إذا كان العلماء ورثة علوم الأنبياء، فإنهم أيضًا ورثوا قدرًا لائقًا بهم من الاعتبار، والمكانة فى الشريعة، فكان واجب على الأمة من بعد طاعتهم فى طاعة الله، وموالاتهم، واحترامهم، والسعى إليهم، والأخذ عنهم.
وعلى هذا جرى سلف الأمة، فكان العلماء هم المقدمين، فهم ولاة صدور المجالس، إليهم مرجع الأمة فى كل حال، ومفزعها حين يحزبها أمر ذو بال.
والناس فى جملتهم يعرفون لهم أقدارهم، ومنازلهم. ثم خلفت خلوف قل فيها العلم وأهله، وندر فيها الأمة الجهابذة، وقل اعتبار الناس لتلك البقية من السلف، فلم ينزلوهم منازلهم؛ بل تفرقوا فى ذلك طرائق قددًا .. فقوم رأوا أن العلماء كسائر الناس، ليس لهم فى الشريعة اعتبار يعلى قدرهم، فلم يرفعوا بالعلماء رأسًا، وفى هؤلاء شبه بالخوارج الذين لم يرعوا لسادات العلماء من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم – حقهم ، فكانت عاقبة أمرهم خسرًا فضلوا وأضلوا، وفرقوا دينهم شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون.
وقوم قدسوا العلماء، ورفعوهم فوق أقدارهم فقلدوهم فى دينهم تقليدًا مطلقًا، فليس رائد المرء الدليل، بل رائده قول الشيخ، وفى هذا الصنف شبه بالروافض الذين جعلوا أئمتهم معصومين، وجعلوا لهم مقامًا لم يبلغه نبى مرسل، ولا ملك مقرب، وتعددت فرق هؤلاء بحسب تعدد الشيوخ، وتعصب كل قوم لرأى مقلدهم من دون قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وقوم رأوا للعلماء منزلة، ولكنهم لم يعاملوهم باعتبارهم بشرًا يقع منهم الخطأ والهوى، بل تعاملوا معهم بغير المقاييس البشرية، فما إن يروا خطأ من عالم حتى يعظموا ذلك الخطأ ويكبروه ويضخموه ويطيروا به فى الناس كل مطار .
إذ العلماء جديرون منا بالحرص على حسن التعامل، وكمال الرعاية لحقوقهم فإن لهم منزلة فى الدين، ليست لغيرهم من الناس. على أن نفع هذه الورقات ليس قاصرًا على ذلك، بل لعل فيها فوائد أخرى، منها: إغراء طلاب العلم وحضهم على المزيد من الطلب، والارتقاء فى مدارج العلم، ليصبحوا من الراسخين الذين وهبهم الله الحكمة، فإن امرءًا ينظر فى فضائل العلماء، ودرجتهم من الدين، لا يملك إلا أن يسأل الله أن يسلكه فى سلكهم ويهبه مثل ما وهبهم، ثم يعقد العزم – إن كان كيسًا – على التشمير فى الطلب، والجد فى التعلم. إن العلماء الذين أتحدث عنهم، هم العلماء المعتبرون فى الأمة، أما أهل البدعة والضلالة، الذين عقدوا ألويتها ووالوا على أساس بدعهم وعادوا، فجعلوا معقد الولاء والبراء غير كتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فهم غير جدراء بأن يسلكوا فى سلك أهل العلم وإن تزيوا بزى العلماء وانتسبوا إليهم.
ويلحق بهؤلاء قوم، اتخذوا العلم مهنة وصنعة يتعيشون منها، ولم يعقلوا من العلم بشىء إلا رسومًا وأشكالاً فى اللباس والهيئة، وأساليب المنطق والكلام أوهموا بها أنهم (علماء) .
إذ هؤلاء القوم حقيقيون أن يعدوا فى طوائف العوام، فهم متعالمون وليسوا (بعلماء).
فوزى فهمى غنيم يكتب: عن العلماء المعتبرين فى الأمة أتحدث
الخميس، 31 أكتوبر 2013 02:12 م