عميد الأدب العربى طه حسين فى الذكرى الأربعين لرحيله، الرجل الذى كسر قيود المحبسين، قال له شيخه: "اقرأ يا أعمى" ، فرد عليه: "لست مبصرًا، فالبصر يفتح عمل الشيطان، ويغلق أبواب جنة الخيال". هذا الرجل كتب كلامًا منذ أكثر من خمسين عامًا، تيسر لى قراءته اليوم، فإذا بكلامه مطابقًا تمام المطابقة لما نعيشه اليوم، وكأنه حين كتب واصفًا لواقع عاش فيه استشرف الواقع الذى نعيشه، فإذا به يصفه كأنه يراه بين يديه اليوم. الكتاب بعنوان" هؤلاء هم الإخوان" . يقول طه حسين: "ولكننا نصبح ذات يوم فنستكشف أن فريقًا منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم فى الوطن ولإخوانهم فى الدين ولإخوانهم فى الحياة التى يقدسها الدين كما لا يقدس شيئًا آخر غيرها من أمور الناس. ما هذه الأسلحة وما هذه الذخيرة التى تدخر فى بيوت الأحياء وفى قبور الموتى؟ . هذا ما كتبه طه حسين سنة 1954 عن الإخوان، وهو هو نفس ما اكتشفناه فى 2013. بالأمس كان فى مواجهة ثورة يوليو وعبد الناصر، واليوم فى مواجهة ثورة يونيه والسيسى. وفى موضع آخر يقول: " يقال إن حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يحرم شيئًا كما حرم القتل". ثم يقول : "هيهات إن الإسلام لم يأمر بادخار الموت". ويصف طه حسين الإخوان بأنهم عدوى منكرة جاء بعضها من أعماق التاريخ وأقبل بعضها من جهات الأرض الأربع. جاء بعضها من أعماق التاريخ، من أولئك الذين قال فيهم رسول الله (ص): "إنهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم". يستبيحون دماء المسلمين، ويتحرجون فيما عدا ذلك تحرج الحمقى لا تحرج الذين يتدبرون ويتفكرون، ويعرفون ما يأتون وما يدعون. وأقبل بعضها من جهات الأرض الأربع عن طريق قتلى الحروب فأثار فى نفس الأخيار حسرة ولوعة، وأثار فى نفس الأشرار ميلاً إلى الشر ورغبة فيه وتهالكًا عليه. ثم يقرأ طه حسين حالة مصر بين الأمس واليوم فيقول: "لم يأت هذا الشر الذى تشقى به مصر الآن من طبيعة المصريين لأنها فى نفسها خيرة، ولا من طبيعة الإسلام لأنها أسمح وأطهر من ذلك، وإنما جاء من هذه العدوى". يقصد: الإخوان. ثم يستطرد: "الخير كل الخير أن نطب لهذا الوباء كما نطب لغيره من الأوبئة التى تجتاح الشعوب بين حين وحين". تلك هى نصيحة العميد للمجتمع المصرى فى مواجهته للإخوان الذين يمثلون من وجهة نظره عدوى تستشرى فى المجتمع كالوباء بتركها دون تطبيب. إذن فهم مرضى، بحسب رؤية العميد، فى حاجة ماسة إلى علاج سريع وفعال، حتى يشفى المريض فى ذاته، ويشفى المجتمع منه. والعلاج الأمنى لهذه العدوى لا يتعدى كونه مسكنًا قد يخدر موضع الألم لفترة، إلا أنه لا يعالج أصل الداء. ومن ثم فسكون الألم وسكوته لا ينبئ عن الشفاء وإنما يبقى المرض رابضًا متحفزًا للانقضاض لنهش خلايا المجتمع وتدميره. فالعلاج الأمنى يصلح للتسكين مؤقتًا إلا أنه لا يتحمل تبعة الشفاء. كما أن العلاج لا يكون بالإقصاء من الوطن أو بالإقصاء من الحياة. وإنما يكون العلاج بتضافر كافة الجهود لإعادة تصحيح الصورة الذهنية لأعضاء هذه الجماعة للدين والحياة، عن طريق المدارس والجامعات المؤسسات العلمية والتربوية ومراكز اعادة التأهيل النفسى والاجتماعى والأزهر الشريف، على أن نأخذ فى الاعتبار ألا يشغلنا إدخال المفاهيم الصحيحة عن الدين والحياة قبل إخراج المفاهيم المغلوطة المحشوة بها أدمغتهم وأنفسهم وفرشها على المنضدة للحوار والمناقشة والتفنيد وبيان فسادها وتهافتها وهشاشة بنيانها، ثم إدخال المفاهيم الصحيحة التى بها لا يرون الصورة مقلوبة. ونتذكر قولة الصبى الأعمى الذى شغل العالم به دائمًا فى ذكرى رحيله: "الخير كل الخير أن نطب لهذا الوباء". رحم الله طه حسين.
الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصر
..........ووصفهم عباس العقاد بأنهم خوان المسلمين
.
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامة مطاوع
ادارة الارادة