طارق سعيد يكتب: الإخوان وما أدراك ما الإخوان .. الجماعة نشأت على هامش الدولة واستبدلت التنظيم بالوطن فسقطت فى أول اختبار للسلطة

الخميس، 03 أكتوبر 2013 01:58 ص
طارق سعيد يكتب: الإخوان وما أدراك ما الإخوان .. الجماعة نشأت على هامش الدولة واستبدلت التنظيم بالوطن فسقطت فى أول اختبار للسلطة محمود عزت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى العام 1928 أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ ذلك اليوم لعبت الجماعة أدوارًا علنية وسرية فى التاريخ المصرى، ومثلت مواقفها لغزًا لكثير من المتابعين للشأن العام، ولفهم مواقف الجماعة الملتبسة والمتناقضة يجب إعادة القراءة فى كيفية نشأتها، وبنائها الأول، والأدوار التى لعبتها سلبًا أو إيجابًا فى التاريخ المصرى الحديث.
منذ نشأة الجماعة حرص مرشدها ومؤسسها الأول على أن تكون خليطًا بين ما هو دعوى، وما هو سياسى، وهو ما ذكره «البنا» فى رسالته للمؤتمر الخامس للإخوان، أن الجماعة دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشراكة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.. ما ذكره المؤسس يؤكد أن الجماعة منذ نشأتها تمثل وعاء جامعًا يحوى كل ما قاله.
هذا المدخل ضرورى لفهم ما يحدث الآن من تفاعلات داخل الإخوان تؤثر بالضرورة على مجريات الأحداث فى مصر.

فالجماعة التى نشأت على الهامش، علاقتها بأى مجتمع تنشأ فيه هى علاقة اضطرار لا أكثر، فقد حرص الإخوان أن تلعب الجماعة كل الأدوار فى حياة الأعضاء المنتمين لها، فمثلت لهم كل بديل ممكن يجعلهم أقل احتياجًا لمن هم خارجها، وكان خطأ الجماعة القاتل والذى كان سببًا رئيسًا فى فشلها فشلاً ذريعًا فى حكم البلاد أنها استبدلت الجماعة بالوطن، فأصبحت الجماعة هى الوطن، وأصبحت مصلحة الجماعة هى مصلحة الوطن، وأصبح الحفاظ عليها هو الحفاظ على الوطن، وهو ما أدى إلى قصور الإخوان فى فهم الدولة، وطبيعتها، وكيفية إدارتها، وأصبح كل شغلهم الشاغل هو اختراق أجهزتها، والعمل على هدمها، فاستحكم الخلاف بين الجماعة ومؤسسات الدولة، مثل الجيش، والقضاء، والإعلام، وهو ما أدى بالتأكيد إلى الفشل الذريع فى مهمة الجماعة التى لم تكن فى يوم من الأيام جزءًا من الدولة المصرية العتيدة، ولا ظهيرًا لها، وهو ما يفسر أيضًا إصرار الجماعة على القتال حتى اليوم فى معركة قال عنها المراقبون المحايدون إنها معركة خاسرة، فلا أمل للإخوان فى استعادة سلطة خسروها بسبب غبائهم، فشباب الجماعة تربوا ونشأوا على أن ما يمس الوطن هو ما يمس الجماعة، لذلك فهم يخرجون- كما صُوّر لهم- لا للدفاع عن الجماعة، إنما للدفاع عن الوطن ضد هؤلاء الذين يحاولون السيطرة عليه من المدفوعين من كل أعداء الجماعة المتخيلين، مثل الأمريكان والإسرائيليين والإيرانيين، وكل ما يستجد من أعداء على الساحة. أما الخطأ الأكبر الآخر الذى جاء فى بنية تأسيس هذه الجماعة فهو خلط الدعوى بالسياسى، وبمعنى آخر أدق خلط الدينى بالسياسى، وهو المنهج الذى اتبعه «البنا»، وبنى عليه جماعته منذ نشأتها الأولى فى عشرينيات القرن الماضى، عندما قال إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية وروحانية وعمل ومصحف وسيف.. هذا المنهج فى البناء هو ما جعل الجماعة التى تضم خليطًا شتى متماسكة لفترة طويلة ضد الانقسامات والانشقاقات الكبرى، فكان دائمًا ما يوجد حد أدنى من الروابط تجمع مثلاً بين عبدالمنعم أبوالفتوح، المهتم بالسياسة أكثر من الدعوة، ومحمود عزت، رجل التنظيم المهتم بالدعوة أكثر من السياسة، رغم اختلاف آرائهما فى كثير من القضايا المفصلية، مثل الأقباط والمرأة، وقضايا أخرى كثيرة، هذا طبعا قبل أن يحدث المتغير الأعظم فى تاريخ الجماعة الذى كسر كل هذه القوالب، وأدى إلى انشقاقات كبيرة داخلها، وهو الوصول إلى السلطة.

الدعوة والسياسة والعنف كلما أمكن وسنحت الفرصة كانت سبيل الإخوان للتمكين والسيطرة، وهو ما بدأ مبكرا وبعد سنين قليلة من تأسيس الإخوان، فنشأ ما يعرف بالنظام الخاص، أو التنظيم السرى، وشهد عام 1948 تحولاً فى تاريخ الجماعة، فقد أصدر النقراشى باشا، رئيس الوزراء آنذاك، قرارًا بحل الجماعة بعد عودة مقاتليها من فلسطين، وهو ما دفع النظام الخاص إلى اغتياله، ثم اغتيال القاضى أحمد الخازندار انتقاما منه بسبب الحكم الذى أصدره فى إحدى قضايا الإخوان. وكشف عبدالرحمن السندى، رئيس النظام الخاص، أن حسن البنا قال فى أحد الاجتماعات «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله»، وهو ما اعتبره السندى ضوءًا أخضر لاغتيال الرجل، وظلت أعمال العنف تتصاعد حتى دفع حسن البنا حياته ثمنًا للعنف الذى انتهجته جماعته.

ظلت الجماعة طوال تاريخها تنكر أن هناك تنظيمًا سريًا رغم اعتراف العديد من قادة التنظيم السرى بأنه موجود، وظل يعمل طوال الوقت، وكان مسؤولا عن محاولة اغتيال «عبدالناصر» فى المنشية، ومحاولة إغراق الدلتا فى العام 1965، فيما عرف بتنظيم 65، ثم محاولة اغتيال السادات فى العام 1974 فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«حادثة الفنية العسكرية»، وهو ما اعترف به طلال الأنصارى، المتهم الثانى فى القضية، والذى قال إن التنظيم كان الجناح المسلح للجماعة، وهو ما يقودنا إلى أن انتهاج العنف ليس جديدًا على تاريخ الجماعة، ولا على قادتها، والجديد فى الأمر أن العنف هذه المرة لا يوجه لخصومها السياسيين فقط، إنما يوجه للشعب المصرى كله الذى أسقط الجماعة سياسيًا وأخلاقيًا قبل أن يسقطها شعبيًا فى 30 يونيو الماضى، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى تفاهمات سياسية، أو مصالحة وطنية مع جماعة ينطبق عليها القول الشائع «إن ما خلق ليزحف لا يمكن أن يطير».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة