين قرر أن يرشح نفسه لرئاسة الحزب، جاءت هزيمته مدوية أمام سعد الكتاتنى الذى حصل على 581 صوتا مقابل 283 صوتا فقط للعريان.
ظل العريان يحاول أن يستعيض عن ضعف وزنه التنظيمى بإثارة الجدل الإعلامى حوله من ناحية، وربما كان يعتقد أنه بهذه التصريحات التى كانت تفتقر للياقة، ولا يمكن أن تصدر عن سياسى عاقل، يغازل القيادات عسى أن يمنحوه شيئا، لكن الحقيقة أنه كان يضع الجماعة فى مواجهة غضب واستفزاز الشعب، فالعريان افتعل معارك مع كل التيارات فى المجتمع وهاجم اليسار بدون مناسبة، واتهمه بالحصول على تمويل أجنبى.
العريان انتهز أيضا فرصة الذكرى السنوية للغزو الأمريكى للعراق، وافتعل معركة جديدة مع البرادعى، حيث طالب بمحاكمته وطنيا ودوليا، متهما إياه بالتسبب فى اتهام العراق بامتلاك أسلحة الدمار.
ولم يكن الإعلام بعيدا عن مرمى معارك العريان، حيث دخل فى اشتباك لفظى عنيف مع عدد من القنوات الفضائية، وكانت معركته الأشهر حين طالب بعودة اليهود مرة أخرى إلى مصر، وهو ما أثار غضبا واسعا فى المجتمع المصرى كله، لكن العريان لم يتوقف عن إثارة الأزمات بتصريحاته المتكررة، فوضع النظام السياسى فى أزمة دبلوماسية مع دولة الإمارات حين قال فى اجتماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى: «الإماراتيين ما بيعرفوش يقرأوا صح وإيران النووية قادمة، وأن تسونامى قادم من إيران، وليس من مصر، والفرس قادمين، وهتصبحوا عبيدا عند الفرس».
هكذا.. لم يكن عصام العريان يدرك أن لسانه سيسقط جماعته بعد عام من حكم مصر الذى ظلت تحلم به «الإخوان» أكثر من ثمانين عاما منذ تأسيسها على يد حسن البنا.
محمد إسماعيل يكتب: العريان.. لسان أضاع حلم الثمانين عاما وأسقط مرسى
الخميس، 31 أكتوبر 2013 06:11 ص