أكد الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس العربى للطفولة ورئيس برنامج الخليج العربى للتنمية "أجفند" أهمية تحديد خط فاصل لحالة التوجس والريبة التى أصابت العمل الأهلى فى الدول العربية، خاصة الدول التى شهدت ثورات الربيع العربى، وذلك فى أعقاب اكتشاف مؤامرات التمويل مما يمهد الطريق أمام مؤسسات التمويل العربية، التى تعمل تحت القواعد المعمول بها فى الدول، لكى تؤدى رسالتها التنموية للفئات الأحوج للمساعدة فى مناخ آمن يسوده الثقة والشفافية.
جاء ذلك فى كلمته التى وجهها فى افتتاح ندوة "منظمات المجتمع المدنى بين التمويل العربى ومخاطر التمويل الأجنبى"، وألقاها نيابة عنه الدكتور حسن البيلاوى أمين عام المجلس، مشيرا إلى أن هذه الندوة تعقد فى وقت عصيب ملئ بالهواجس والأخطار، حيث برزت فى الساحة العربية كثيرًا من القضايا المعقدة بعد اكتشاف سلسلة طويلة من مؤامرات التمويل الأجنبى فى مصر، فألقت بظلالها الكثيف على عدد من منظمات المجتمع المدنى غير مسارها من العمل التنموى المناط بها إلى العمل السياسى والدعوى، وسقط بالتالى حق كل الفئات الأولى بالرعاية فى طليعتهم الفقراء.
وأعرب عن أمله فى أن تخرج الندوة، التى شارك فى تنظيمها اللجنة الإعلامية والمجلس بالتعاون مع البرنامج والشبكة العربية للمنظمات الأهلية، برؤى مشتركة يساهم فيها الشخصيات المشاركة وتجمع بين الممارسة العملية والخبرات البحثية لمساعدة هيئات ومنظمات المجتمع المدنى على تكريس دورها فى العمل التنموى الذى يخدم أكثر فئات المجتمع حاجة لها وتساهم مع الجمعيات الأهلية، باعتبارها أحد مكونات المجتمع المدنى، ووفقًا للقوانين النابعة من التشريعات التى تعلى من شأن المصلحة الوطنية العليا ليصبحوا قادرين على المشاركة فى صنع الحياة بدلا من البقاء على هامشها، وأن يعملوا على سد منافذ إغراءات التمويل التى يثبت تآمرها وتهديدها لأمن وسلامة المجتمع تحت مسميات الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان أو الدعاوى الإيمانية.
كما أعرب عن تطلعه فى أن تكون منظمات المجتمع المدنى شريك فاعل وأصيل مع الحكومات فى عمليات التنمية الشاملة فى كل دول المنطقة العربية لتعمل على تحقيق الأهداف التنموية الوطنية والحقوقية لبلدانها من أجل تحسين نوعية الحياة والرخاء للإنسان العربى، وتأكيد حقه فى الحرية والعيش الكريم.
ومن جانبها، أعلنت الدكتورة أمانى قنديل المدير التنفيذى للشبكة العربية للمنظمات الأهلية فى ورقة العمل التى طرحتها أن عدد المنظمات الأهلية فى مصر يتجاوز 42 ألف منظمة فيما يصل عددها على المستوى العربى إلى 375 ألف منظمة أهلية موزعة بنسب مختلفة على الدول العربية، و15% منها فى الدول التى تسمح تشريعاتها بالتمويل الأجنبى، مؤكدة أنه منذ الإعلان الرسمى عن الشبكة فى عام 1997 والتى يتم تمويلها من مؤسسات العربية لم تحاول مؤسسة عربية واحدة فرض رؤيتها أو رأيها على الشبكة لأنها تعمل فى إطار استراتيجية خاصة بها تضم رؤية واضحة للأولويات.
واستعرضت ثلاثة محاور تتعلق بالتمويل الأجنبى الأول منه هو "مدخل الاقتراب من تحليل الموضوع" والثانى "المشهد العام الحالي" والثالث " المخاطر وكرة الثلج"، مشيرة إلى أن هذه الورقة تهدف إلى إثارة التفكير والنقاش حول موضوع مهم – "قديم وجديد"- فهو مطروح للجدل منذ ثمانينيات القرن العشرين، وإن قضية التمويل الأجنبى ارتبطت فى البداية بالبحث العلمى والدراسات ومراكز البحوث التى يتم تمويلها من الخارج، حيث تم اعتبارها من جانب البعض – خاصة فى الحالة المصرية- عمل يسهم فى الكشف عن "تفاصيل دقيقة" للمجتمعات العربية التى نشط فيها التمويل الغربى.
وأضافت أنه تم النظر إلى القضية برمتها باعتبارها "مساس بالأمن القومي" إلا أن التطورات العالمية، فيما بعد، خاصة من منظور تكنولوجيا الاتصال، أدت إلى إغلاق هذا الملف، مع تصاعد الاهتمام العالمى والإقليمى بالمجتمع المدنى من ناحية، ومع ميلاد عشرات المنظمات الحقوقية والدفاعية فى الدول العربية فى التسعينيات (مصر، لبنان، الأردن، المغرب، اليمن).
وأوضحت أن النقلة التاريخية التالية، لتصعيد ملف التمويل الغربى لمنظمات المجتمع المدنى فى بعض الدول العربية، أتت فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، فى لحظات الطرح الغربى "لمشروع الشرق الأوسط الكبير" وأطروحة "الفوضى الخلاقة" حيث حدث انشقاق كبير داخل المنظمات الحقوقية، واستقلت بعض القيادات فى فتح منظمات حقوقية جديدة أطلق عليها "دكاكين حقوق الإنسان".
وأشارت إلى أنه التوسع فى المنظمات الحقوقية وضعنا إزاء ظاهرة "مشرومية"، فبعد أن كان عدد هذه المنظمات فى مصر 27 منظمة فقط، وصلت مع نهاية العقد الأول للألفية الثالثة إلى 214 منظمة (منهم ما يقرب من 15 منظمة ترتبط بتيار الإسلام السياسى)، وبعد الثورة المصرية فى 25 يناير، تم رصد 430 منظمة حقوقية، وهى الظاهرة نفسها التى تواجدت فى المغرب، اليمن، لبنان، الأردن، ثم فى تونس بعد الثورة وتغيير النظام.
وتابعت أن التصاعد غير المسبوق فى تدفق التمويل من جانب مؤسسات التمويل الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، كان بسبب "الرهان الغربى" على أن المجتمع المدنى، وتحديدًا "القطاع الحقوقى" هو آلية رئيسية فى اتجاه الديمقراطية وإرساء "المواطنة" والدفاع عن حقوق الإنسان، وهنا كان تركيز هذه المؤسسات الممولة على الحقوق السياسية المدنية.
فيما قال السفير مروان زكى بدر مستشار وزير التعاون الدولى، إن مصر اعترضت على اقتطاع 75 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية مباشرة عن طريق الكونجرس لتمويل المنظمات غير الحكومية دون الاتفاق على ذلك، لأنه لا يجوز للكونجرس اتخاذ قرار بشأن مصرى داخلى، كما أن التمويل يجب أن يخصص لمنظمات غير الحكومية من خلال ضوابط القانون الموجود فى ذلك الوقت، وبالنسبة للمنظمات الأجنبية فيجب أن تكون أجنبية تعمل من خلال وزارة الخارجية المصرية، التى توافق على هذا الأمر بالتعاون مع التضامن.
وأوضح خلال كلمته بندوة "دور منظمات المجتمع المدنى بين التمويل العربى ومخاطر التمويل الأجنبى" أن وزارة التعاون الدولى دخلت هذا المجال فى عامى 2004 و2005 ولم تكن هناك مشكلات قديما وكانت المنظمات المصرية تتلقى تمويلا طبيعيا وسمح لتلك المنظمات الأجنبية بالتواجد فى مصر وحتى 2011 وصل عدد المنظمات إلى 24 ألف منظمة منها 50 منظمة أجنبية، حيث بدأ التمويل ببرنامج المساعدات الأمريكية والذى جاء عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكان له شق عسكرى وشق اقتصادى وكان مبدأ المساعدات الاقتصادى ثابت وواضح وتذهب الإدارة إلى الكونجرس الأمريكى، للموافقة على برامج المساعدات وبعدها تدخل الحكومة المصرية فى مفاوضات حول كيفية استخدام المبلغ، وكنا نتفق على مجموعة برامج ومشروعات بالاتفاق بين الحكومتين.
وأكد أن المشكلة بدأت بعدما قررت أمريكا فجأة تقديم 75 مليون دولار لدعم المنظمات المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011، وذلك فى إطار برنامج المساعدات السنوى دون الالتزام بالخطوات المعتادة، حيث كنا نتفق سنويًا على أهداف استراتيجية تتراوح بين أربعة أو خمسة أهداف يتم تمويل المنظمات من خلالها، موضحا أن الجانب الأمريكى طرح تمويل موضوع الديمقراطية والحكم الرشيد فى التسعينات والحكومة المصرية وافقت على ذلك وتم تنفيذ مشروعات تحت هذا المسمى استفاد منها العديد من الجمعيات والمنظمات بالاتفاق بين الجانبين وفى بعض الأحيان كانت هناك مناقشات.
وأكد الدكتور جبرين الجبرين مدير المشاريع، فى برنامج الخليج العربى للتنمية "اجفند " أن البرنامج هو صندوق تنموى أسس عام 1980 بمبادرة من الأمير طلال بن عبد العزيز، وبدعم وتأييد من قادة دول الخليج العربية التى تشكل عضويته وتساهم فى ميزانيته، حيث يعنى البرنامج بدعم جهود التنمية البشرية الموجهة للمرأة والطفل فى دول العالم الأقل نموًا، فى ظل شراكة تنموية مع منظمات الأمم المتحدة الإنمائية والدولية والإقليمية، صناديق وبنوك التنمية العربية الوطنية والإقليمية، المؤسسات والجهات الحكومية، المنظمات والجمعيات الأهلية العربية.
وأشار جبرين، خلال ندوة "منظمات المجتمع المدنى بين التمويل العربى ومخاطر التمويل الأجنبى"، إلى أن توجه أجفند للتعاون مع منظمات المجتمع المدنى العربى واختيارها شريكًا تنمويًا جاء بناء على الرؤية الثاقبة للأمير طلال بن عبد العزيز الذى كان سباقًا فى التأكيد على الدور التنموى الفاعل للجمعيات الأهلية، وذلك من واقع سجلها الحافل بالعطاء، وإسهاماتها فى دعم مسيرة التنمية على المستوى العالمى، بالإضافة إلى إدراك تلك المنظمات للاحتياجات الأساسية للمستفيدين منها، وسعيها إلى تلبيتها بجهود طوعية تعكس إحساس الأفراد بمسئولياتهم تجاه أوطانهم، موضحًا أن تلك التنظيمات تمتلك ميزات مقارنة فى تنفيذ المشاريع التنموية تجعلها تتغلب على القطاعين العام والخاص (التكلفة، الجودة، المشاركة ).
واستعرض مواصفات وشروط الجمعيات المؤهلة للاستفادة من دعم الأجفند والمعايير التمويلية للمشروعات التنموية، مشيرًا إلى أنه تم تطوير نموذج استرشادى يمكن استخدامه من قبل الجمعيات الأهلية فى إعداد وثائق المشروعات التنموية التى يمكن لها أن تقدمه إلى الأجفند وغيره من المنظمات الإقليمية والدولية بهدف بحث إمكانية تمويل تلك المشروعات لتوحيد جهود العمل الطوعى فى الدول العربية من خلال العمل تحت مظلة الشبكة.
وأكد أن رؤية أجفند لمستقبل الدور التنموى لمنظمات المجتمع المدنى العربى وآليات تفعيله تشمل دعوة مؤسسات التمويل وصناديق التنمية العربية إلى منح اهتمام أكبر للقطاعات الاجتماعية التى تعمل بها منظمات المجتمع المدنى العربى وفتح نوافذ تمويلية لتمويل مشاريع وبرامج تلك المنظمات، ومنحها أولوية كبرى فى عمليات التمويل، اعتماد معايير واضحة لمؤسسة الدور التنموى للمنظمات غير الربحية، وبما يحقق التميز فى الأداء، خلق البيئة الملائمة لنمو وتطوير كوادر تلك المنظمات وتمكينها من الاضطلاع بدورها التنموى فى كفاءة وفاعلية، سن أنظمة وتشريعات ضريبية تمكن الأفراد والشركات من توجيه مواردهم المالية لدعم مشاريع تلك الجمعيات، وتفعيل المسئولية الاجتماعية لخدمة شرائح كبيرة من المستفيدين من خدمات تلك المنظمات، مع ضرورة إيجاد آليات المراقبة الفاعلة.
ثم تحدث الإعلامى المصرى حافظ الميرازى عن المسئولية المجتمعية للإعلام، وقال إن كل تعميم خاطئ، وللأسف جزء من النتائج غير المقصودة للإعلام هو إحداث تعميمات، والمطلوب هنا عدم التركيز على الأخطاء بهدف إبراز مساوئ المجتمع، وهى معضلة نواجهها عبر الانتقائية إضافة إلى استخدام مصطلحات بهدف الإساءة مثل إبراز كلمة "التمويل" التى تعنى أن ما بعدها سيئ.
وأضاف أنه توجد معايير أساسية يجب التعامل معها فى هذه القضية أهمها الفائدة التى تعود على المجتمع من أى منظمة أو مشروع، متسائلا هل يحق للبعض أن يقيم مشروعًا أو عملا ما دون تسميته منظمة أهلية وإعلانه عدم رغبته فى الحصول على مقابل مالى.
وتواصل الندوة التى تعقد على هيئة مائدة حوار عقد جلساتها فى وقت لاحق مساء اليوم، للخروج برؤية شاملة حول دور المنظمات التمويلية وتوجهاتها والصعوبات التى تواجهها فى المرحلة القادمة ومدى الحاجة إلى إعادة النظر فى برامجها، وتقييم نظمها وبرامجها وطرح الأجفند كنموذج للتمويل التنموى الموجه لخدمة وبناء الإنسان العربى.
ندوة تطالب بتحجيم شيطنة "المجتمع المدنى" بزعم تمويل "الديمقراطية"
الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013 05:10 ص
الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس العربى للطفولة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة